في ليلة ظلماء ممطرة، وبلا أضواء خارجية؛ هبطت طائرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في قاعدة عين الأسد في الصحراء الغربية من الأنبار، وبزيارة سرية، ويقال أن الحكومة العراقية على علم بها.
ما أن أُعلن عن زيارة الرئيس الأمريكي للعراق، حتى توالت الأخبار والصور المختلفة للزيارة، فشيئاً فشيء، تصاعدت الخطابات الإعلامية والتنديد، وتم تناول الزيارة من جواب متعددة، وأضيفت قضية آخرى للتنازعات السياسية تثير وتيرة المزايدات.
رغم أن الرؤساء السابقين جورج بوش وبارك أوباما، زاروا العراق وبالطريقة نفسها، إلاّ أن الأطراف السياسية، التي تعتبر نفسها معادية للمعسكر الأمريكي، لم تندد في ذلك الوقت، وأصدرت بيانات إستنكار، معتبرة الزيارة إنتهاك للسيادة الوطنية، وإنتقاصاً من الحكومة العراقية، ونفس الأطراف وغيرها، تصر على أن الزيارة دون علم الحكومة العراقية.
الحقيقة أن الحكومة الأمريكية أبلغت الحكومة العراقية بالزيارة، قبل فترة قصيرة من توجه ترامب للعراق، ووجه الرئيس الأمريكي دعوة لرئيس الوزراء عادل عبدالمهدي، للقاء به في قاعدة عين الأسد، ورفض الأخير الدعوة، وهذا لم يتناوله الإعلام ولا قادة الكتل، أو من تناوله بشكل خجول أمام سيل الهجوم الشرس من الإتهامات المتبادلة، وأستمر عادل عبدالمهدي بالعمل دون ضوضاء، وحلفاءه يتحدثون عنه بالسلب في كل القضايا، بما فيها مشكلة تعطيل إكمال الكابينة الحكومية.
أن زيارة أي مسؤول أمريكي للقواعد الأمريكية في العراق، وكما في أية قاعدة عسكرية أمريكية، ليس فيها إنتهاك للسيادة ولا تحتاج موافقة الحكومة العراقية، لأن وجودها ضمن الإتفاقية الإستراتيجية الموقعة من الحكومات السابقة، وقبل جلاء القوات الأمريكية من المدن العراقية في عام 2011م، وموقف عبدالمهدي يستحق الإشادة وبواجهة التصريحات الإعلامية والسياسية، حين طلب اللقاء في بغداد، وترامب جاء سراً، ولم يعلن إلا حين عودته لواشنطن.
تصريحات ترامب مثيرة للإستغراب كعادتها، بوصفها زيارة لمناطق غير آمنة، وهذا منافٍ للحقيقة التي لا يعرفها كرئيس، لذا جاء سراً متستراً.
شكراً ترامب، لقد أوضحت حقائق كثيرة، أولها؛ أن القوات الأمريكية وشخص الرئيس لا يعرفون أن الأمن في العراق حققته دماء جليلة، وأن الزيارة بهذا الشكل تريد إبقاء العراق والمنطقة بواقع هش، والإيحاء بوجود تهديد إرهابي للمنطقة، والثانية: أن المزايدات تجافي الحقيقة، وتبحث عن أية ورقة لإتهام قوى آخرى، بل تصور العراق بلداً تابعاً، والثالثة؛ أن الزيارة ستشغل وسائل الإعلام وسياسيين، بقضية يقضمونها في الأيام القادمة، لصرف نظر الشارع عن أنانية بعضها، وصراعاتها على السلطة، ولا بأس من إستخدام ورقة الزيارة، لزج قوى سياسية وأتهامها بتنفيذ المشروع الأمريكي، شكراً ترامب، سينشغل العراقيون بالزيارة، ولكنك جبان جئت سراً، والعراق بصدد إزالة كل مخلفات الإرهاب، وشكراً لأن الساسة سيرمون عيوبهم عليك، شكراً ترامب.
واثق الجابري