الأحداث التي نمر بها تعيدنا بالذاكرة الى سنوات سابقة.. حين هجمت داعش على مدن العراق الغربية فأصابت الحكومة بالشلل .. فالقطعات العسكرية بدون قائد ميداني، جعلها تترك أسلحتها وترمي ملابسها وتتشتت في أصقاع الأرض.
أما القادة السياسيون؛ فبعضهم وضع رأسه في الرمال كي لا يرى ما يحصل، والبعض الآخر إستغلها للتحريض الطائفي، والآخر توعد بارجاع الموصل خلال 24 ساعة! فيما حزم آخرون حقائبهم مودعين العراق!
الشعب العراقي كذلك إنقسم على نفسه.. فقسم منه لا يشعر بالإنتماء للعراق، وقد جاءته الفرصه ليكون أقوى من الوطن الأم ويحقق الحلم المنشود بالإنفصال عنه، وقسم آخر كان الغالبية منه بيئة حاضنة للإرهاب، ومؤيدة لما يحصل من غزوات، مستقبلة عصابات داعش بأكاليل الورود والزغاريد وتقديم الجواري الحسان.
الغالبية من الشعب العراقي؛ التي كتب عليها أن تتحمل الويلات وغيرها يتنعم بالخيرات، عملت فيها الخلافات السياسية والصراع على السلطة، والإستئثار بمغانمها حتى إفتقدت القيادة الحقيقية، الحريصة على مصالح الأمة والمدافعة عن وجودها، فأضاع الثقة بالجميع، ووقف متفرجا تجاه الخطر الداهم والمخطط الكبير الذي أراد إجتثاثه.
وسط أعاصير الخوف وعواصف الفوضى، جاءت تلك الصرخة التي أيقظت الفقراء والمساكين، فجعلتهم يسيرون حفاة الأقدام عراة الصدور لمواجهة الموت ومحاربة الارهاب، وإعادة الحياة الى وطن كاد أن يموت، ومع تحقيق كل نصر كان هناك رجال تقاتل وأبطال تستشهد، وأخرون يفكرون في كسب المغانم.
كان المتوقع أن يستفيد العراقيون من الدرس الكبير، ويعيدون بناء وطنهم ونسيجهم الإجتماعي على مفاهيم جديدة، بعيدا عن المذهبية والقومية والتأثيرات الخارجية، إلا إن ذلك لم يحصل بل إزداد التشظي السياسي والتكالب على المغانم، مما ولد حكومة لا تختلف عن سابقاتها، إن لم تكن الأسوء في فقدانها القدرة على حفظ التوازنات الدولية، والسيطرة على انفعالات الفصائل السياسية، التي تتصرف بعيدا عن الحكومة.
هذه الحكومة التي وقفت صامتة إزاء ما يحصل من تفجيرات لمخازن أسلحة الحشد الشعبي.. بل إنها لم تعطي تفسيرا رسميا، فيما إستغلت إسرائيل القضية وراحت تعطي تسريبات بأن لها علاقة بها! فيما سارعت بعض فصائل الحشد الى إتهام أمريكا بقصف هذه المخازن، وأعلنها صراحة نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي متوعدا الأمريكان بالرد، عندها سارع رئيس الهيئة الى نقض بيان المهندس، مؤكدا أنه لا يمثل رأي الحكومة!
بين التفسيرات والتأويلات وتناقض التصريحات، وصمت رئيس مجلس الوزراء وغياب ناطق رسمي بإسم الحكومة، وإختفاء وزير الدفاع عن المشهد، إنقسم الشعب العراقي أيضا، كل حسب هواه وحسب الجهة أو المكون الذي ينتمي له، وراح يغرد بما تطيب له نفسه.
بعضهم التزم الصمت وكأن الأمر لا يعنيه، وبعضهم راض بما يحصل تشفيا بفصائل الحشد الشعبي وإن لم يعلن ذلك، وآخرون إتهموا إيران والموالين لها بأنهم جروا العراق الى ساحة صراع لا ناقة لهم فيها ولا جمل، وكأن الصراع الإيراني الأمريكي لا يعني العراق! فيما بعضهم راح يتوعد إسرائيل بالرد، رغم أن العراق لا يملك صاروخا يتجاوز مداه 10 كم.
كان المفترض بالعراق أن ينئى بنفسه عن صراع المحاور، ويكون ساحة للتقارب بدل أن يكون ملعبا للصراع، ولكن لأن الذين وصلوا الى السلطة، هم أدوات للصراع الإقليمي على الأراضي العراقية، فقد أصبحت سهام الغدر توجه الى أبرز قوة عراقية، ويبدو أن ما يحصل مع العراقيين هو شبيه بما حصل للمسلمين في معركة بدر، حين أخذتهم العزة في أنفسهم فخسروا في معركة أحد.
ثامر الحجامي