"لا قيمة للإنسان لدى السلطات" في السعودية, ذلك ما قالته منظمة العفو الدولية وهي تعبّر عن ذهولها من إعدام 37 مواطناً سعودياً بالمملكة أمس الثلاثاء، وتَعتبر هذه الإعدامات مؤشراً مروّعاً على أنه لا قيمة لحياة الإنسان لدى السلطات السعودية التي تستخدم عقوبة الإعدام بشكل منتظم كأداة سياسية لسحق المعارضة من الأقلية الشيعية في البلاد.
وحقيقةُ أنَّ "لا قيمة للإنسان في السعودية" تزيد رسوخاً في أرض الواقع، في ظل استخدام النظام قانون مكافحة جرائم الإرهاب واسع النطاق الذي يحتوي قيوداً على الحريات الإنسانية الأساسية، ويتضمن عبارات "فضفاضة وغير محددة بصورة دقيقة، مما يفقدها الصفة القانونية التي تستلزم أن تكون المواد دقيقة ومحددة ولا تمس حقوق الإنسان"، كما تقول منظمة القسط.
لا قيمة للإنسان في السعودية في ظل اعتقال العشرات من الدعاة والأكاديميين والنشطاء السلميين والصحفيين والكُتّاب والأدباء والمحامين من كلا الجنسين. كما أنَّ قيمة الإنسان تتهاوى في المملكة بمجرد النظر إلى أوضاع السجون وممارسات التعذيب البدني أو النفسي التي تتم فيها كالإهمال الطبي والعزل الانفرادي والتضييق والحرمان الممنهج من النوم لفترات طويلة، والحبس في الزنازين ضيقة، والحرمان من الطعام والتغذية السليمة لإبقائه حياً للاستمرار في تعذيبه، والضرب المبرح والوحشي المفضي إلى الموت أو المفضي إلى عاهات، والصعق الكهربائي وإطفاء أعقاب السجائر على الجسد، وانتزاع الاعترافات تحت التعذيب، والحط من الكرامة، والتعرية من الملابس، وسكب الماء البارد، والتعليق من اليدين والقدمين، وحبس معتقلي الرأي مع القتلة ومدمني المخدرات، وعدم السماح بقضاء الحاجة في بعض الأوقات، والحرمان من مقابلة المحامين، والحرمان من توكيل المحامين، والحرمان كذلك من لقاء أسر المعتقلين لفترات طويلة ومنع التواصل بهم، واعتقال الأقارب، والتهديد باعتقال المحارم واغتصابهن، والعبث بالأعضاء التناسلية للمعتقلين، وجمعهم في مكان واحد عرايا.
في ظل كل هذا لا قيمة للإنسان على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي الذي يتجاهل النظام السعودي مطالباته بالكف عن ممارسة انتهاكاته ضد الإنسان وحقوق الإنسان التي تكفلها القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية والتي يُقرُّ بها النظام. فضلاً عن أنَّ لا قيمة للإنسان "المرأة" في السعودية والتي يتم الحكم عليها بحياة السجن وفقاً لنظام وصاية الرجل على المرأة، والذي جعل المرأة فريسةً للرجل عبر تطبيق "أبشر" التابع لوزارة الداخلية الذي يتجسس على نشاطات المرأة في الداخل ويُشعر "وليَّ الأمر" بتحركاتها، في انتهاكٍ صارخ لشؤون المرأة إثر عقدة انتقاصٍ تجاه المرأة لم يتخلص النظام منها كما هو الحال في "قيادة السيارة" المفعول بها منذ يونيو/حزيران 2018.
كما أن قيمة الإنسان في السعودية تتهاوى بالإمعان في أكثر من 100 شخص تم إعدامهم فقط منذ بداية العام الجاري 2019، في حين تستمر معدلات الإعدامات في الارتفاع منذ تولّي الأمير السعودي محمد بن سلمان منصب ولي العهد، إذ وصل عدد الإعدامات فقط بين يونيو/حزيران 2017 ومارس/آذار 2018 إلى 133 شخصاً معدوماً.
ولا قيمة للإنسان في ظل إخفاء جثمانه بعد إعدامه في السعودية.
بدءاً برجل الدين الشيعي نمر النمر، وليس انتهاءً بالصحفي السعودي جمال خاشقجي، يحتجز النظام ما لا يقل عن 30 جثماناً، معظمها لمعارضين شيعة، فضلاً عن تقطيع جثة خاشقجي التي لا يجد المجتمع الدولي إجابات من قِبل النظام السعودي عن مكانها حتى اليوم منذ مقتله في 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018. لكن عدد الجثامين المحتجزة ارتفع على الـ30، بإعدام 37 مواطناً سعودياً بينهم 32 من الشيعة، الذين ينتقص النظام من شأنهم ويَعتبرهم "مواطنين درجة ثانية" بحسب منظمات دولية على غرار هيومن رايتس ووتش، رغم كونهم يشكّلون نسبة ما بين 10 إلى 15% من أصل 20 مليوناً و64 ألفاً و970 إنساناً سعودياً.
تقليلاً من قيمة الإنسان إن لم يكن إلغاءها تماماً، يحتجز النظام جثامين الـ37 معدوماً أمس، "كي يثبت النظام السعودي للعالم أنهم إرهابيون، وذلك بعد أن كانت الجثامين منذ عام 2011 وحتى 2016 تُسلَّم إلى ذوي المعدومين"، حسب ما يقوله المغرد الشيعي على تويتر "ناشط قطيفي".
يتابع "ناشط قطيفي" حديثه لـ"التمكين"، بقوله إن النظام الذي اتَّهم الإنسان الشيعي بـ"الإرهاب" لا يريد تسليم جثمانه كي لا يتم تشييعه تشييعاً ضخماً، إذ أن تواجد عشرات الآلاف في تشييع شخص يتهمه النظام بـ"الإرهاب" يجعل رواية النظام الرسمية محل شكوك، لأن من الطبيعي ألا يهتم أحدٌ بـ"الإرهابي".
والإعدام "القتل تعزيراً" في السعودية يتم في الأساس خارج نطاق القضاء، إذ "منذ العام 2011 استخدمت الحكومة السعودية العنف المفرط ضد المطالبين بالحقوق، بعد أن خرجوا في مظاهرات تطالب بالحريات السياسية والحقوق المدنية، والإفراج عن المعتقلين. وأدى العنف المفرط المتصاعد، إضافة إلى الاضطهاد والتنكيل وسحق الكرامة عبر التعذيب والمعاملة المهينة والحاطة بالكرامة، إلى توليد عنف مضاد لدى البعض. وبين أكتوبر 2011 حتى أغسطس 2018 قتلت الحكومة وفي سياق استخدامها للعنف المفرط والإجراءات التعسفية، 83 شخصاً على الأقل في القطيف فقط، وذلك بطرق متنوعة، بعضها بالتعذيب وبعضها بالإعدام التعسفي، اغتيالات الشوارع، الحرق، مداهمات، وحالات قتل في السجون لا يتسنى التحقيق فيها لعدم وجود استقلال قضائي"، كما تقول المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان.
ولا قيمة للإنسان في السعودية التي تتجه نحو مزيد من القمع والاعتداء المتواصل على حرية الرأي والتعبير، ونسب اتهامات إلى "النشطاء الحقوقيين بسبب ممارستهم السلمية لحرية التعبير في خرقٍ لالتزاماتها بمقتضى القانون الدولي لحقوق الإنسان"، وفق هيومن رايتس ووتش.
كما أن لا قيمة له في ظل ملاحقة النظام كل من تسوّل له نفسه لتأسيس جمعية حقوقية أو مدنية في الداخل، كما حدث مع مجموعة نشطاء حقوقيين قاموا بتأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية المعروفة بـ"حسم" عام 2009، في ظل خلو المملكة من المناخ الديمقراطي وانعدام الجمعيات والمؤسسات والأحزاب والمكونات السياسية والمؤسسات المستقلة الواسطة بين الدولة والشعب، من منطلق عدم اعتراف النظام بأحقية هذه المنظمات في الوجود.
كما أنه لا قيمة للإنسان المعارِض ولا للمعارضة السعودية في الداخل والخارج، وتمثل الأخيرة كابوساً يؤرق النظام إلى حد تحلّيه بـ"الوحشية" التي قُتل بها المعارض الأول ناصر السعيد الشمري بعد اختطافه في بيروت عام 1979 برمي جثمانه من طائرة على السواحل اللبنانية وترك أشلائه وجسده الممزق غذاءً للضواري والوحوش، وكل ذلك بأمر من الأمير فهد بن عبدالعزيز قبل أن يتولى الحكم بأربع سنوات.
لم تفارق الوحشية النظام بعد تولّي الملك سلمان الحكم في العام 2015، وصعود ابنه ولياً للعهد بعد عامين ونصف، إذ تم إرسال 15 شخصاً سعودياً – جميعهم يشغلون مناصب عسكرية ووظائف في القصر الملكي ومقربون من شخص ولي العهد بن سلمان – إلى القنصلية السعودية بإسطنبول لتعذيب وتقطيع جمال خاشقجي الذي كان يُعتبر من أبرز الشخصيات السياسية والإعلامية قرباً من النظام. وبعد الحادثة، ماطل النظام في الكشف عن حقيقة اختفاء الصحفي السعودي، وكشف عن قتله بعد قرابة 18 يوماً، ولكن بالتقليل من شأن القضية وشأن الإنسان القتيل بطريقة بشعة فقالت السلطات إنه قُتل إثر "شجار" و"اشتباك بالأيدي" أدى إلى "وفاته".
وبعد الحادثة صارت المعارضة السعودية حديث الرأي العام وذاع صيت المعارضين السعوديين في الخارج كأشخاص مستهدفين و"عديمي قيمة" بالنسبة إلى النظام، بعد أن عادت الذاكرة إلى تغريدة للمستشار المعزول من منصبه والمقرَّب من ابن سلمان "سعود القحطاني" ردَّ فيها على المعارض البارز الدكتور سعد الفقيه وقال إن "ملف الاغتيال تم فتحه من جديد.. ترقَّب. #كشف_حساب_الخونة". كما هدد القحطاني في تغريدة مستقلة بقتل المعارضين حتى وإن كانوا تحت أستار الكعبة. ما يمكن اعتباره إشارة واضحة إلى سهولة إراقة دم الإنسان المعارض في حسابات النظام السعودي.
يبقى الإنسان قليل قيمة في بلاد الحرمين وهو يحمل جبراً لقب "سعودي" على اختلاف وامتداد قبائل ومكونات مجتمع الجزيرة العربية، الأمر الذي يعبّر عنه الكاتب المقيم في السويد سعود السبعاني الذي يرفض في حديث لـ"التمكين" تعريفه بـ"السعودي" ويقول: "لم أكن مسعوداً في يوم من الأيام ولا يشرفني ذلك". وهو ما تحدَّث عنه المعارض هارون أمين أحمد وقال: "نحن نعارض تسمية سعودي، نحن لا نحب أن ننتمي إلى أسرة، بل إلى دولة".