مع دخول الحرب التي تقودها السعودية على اليمن عامها الخامس الهادفة إلى تقويض جماعة "أنصار الله" الحوثيين وهزيمتها في اليمن، جاءت العملية العسكرية الأخيرة، أمس، التي استهدفت خلالها الجماعة، عبر 7 طائرات مسيّرة، منشآت نفطية سعودية، بمثابة إعلان جديد عن فشل المملكة في تحقيق أهدافها، وبالمقابل تنامي قدرات الحوثيين العسكرية بشكل كبير على امتداد سنوات الحرب.
ما الذي حدث فجراً
عند ساعات فجر الخميس 26 مارس 2015م، شنت السعودية هجومًا عنيفاً ضد أهداف مدروسة لتحييد المجال الجوي اليمني ومطار صنعاء، ودمرت مخازن أسلحة وقواعد عسكرية وجوية تحت مسمى عملياتها العسكرية (عاصفة الحزم). حينها كانت جماعة الحوثيون تبسط سيطرتها الكاملة شمالاً وجنوباً باستثناء بعض المحافظات الجنوبية، غير أن التحالف نجح بفعل ضغوط عسكرية مكثفة بإخراج مقاتلي جماعة الحوثيين من العاصمة المؤقتة عدن في 14 أبريل2015 في أول انتصار عسكري (نوعي).
في مايو من العام 2015 بدأت مقاتلي جماعة الحوثيين ومعهم قوات من الجيش الموالي بتنفيذ أول عمليات عسكرية على المناطق الحدودية مع اليمن بطول نحو 1470 كليومترًا، المعروفة بالجغرافيا الجبلية والتضاريس الوعرة التي سرعان ما انهار أمامها حرس حماية حدود المملكة مع اليمن.
منذ ذلك الحين كان الخطر الحوثي على السعودية لا يتجاوز الهجمات العسكرية الخاطفة لمقاتلي الجماعة على امتداد الشريط الحدودي، بالتزامن مع إطلاق الصواريخ والمقذوفات التقليدية على الأراضي السعودية، وكانت بحسب رصد قناة الجزيرة موجهة في فتراتها الأولى بشكل أكبر شمالاً إلى ساحل البحر الأحمر بما في ذلك مدينة الطائف وجدة.
ومنذ سبتمبر/أيلول 2016، أعلنت جماعة انصار الله وقوات صالح أنها استخدمت النسخة المطورة بمدى أبعد من صواريخ "سكود سي" التي تحمل اسم "بركان واحد" ويزعم أن مداها يصل ثمانمئة كيلومتر، وهي مسافة بعيدة بما فيه الكفاية لضرب المدن الرئيسية الثلاث بالحد الجنوبي)عسير وجازان ونجران).
وحسب تصريحات سابقة للمتحدث باسم قوات التحالف، أطلق الحوثيون أكثر من ستين ألف قذيفة على السعودية منذ يونيو/حزيران 2015 بمعدل يتراوح بين عشرين وخمسمئة قذيفة يوميا منذ بداية عملية عاصفة الحزم.
وتقول الجزيرة إن الهجمات التي كان يشنها الحوثيون على أبراج المراقبة الحدودية، تتم بمعدل ست إلى عشر عمليات شهرياً منذ بداية المواجهات. كما أن معظم الشركات الصناعية والتجارية العاملة في المنطقة الجنوبية توقفت ويعمل ما بقي منها بشكل جزئي أمام خطر الهجوم بالصواريخ.
تصاعدت المخاطر وسط عجز سلاح الجو والقوات البرية السعودية عن تأمين الحدود التي أظهرت لمرات عدة وسائل إعلام الحوثيين سيطرتها على أجزاء واسعة منها. لكن الخطر الذي كان محدوداً بالأمس، امتد اليوم إلى عمق المملكة وعماد اقتصادها، بفعل السياسات الخارجية المتهورة والخاطئة التي يتبعها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
وتمكنت جماعة "أنصار الله"، اليوم، من إعادة السعودية إلى نقطة الصفر في حربها على اليمن، بعد تنفيذها ضربات جوية بطائرات مسيرة، استهدفت محطتي ضخ لخط الأنابيب "شرق غرب" الذي ينقل النفط السعودي من حقول النفط بالمنطقة الشرقية إلى ميناء ينبع على الساحل الغربي، بين السادسة والسادسة والنصف من صباح أمس الثلاثاء.
واعتبر المتحدث باسم جماعة "أنصار الله"، محمد عبد السلام، أن هذه العملية، التي وصفها بـ "الكبرى"، تعد انتقالا لمرحلة جديدة من التصعيد ضد السعودية. وأوضح أن "المرحلة الجديدة في التصعيد ضد العدو سيكون عنوانها الأبرز هو الاستهداف الاقتصادي المفتوح". حد تعبيره.
يأتي هذا التطور العسكري بعد أربع سنوات من إعلان الناطق باسم التحالف العسكري الذي تقوده السعودية، في 21 أبريل/نيسان 2015، أن غارات عاصفة الحزم التي استهدفت مواقع جماعة الحوثي، قد حققت جميع أهدافها بعد تنفيذها 2415 طلعة جوية، معلنًا بذلك نهايتها وبداية عملية "إعادة الأمل".
وأشار ضمن حديثه إلى أن العمليات الجوية للتحالف استهدفت "محاور الصواريخ البالستية والإمداد والتموين والتحركات ومخازن الذخيرة وورش الصيانة والتصنيع البدائي الذي كان لديهم.."
إلا أن تلك التصريحات لم يمر عليها سوى شهر واحد، حتى أطلقت جماعة "أنصار الله" صاروخ "قاهر" من محافظة صعدة، مستهدفة قاعدة الملك خالد الجوية في مدينة خميس مشيط جنوب السعودية. وتوالت بعد ذلك عمليات إطلاق الصواريخ البالستية باتجاه عدد من المدن السعودية، وكان أبرزها صاروخ "بركان" الذي استهدفت به العاصمة الرياض.
وتجاوز عدد ما أطلقته الجماعة من الصواريخ الباليستية الـ 100 صاروخًا تجاه السعودية خلال 3 أعوام منذ بداية الحرب، حسب تصريح الأمير خالد بن سلمان. لكنها بلغت نحو 160 صاروخاً منذ بداية الحرب وحتى العام الخامس بحسب وسائل إعلامية.
ولم يقف فشل السعودية في قدرتها على تقويض قوة الحوثيين البالستية فحسب، حيث تمكنت الجماعة إلى الانتقال لمرحلة أبعد من ذلك بامتلاكها لتقنية تصنيع الطائرات المسيرة و التي باتت تشكل خطرًا لا يقل عن خطر الصواريخ البالستية، بعد أن كان الخطر مقتصرًا على هجمات متفرقة لمقاتلي الجماعة على الشريط الحدودي.
وقالت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن الطائرات المسيَّرة التابعة لجماعة الحوثيين في اليمن تشكِّل خطرًا متزايدًا على كل من السعودية والإمارات. ووفقًا لأشخاص وصفتهم الصحيفة بالمطلعين، فإن الهجمات التي يشنها الحوثيون بالطائرات المسيَّرة ضد خصومهم هي أكثر دقة وأبعد مسافة مما تقر بها رسميًا الولايات المتحدة ودول التحالف العسكري الذي تقوده السعودية.
وأشارت إلى أن عدد الطائرات التابعة للجماعة التي أسقطتها قوات السعودية تجاوز 140 طائرة، حسب تقييمات المسؤولين السعوديين، وقالت إن الجماعة انتقلت من استخدام طائرات مسيرة صغيرة الحجم إلى تطوير نسخة أكبر بشكل طائرة تصنفها الأمم المتحدة بـ"المركبة الجوية غير المأهولة" أو UAV-X، القادرة على قطع مسافة تتجاوز 1400 كلم، ما يضع كلاً من الرياض وأبوظبي في مرمى نيرانها.
وبحسب مسؤول أمريكي تحدَّث للصحيفة، فإن "السعودية والإمارات استثمرتا بشكل ملموس في إنتاج التكنولوجيا المضادة للطائرات المسيرة، غير أن السهولة النسبية لإنتاج هذه الأسلحة تجعل من الصعب محاربتها".
ووفقاً لتقرير سابق أعده فريق الخبراء التابع لمجلس الأمن الدولي خلال العام 2018، فإنه واعتبارًا من أغسطس/آب العام المنصرم "بدأ الفريق يلاحظ انتشار طائرات مسيرة من دون طيار طويلة المدى ذات نطاق يسمح لقوات الحوثيين بضرب أهداف في عمق السعودية والإمارات".
وقال الفريق إنه "واستنادًا إلى الأدلة المتاحة، لاحظ أنه خلافًا لما حصل في عامي 2015 و 2016 عندما استخدمت قوات الحوثيين منظومات أسلحة كاملة أو مجمّعة تجميعًا جزئيًا مورّدة من الخارج، مثل القذائف التسيارية قصيرة المدى المعدلة لإطالة مداها، فهي تعتمد حاليًا بصورة متزايدة على استيراد مكونات عالية القيمة تُدمَج بعد ذلك في منظومات أسلحة مجمعة محليًا، مثل الطائرات المسيرة من دون طيار الطويلة المدى".
وتدور التقارير حول قدرة الجماعة العسكرية، لا سيما الصواريخ التي تطلقها، والتي تكبّد الحكومة السعودية خسائر باهظة وتشكل خطرًا على الاقتصاد السعودي، يكمن في ارتفاع تكلفة الحرب على اليمن عبر الإنفاق العسكري، وتعطيل حركة الملاحة البحرية، وكذلك تحيط الخطورة بمخططات طرح 5% من شركة أرامكو للاكتتاب العام.
وحول ذلك سبق للناشط يحيى عسيري، رئيس منظمة القسط، وأن تحدَّث ملفتًا إلى أن ابن سلمان اتخذ أسوأ قرار وهو حرب اليمن، مؤكدًا في مقطع فيديو نشره على صفحته بتويتر، أن ابن سلمان جرَّ المنطقة إلى ويلات وخاطر بمستقبل المملكة ومستقبل "أرامكو".
وفي إطار مساعي صد الحكومة للخطر المحدق بالمملكة حسب زعمها، زادت إنفاقها العسكري وجرت مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى جانب المنظومات الدفاعية لمواجهة الصواريخ، وقد وصلت قيمة الإنفاق العسكري في موازنة 2018 فقط إلى نحو 83 مليار دولار، وهو رقم يأخذ ثلث الموازنة، وقد خصص معظم الإنفاق لشراء أنظمة دفاعية، وسط انتقادات متكررة للحكومة من إقحام المواطنين السعوديين في الحرب وترويعهم إثر وصول الهجمات الصاروخية إلى قلب المملكة.
وهو ما تناوله موقع "دويتشه فيله" الألماني، في تقرير له في فبراير/ شباط 2018، قائلاً إن "التكاليف العالية التي تتكبدها السعودية يوميًا في مغامرة اليمن تقدَّر بستين مليون دولار"، واضعًا في الاعتبار أن السلطة السعودية "واجهت الفشل الذريع في اليمن، فبعد ثلاثة أعوام على الحرب لم تحقق أيًا من أهدافها، وترى الآن أن تدخلها العسكري في اليمن أسفر عن نتائج معاكسة تمامًا، الأمر الذي يضع علامات استفهام حول السياسة الخارجية السعودية".