مـكانة الـشباب في تـنمـية الـمجتمع المدني "الجزء الثاني"

ثلاثاء, 01/08/2019 - 19:45

يقول برتراند بادي "كل المؤسسات التي تتيح للأفراد التمكن من الخيرات والمنافع دون تدخل أو وساطة من الدولة".
ووايت جوردون يصفه بأنه "مملكة توسطية تقع بين الدولة والأسرة، وتقطنها منظمات منفصلة عن الدولة، وتتمتع باستقلال ذاتي في علاقتها معها، وتتشكل طوعا من أفراد يهدفون إلى حماية مصالح أو قيم معينة".
وأرى بأنـه "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة، التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، لتحقيق مصالح أفرادها، ملتزمة في ذلك بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح، والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف". 
ونفس الأمر عند سعد الدين إبراهيم الذي يعتبره ذلك: "المجال الذي يتفاعل فيه المواطنون، ويؤسسون بإرادتهم الحرة، تنظيمات مستقلة عن السلطة، للتعبير عن المشاعر، أو تحقيق المصالح، أو خدمة القضايا المشتركة".

إن هذا الاختلاف في تعريفات المجتمع المدني يقول فيه محمد عابد الجابري ، فمهما كان، فإن ما هو بديهي ولا يمكن أن يكون محل اختلاف، هو أن المجتمع المدني أولا وقبل كل شيء "مجتمع المدن"، وأن مؤسساته هي التي ينشئها الناس بينهم في المدينة، لتنظيم حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، فهي إذن مؤسسات إرادية، أو شبه إرادية، يقيمها الناس وينخرطون فيها، أو يحلونها، أو ينسحبون منها، وذلك على النقيض تماما من مؤسسات المجتمع البدوي التي هي مؤسسات "طبيعية" يولد الفرد منتميا إليها، مندمجا فيها، ولا يستطيع الانسحاب منها كالقبيلة والطائفة،
وتتفق مجموعة من الدراسات الأكاديمية والجامعية على أن المجتمع المدني هو "مجموعة التنظيمات التطوعية الحرة التي تملأ المجال العام بين الأسرة والدولة، أي بين مؤسسات القرابة ومؤسسات الدولة التي لا مجال للاختيار في عضويتها، هذه التنظيمات التطوعية الحرة تنشأ لتحقيق مصالح أفرادها، أو لتقديم خدمات للمواطنين، أو ممارسة أنشطة إنسانية متنوعة، وتلتزم في وجودها ونشاطها بقيم ومعايير الاحترام والتراضي والتسامح، والمشاركة والإدارة السلمية للتنوع والاختلاف"؛
إن القول في شأن نقل المفهوم الذي يعبر عنه المصطلح "أي المجتمع المدني" من بيئته الغربية إلى المحيط العربي دون تهيئة تربة جديدة ملائمة لغرسه باعتبار أن المصطلح إنتاج غربي، ويرتبط بمفاهيم الديمقراطية الليبرالية، هذا النقل يؤدي إلى عدم الأخذ بعين الاعتبار "خصوصية الدولة المغربية وتركيبها، وأسس ونوعية العلاقات التي تنبني عليها سلطتها ومشروعيتها، وإغفال ما يمكن تسميته بالشعور الذاتي لهذه التنظيمات، والرؤية التي تكونها عن نفسها ومسؤوليتها"، وأضيف أن هناك إهمالا لتعريف هيغل للمجتمع المدني الذي يركز على فكرة الوسائطية، التي تجعل المجتمع المدني وسيطا بين الأسرة والدولة، مما يستلزم تجاوز البنية العلائقية الأسرية والقبلية والعشائرية؛ 
غير أنه بالرغم مما يطرحه نقل المفاهيم والمصطلحات الغربية إلى الثقافة العربية من إشكاليات، خاصة في المجال المعرفي والفلسفي، لأن ثمة هناك ظواهر كونية تشترك فيها المجتمعات البشرية، ومن هذه الظواهر نزوع الإنسان بطبيعته إلى العمل الجماعي لتحقيق منافع مشتركة، وإذا كانت تجليات المجتمع المدني متعددة ومتنوعة، وتحمل كل منها خصائص المجتمع الذي انبثقت منه، والمكان والزمان الذين وُجدت فيهما، فإنها لا تخلو من عناصر مشتركة بينها، يعيد إنتاجها العقل الإنساني الكوني في أماكن مختلفة، وعصور مغايرة، ويطبعها كل شعب بطابعه الخاص انطلاقا من هويته المتميزة.

 
المغرب عرف منذ زمن طويل، تنظيمات مدنية نشأت بعفوية، واستجابة لحاجات مجتمعية، وتتمتع بالاستقلالية؛ وإذا كانت الظروف السياسية قد أفرزت بعض الكيانات خارج هذا الإطار، فإن ذلك لم يؤد إلى اندثار أو تغييب العمل الجمعوي المنبثق من المجتمع، والذي يعمل انطلاقا من وعيه الذاتي، وباستقلال عن الدولة كما سنرى.

يتضح من خلال كل هذه النماذج من التعاريف المذكورة للمجتمع المدني، ما يفيد في القول بأن مصطلح المجتمع المدني في التداول السوسيولوجي المعاصر، أو في الأدبيات السياسية الحديثة، معنى "الوسائط المبادرة" التي تنطلق بدء من الاتفاق على تشكيله وتأسيسه من خلال مجموع إرادات الأفراد الساعين من وراء ذلك تحقيق طموحاتهم وغاياتهم ومطالبهم التنموية .

ورغم تعدد واختلاف تعاريف المجتمع المدني فإن معظمها يركز على مقومات أساسية يستند عليها في وجوده ويمكن تلخيص أهم ركائزها فيما يلي:
التطوعية: وتعني الرغبة المشتركة لأصحابها بمحض إرادتهم الحرة في ظل تعايش واقعي مع ظروف المجتمع، غير مفروضة من طرف أي جهة، واختيارا لتقديم خدمة للمجتمع دون توقع لأجر مادي مقابل هذا الجهد للإيمان بقضية معينة مع ضرورة توفر القدرة اللازمة على التفاعل والتعايش مع كل أفراد المجتمع، ولا يتم إحداثها استجابة لتعليمات أو توجيهات من الغير، وممارس أنشطة تستجيب للأهداف التي المسطرة لنفسها بعيدا عن أي ضغط أو تأثير خارجي، والوعي بجسامة المسؤولية، وبأهمية الانخراط في القضايا العامة بالاشتراك مع الآخرين، وما يقتضيه ذلك من تطوع وتضامن وتعاون من أجل المصالح العامة الأسمى، التي تعود بالنفع على المجتمع ككل.

التنظيم: يخضع للقوانين السائدة والتي تتيح حرية تأسيسها من جهة، كما تخضع في تسييرها وقيامها بمهامها لقوانينها الأساسية، وأنظمتها الداخلية من جهة ثانية، وتقوم العلاقة بين أعضاء الجمعية على أساس التكافؤ واحترام كل الآراء والاجتهادات، مما يجعل الجمعية إطارا يتيح ويشجع كل الأعضاء على الابتكار والإبداع، والمساهمة الإيجابية في الوصول إلى الغايات المشروعة المشتركة.
الاستقلال عن الدولة: فهي لا تكون أداة تُسخر إنها منظومة ذاتية التأسيس والاشتغال، أن علاقته بها لا تتسم برابطة التبعية، وعندما تكون هناك أوراش تساهم فيها الدولة والمجتمع المدني في نفس الوقت، فإن طبيعة العلاقة في هذه الحالة تكون مبنية على الشراكة والتعاون، غير أن علاقات التكامل بين المجتمع المدني والدولة تخضع فيها كل العلاقات لسيادة القانون، أما إذا كانت الدولة تقيد الحريات، وتنهج أسلوب القمع مع الأفراد والجماعات، فإن هيئات المجتمع المدني في هذه الحالة، إن وجدت، تكون قوة معارضة.

                                                                                                                                                                

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف