طُرِدَ داعش كقوة عسكرية من الموصل، الا أن عقيدته وقوانينه وتقاليده واساليبه وممارساته ظلت باقية دون ان تتزعزع. ومن يتابع التقرير الذي ننشره على صفحات هذه الجريدة يتلمس ما نشير اليه. فعندما تحل شرطة "المتابعة" بدل الحسبة وعندما يتحول استاذ جامعي الى احد شيوخ او ملالي داعش بأعلان فتوى مباشرة يحرض فيها ذوي الطالبات ضدهن وتحت عنوان محاربة الانحلال الاخلاقي والفساد من منظوره، وعندما يجد الطلبة انه ليس هناك من يحميهم من تطاولات هذه العصابات التي ارتدت زيا اخر يتلائم مع الاوضاع الجديدة، فداعش ما زال حيا يرزق ولم يهزم من الموصل. وفي كربلاء يلبس داعش زيا اخر او يتلون بلون اخر مثل الحرباء كي يتلائم مع طقوس المدينة وظروفها الاجتماعية وقواعد اللعبة فيها ويتناغم مع اوضاعها الامنية، ليردي كاتبا روائيا قتيلا وهو علاء مشذوب بوابل من الرصاص وقرب منزله في طريق عودته من ندوة او تجمع للمثقفين والادباء في المدينة. بين داعش الموصل وداعش كربلاء قاسم مشترك وهي الهوية الدينية الواحدة، ورسالته في كلتا المدينتين واحدة، وهي بعث رسالة واضحة مفادها لا حرية للفكر ولا للعقيدة ولا للضمير ولا حرية شخصية الا للصوص والفاسدين. فالاستاذ الجامعي لم يصدر فتوى ضد الفاسدين الذين سلموا الموصل بالتنسيق والتعاون مع حكام الظلم الطائفي في بغداد الى عصابات داعش، ولم يقول كلمة واحدة عن ما تفعله الحكومة المحلية في الموصل من مجلس المحافظة والمحافظ بأموال الاعمار وعن تنصلها من جميع مسؤوليتها تجاه الالاف المؤلفة من النازحين في مخيمات، اصبح العيش البائس فيها اهون عليهم من العودة الى منازلهم المهدمة وديارهم الخالية من الخدمات والجثث المتراكمة تحت خرائب الابنية المدمرة بسبب المعارك ضد داعش. ليس صحيحا ابدا ان دواعش كربلاء أفضل من دواعش الموصل، وليس صحيحا ان هزيمة داعش في المنطقة الغربية يعني هزيمة داعش في عموم العراق. فداعش ليس قوة عسكرية، بل هي قوة فكرية واجتماعية تستمد سلطانها من الطبقة السياسية الحاكمة سواء في بغداد او في جميع محافظات العراق المتمثلة بالحكومات المحلية. وعندما يصدر قانون غير قانوني من مجلس محافظة البصرة وهو الحكم بالحبس مدة ٦ أشهر على كل من احتسى الخمر وغرامة ٥٠٠ الف دينار، وهو مناقض وبشكل سافر حتى للحريات التي اقرها الدستور، والذي تنفذ السلطات كل بنودها باستثاء بنود الحريات الفردية والشخصية، فيدرك المرء دون اي عناء من اين يستمد الدواعش سلطانهم. وفي الوقت ذاته تسمم مياه الشرب وتقتل ملايين الاسماك وتتحول مناطق البصرة الى تلال من الزبالة ويلقى مصير الاف من العاطلين في مهب الريح، فيعني ايضا ان داعش بشقيه الشيعي والسني يريدون عراقا خاليا من "الانسان". ان صراع داعش الموصل مع داعش كربلاء الذي توج في ١٠ حزيران ٢٠١٤ يوم اعلان دولة الخلافة الاسلامية في ثلث مساحة العراق وسورية، لم يكن ابدا صراعا بين الوحشية والمدنية، ولم يكن ابدا صراعا على غرار صراع او صدام الحضارات، ولم يكن صراعا اجتماعيا سياسيا، اي بين تيار يمثل الطبقة البرجوازية مع تيار اخر يمثل العمال ومحرومي المجتمع، او صراعا بين الشمال والجنوب كما في الولايات المتحدة الامريكية الذي تحول الى حرب ضروس، اي بين تيار يريد تحرير العبيد واخر يريد تخليد العبودية، لقد كان صراعا بين جناحين لهما نفس العقيدة والفكر ويحملان هوية مشتركة محتواها المعاداة السافرة للانسان وقيمه وكرامته، انه صراع من اجل النفوذ والامتيازات والسلطة. وكل ما لف حول هذا الصراع وما غطي به وما طمس وتحت عنوان الحرب على الارهاب من قبل داعش الشيعي او ما سوقه داعش السني تحت عنوان الاسلام هو الحل ليس الا كذبة سافرة تخفي في طياتها نفاق قل نظيره بالتاريخ. ان الاستاذ الجامعي الذي يحرض الاهالي ضد بناتهم الطالبات عبر شبكات التواصل الاجتماعي لانهن يتحدثن مع زملائهن ويدعو بشكل غير مباشر الى وأد جميع الطالبات هو وزبانية "المتابعة" في جامعة الموصل، فهو يحتمي بالسلطة الحاكمة في الموصل بنفس قدر تلك المليشيات التي تحتمي بالسلطات المحلية في كربلاء عندما قتلت بدم بارد الكاتب والاديب علاء مشذوب في كربلاء. ان الرد على التحريض وعصابات المتابعة وقتلة علاء مشذوب، لن يكون عبر الاكتفاء بالادانة والشجب، ولن يكون عبر الضغط عن طريق كل اشكال الاحتجاجات على الحكومة المحلية والمركزية بتقديم المجرمين والقتلة والمحرضين الى المحاكم، بل يجب ان تتعلم الدواعش الدرس سواء كان سنيا في الموصل او شيعيا في كربلاء من احتجاجات جماهير البصرة عندما هربت المليشيات واعضاء مجلس المحافظة والمحافظ في ليلة غاب فيها القمر.
سمير عادل