فرق بين التبني وكفالة اليتيم في الإسلام

سبت, 02/23/2019 - 01:49
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي

المآسي البشرية والاجتماعية كالحروب أو الكوارث أو الفقر والمجاعات، أو المآسي الشخصية والمصائب التي تحل ببعض أفراد المجتمع لها بالغ الأثر على صعد عدة من نواحي الحياة لهذا المجتمع أو ذاك، ويعد الأطفال هم أصحاب النصيب الأكبر من هذه المآسي والآثار الناتجة عنها، حيث تعتبر ظواهر كالتشرد وبقاء بعض الأطفال بلا أهل يقومون على تربيتهم ورعايتهم أو سند يساعدهم في مواجهة صعوبات الحياة وتلبية متطلباتها من النتائج الأكثر وضوحاً لهذه المآسي، وهنا بالتحديد كان لمفهوم التبني والعمل على مساعدة هؤلاء الأطفال ضرورة هامة للتخفيف قدر الإمكان من نتائج وآثار هذه المآسي ومساعدة هذه الفئة الضعيفة على تجاوز صعوبات الحياة وإنقاذهم من شبح التشرد أو الانحراف أو حتى المرض.

نالت فكرة التبني اهتماماً مفصلاً في الفقه الإسلامي من حيث التحليل والتحريم، والذي يقوم أساساً على الفرق بين مفهوم التبني وكفالة الأيتام.

فالإسلام وضَّح الفرق بين التبني وكفالة اليتيم من خلال قصة  زيد بن حارثة رضي الله عنه الذي تبناه الرسول صلى الله عليه وسلم وكان يدعى زيد بن محمد، وذلك بنزول الآية الكريمة من سورة الأحزاب (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ) ، ومن هنا جاء التفريق بين مفهوم التبني وكفالة اليتيم:

التبني: ويعني أن يتخذ المرء ابناً ليس ولده ولا من نسبه، ثم ينسبه إليه ويتعامل معه وكأنه ابنه الحقيقي، وهذا محرَّم في الإسلام لما فيه من ضياع للأنساب ولاختلاط الجنسين المحرم بين الطفل المتبنى وأسرة المتبني، كما أن هذا النوع من التبني قد يسبب مشاكل في الميراث وضياعاً للحقوق وهذا أيضاً محرم في الإسلام.

كفالة اليتيم: أمَّا هذا النوع من التبني فهو أن يتكفل الشخص بالقيام على تربية طفل ليس من صلبه ورعاية شؤونه لأسباب وظروف خاصة بكل حالة، وهذا النوع من التبني لا بأس فيه بل على العكس من ذلك فإنه يمارس وظيفة أخلاقية ويعتبر من أعمال الخير المفضلة في الإسلام، ولا يترتب على كفالة اليتيم نسبته إلى متبنيه أو دخوله في الوَرَثة دون وصية، وبذلك يتحقق قوله تعالى (ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّه).

بوجيز العبارة: عندما كان جوهر مفهوم التبني يقوم على رعاية اليتيم وحمايته وتوفير الحياة الكريمة له دون أن يعود ذلك بالضرر على أسرة المُتَبني أو يخل بالأنساب؛ أقر الإسلام رعاية اليتيم والتكفُّل به دون اعتباره منسوباً لمن يكفله أو وريثاً شرعياً له أو أخاً شقيقاً لأبنائه وبناته.

وبذلك حافظ التشريع الإسلامي على جوهر التبني ودوره الاجتماعي والأخلاقي، مع حماية المجتمع من الآثار التي قد تنتج عن اختلاط الأنساب أو توزيع الميراث، وأتاح الإسلام بطبيعة الحال لمن يرغب بتبني اليتيم وكفالته أن يقوم بالتوصية له بما شاء من تركته فيكون ذلك حلالاً خالصاً له ولا حرج عليه.

أما في دراستي هذه وفي معرض حديثي عن مفهوم التبني فإنما نقصد به النوع الثاني وهو كفالة الأيتام وعند الحديث عن تبني أحد الأطفال في هذا الإطار فهو يعني التكفل بتربيته ورعايته وتأمين حاجاته ومستلزماته، دون الحاجة لأن يكون هناك صلة قرابة أو رحم بين الطفل والشخص الذي يتبناه ويتعهد برعايته، ولكن مفهوم التبني متسع في معناه مشتمل على معاني قانونية أو شرعية متعددة ومختلفة بحسب كل مجتمع وثقافة، وأيضاً هناك اختلاف في مفهوم التبني من حيث الدوافع والحالات الخاصة أو العامة أو الهدف المرجو من القيام بفعل التبني.

حالات وأنواع وأشكال تبني الأطفال تبعاً لدوافعه
التبني كمفهوم واسع لا يمكن حصره في حالة محددة يقوم خلالها الشخص بتصرف أو نشاط معين تجاه طفل أو مجموعة أطفال واختزال معنى التبني بهذا التصرف أو ذلك النشاط، فالتبني بمفهومه الواسع متعدد في أشكاله ومتنوع في حالاته تبعاً لمتغيرات وعوامل تحدد سبب التبني والغاية منه، وبالتالي أشكاله وحالاته:

 التبني من ناحية التكفل بالأمور المادية أو المصاريف :وبهذا الشكل من التبني من غير الضروري أن يعيش الطفل مع من يتبناه، وإنما يتكفل الشخص المتبني فقط بمصاريف هذا الطفل سواء الغذائية أو التعليمية أو التدريبية، فبعض الأسر تعتبر فقيرة للغاية وغير قادرة على العناية بابنها أو تأمين حاجاته.

فبعض الأسر لا تتمكن لظروف معينة من إنجاب طفل بما يدفعهم لتبني طفل رضيع من دور الأيتام أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية.

محاربة التشرد: منعا لانتشار التشرد وأطفال الشوارع وما قد تؤدي إليه هذه الظواهر من نتائج سلبية على المجتمع وعلى الطفل نفسه، تلجأ المؤسسات الحكومية المختصة أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية إلى وضع هؤلاء  الأطفال ضمن برامج وخطط للرعاية الاجتماعية والتربوية والتعليمية.

فعل الخير: وهذا النوع من الدوافع يعتبر مرتبط بثقافة المجتمع وبأخلاق وقيم الفرد الذي يتخذ القرار بأن يتبنى طفلا يتيما أو مظلوما، وسببه في ذلك بعيد عن تحقيق مكسب أو مصلحة ما وإنما فقط لفعل الخير وإرضاء الضمير.

تبني طفل محتاج أو ضعيف أو لا يوجد له من يعتني به ويرعاه هو ظاهرة أخلاقية وثقافة اجتماعية لها آثار ونتائج مفيدة في كثير من الأحيان على الطفل المتبني أو الأشخاص الذين يتبنون طفل ما وعلى المجتمع عموما، ومن هذه الآثار والنتائج المفيدة للتبني بمختلف أشكاله يمكن أن نذكر:

التبني وتحقيق التكافل الاجتماعي

فبعض الأطفال يولدون بنصيب أو حظوظ أقل من أقرانهم، فمنهم من يولد في عائلات تعاني الفقر أو تفكك أو فقدان أحد الأفراد، ومنهم من ليس لديه الفرصة للتعلم أو الحصول على رعاية صحية وغذائية واجتماعية جيدة، وهنا للتبني أن يسد بعض من هذا النقص الذي يعاني منه مثل هؤلاء الأطفال.

فبعض الأطفال كنتيجة لظروف قد يقعون مرغمين ضحايا لظاهرة التشرد، وما قد تؤدي إليه هذه الظاهرة من انحراف ومساوئ تعود في نتائجها سواء على الطفل نفسه أو على المجتمع بشكل عام أو النظام الاجتماعي القائم، فمن هؤلاء المتشردين قد يخرج بعض اللصوص وأصحاب السوابق أو المجرمين أو المتسولين، وجميع أشكال الانحراف هذه تعود بأثرها السيئ على الفرد وعلى المجتمع برمته، ولكن عندما ينتشل هؤلاء الأطفال من بين براثن التشرد عن طريق التبني وتأمين الحاجات والرعاية الاجتماعية فهذا سوف يخفف من أثر هذه الظواهر.

عند إقدام أي شخص أو أسرة أو مؤسسة على تبني طفل والتكفل بتربيته ورعايته، فيجب ألَّا يتعاملوا مع الأمر وكأنه موضوع تسلية أو لعبة أو يمكنهم السماح لمزاجيتهم بالتحكم بالطريقة التي سوف يتعاملون بها مع هذا الطفل، كما يجب أن يكونوا على قدر من المسؤولية والأهلية قبل إقدامهم على هذه المسألة، ويجب أن يعرفوا واجباتهم العديدة نحو هذا الطفل الذي هم قادمون على جعله جزء من حياتهم أو أسرهم ومن هذه الواجبات :

 

يجب التعامل معه وكأنه طفلكم الحقيقي ولا يجب تفرقته عن باقي الأولاد وإشعاره بأنه أقل من محيطه أو أن هناك من يعطف ويشفق عليه.

 

عدم استغلال طفل التبني، فمن غير الأخلاقي استعباد الطفل المتبني أو استغلاله للقيام بأعمال لا تناسب عمره أو على سبيل السخرة أو إهانة كرامته والانتقاص من إنسانيته، لأن ذلك يكون أقرب إلى الاسترقاق والاستعباد منه إلى التبني.

 

يجب رعاية طفل التبني صحيا وغذائيا وتربويا، قدر المستطاع ويجب أن لا يحرم الطفل المتبنى من حقوقه الطبيعية، وتأمين مستوى لائق من الرعاية بأشكالها الغذائية أو الصحية أو التربوية.

 

التعليم: فالتعليم حق لكل طفل ويجب أن يسعى من بقدم على تبني  هذا الطفل إلى حصوله على حقه في التعليم والدخول إلى المدارس والمؤسسات التربوية ويجب أن يقدم له كل أنواع الدعم حتى يتمكن من النجاح في تعليمه وتحقيق مستوى أفضل في تحصيل الدراسي.

 

أن يكون لديهم القدرة على تأمين كافة حقوقه ومستلزماته: فمن غير المنطقي أن يقدم أحد على تبني طفل والتعهد برعايته دون أن يتمكن هو من رعاية نفسه، فالتبني بمفهومه ليس مجرد أن تجلب طفل يتيم للعيش في منزلك، وإنما يجب أن تكون قادر على تأمين حاجاته ومستلزماته الطبيعية كطفل، سواء من حيث اللعب أو المسكن أو الملبس والعديد من الحاجات الأخرى.

الأهلية التربوية والاجتماعية والنفسية: فالشخص أو الأسرة التي ترغب في التبني طفل ورعايته ، يجب أن تكون على مستوى معين من السوية النفسية والسمعة الاجتماعية بالإضافة للخبرة التعليمية والتربوية، حتى تتمكن أو يسمح لها بهذا التبني، فمن الخاطئ إخراج الطفل من مؤسسة  الرعاية الاجتماعية إلى أسرة سيئة السمعة أو السلوك، فهذه الحالة من التبني سوف تنعكس سلبا على الطفل.

 

فلا يمكن إحراج الطفل مجهول النسب أو التعامل معه وفق منطق أنه "لقيط" وأن هناك عار يلحق به، فهذا الطفل بريء وليس له ذنب بأنه جاء إلى الحياة ولا يعرف والديه، ويجب التعامل مع هؤلاء الأطفال بالعطف وإحاطتهم بالمحبة والحنان فلا ذنب لهم بما اقترفه غيرهم من ذنب.

 

 الأطفال دائما هم مستقبل أي مجتمع وسوف يقوم عليهم شكل هذا المستقبل وحالته من حيث التقدم والتطور أو التخلف والتراجع، وما نزرعه اليوم لدى هؤلاء الأطفال سوف نحصده غداً سواء على السبيل الشخصي أو العام، ومن هنا كان لرعاية الأطفال عموماً والفئة الضعيفة منهم كالذين وجدوا بكارثة أو مصيبة أو بلا أهل خصوصاً ضرورة قسوة لتحقيق العدالة الاجتماعية في الحاضر والتنمية بأشكالها المختلفة في المستقبل، وانطلاقاً مما سبق يعتبر مفهوم التبني من الظواهر الاجتماعية والإنسانية والأخلاقية المهمة للمضي قدماً في التخفيف من المآسي الاجتماعية بأشكالها المختلفة.

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

 

 

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف