حتى كتابة هذه السطور لم يصدر أي رد فعل رسمي من المملكة العربية السعودية على “تغريدة” الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المفاجئة والمهينة، التي قال فيها “أنها ستتكفل بالمبلغ المطلوب لإعادة إعمار سورية بدلا من الولايات المتحدة”، وتساءل “أترون أليس من الجيد أن تقوم الدولة الفاحشة الثراء (السعودية) بمساعدة جيرانها في عملية إعادة الإعمار بدلا من دولة عظمى؟ أمريكا تبعد 5000 ميل.. شكرا للسعودية”، نقول إنها “تغريدة مهينة”، لأنها توحي بأن الرئيس ترامب يتعاطى مع “حليفته” السعودية كما لو أنها ماكينة صرف آلي موضوعة تحت تصرفه، يوجه إليها التعليمات وتقوم بتنفيذها دون أي اعتراض طالما يملك الأرقام السرية.
الرئيس ترامب وقع قبل يومين قرارا بسحب جميع قواته من شمال سورية (تعدادها 2200 جندي) وأوكل مهمة التعاطي مع الأكراد، حلفاءه الذين تخلى عنهم لحليفه الآخر الرئيس رجب طيب أردوغان، في صفقة لا نعرف حتى الآن تفاصيلها، وقال له “إنها سورية كلها لك.. تصرف كيفما تشاء” وها هو يضع مسؤولية إعادة الإعمار على عاتق حليفه السعودي الآخر بتغريدة على حسابه على موقع التدوينات القصيرة “التويتر” وربما دون أي تنسيق أو حتى تبليغ مسبق، مثلما يمكن رصده من خلال ردود الفعل الصامتة.
اللافت أن الرئيس الأمريكي الذي وصف الثراء السعودي بالفاحش، لم يطالب دولا أخرى خليجية، مثل قطر والإمارات بمشاركة السعودية في تحميل هذا العبء، ولم يحدد أي مبالغ، وهناك تقديرات أولية تقدر تكاليف عملية إعادة الإعمار هذه في حدود 300 إلى 400 مليار دولار.
الإدارات الأمريكية هي التي وضعت مخططات التدخل العسكري لتغيير النظام في سورية، ووزعت الأدوار، وطالبت حلفاءها العرب في الخليج (الفارسي) وأوروبا تمويله، وتسليح جماعات المعارضة المسلحة، وتسهيل تدفق المتطوعين إليها، واعترف الشيخ حمد بن جاسم، رئيس وزراء قطر الأسبق، في أكثر من مقابلة صحافية، أن بلاده لم تنفق دولارا واحدا في سورية دون التنسيق مع واشنطن ووكالاتها الأمنية المختصة، (وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (سي آي إيه)، ويظل السؤال هو عن أسباب تملق إدارة الرئيس ترامب من أي مسؤولية في عملية إعادة إعمار ما دمرته قواتها ومخابراتها ومخططاتها في سورية، وإلقاء هذه المسؤولية على الطرف السعودي فقط لأنه يتمتع بثراء فاحش، ولماذا يقبل هذا الطرف بهذه الإملاءات دون أي نقاش؟
الرئيس ترامب اعترف أكثر من مرة أن بلاده ضخت حوالي 70 مليار دولار في الحرب على سورية ولم تجن إلا “الصفر” في المقابل، ولا نعتقد أنها خصصت هذا المبلغ الضخم جدا، لبناء المستشفيات والمدارس والجامعات والمساجد والكنائس، وإنما لتدمير المدن البنى التحتية، والتسبب بقتل مئات الآلاف من أبناء الشعب السوري دون أي رحمة أو شفقة.
نتفق معه في أن الولايات المتحدة تبعد خمسة آلاف ميل عن سورية، ولكننا نختلف معه في استخدام هذا العذر للتهرب من عملية إعادة الإعمار، ألم تكن بعيدة أيضا عندما جاءت بقواتها وجنودها لتدمير سورية، أم أن بعد المسافة مبرر في حالة التدمير، وغير مبرر في حالة إعادة الإعمار.