كان يشد بأطراف الكون، فوق ناقة الدنيا، متوجها نحو السماء، يسير ببطئ كي لا تستيقظ النجوم، لم تكن رحلة عادية، فالركب يسير، والمنايا تحوم، والصبح بعيد، انه يوم يعدل ألف سنة مما تعدون.
(إني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما..) .. هنا يحدد بوصلة الخروج و هدفه، وكيف تقدم الأولويات على مادونها، يتضح ان هناك خروج لأسباب متعددة، فليس كل من خرج يعني انه على حق، بل يجب أن يحمل هذا الخروج مبادئ ومؤهلات؛ تجعله خروج حق
أولا: القائد يجب أن يكون بمستوى عالي من العدالة والاستقامة والوعي والإدراك والعمق المعرفي والاستقرائي والاطمئنان الداخلي.. أنه لم ولن يتراجع لأي ظرف كان.
ثانياً : يجب أن يوفر له الأدوات التي بها ينفذ هذا الخروج، من حيث استكمال العدة والتجهيز في كل صور الخروج، بمعنى ان تكتمل كل الجوانب، و الزوايا التي تجعل من الخروج منطقيا، مستوفي ادواته وأركان الخروج.
ثالثا : انطلاق نحو الهدف، بلا تردد ولا هوانة، رغم كل المعوقات العاطفية والنسبية، من بنت وأخ وهؤلاء يمثلون الأهل والاقربون، لم تثني ذاك الخروج، فكيف اذا كانت عشيرة او صحابة، لا يقف القائد مهما كانت الظروف، كي يؤدي مهمته على أكمل وجه،.
(إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي)
إنما أداة حصر، إن الإصلاح لم يكن موجها، خارج نطاق الأمة الإسلامية، بل كانت ضد انحراف هذه الأمة، وانزلاقها نحو الجاهلية، والابتعاد عن قيم الإسلام ومبادئه الأصيلة المستقاة من الدين الإسلامي.
طلب الإصلاح، هو لين وكلمة طيبة و توعية الأمة وارجعها إلى جادة الصواب، كلمة(طلب) اي الرجاء بنشر القيم و غرس الفضائل ضد الرذائل والانحدار المجتمعي، لم يكن قاصد الحرب أو القتال او الدم او السيف، الذي يخرج للحرب.. لا يطلب بل يفرض، وهذا يدلل ان الحسين (عليه السلام) لم يخرج للحرب بالفرض.. بل خرج بطلب وترجي القوم أن يعملوا بالمعروف وينهوا عن المنكر.
(الإصلاح) بمعنى ان ليس شيء جديد، بل هناك انحراف في الأصل، ويجب اصلاحه، فإن الحسين (عليه السلام) لم يأتي بدين جديد أو تعاليم جديدة.. بل خرج ليصلح تلك الانحرافات والاعوجاج الذي أصاب جسد الدين القويم.. بأدوات اصلاحية حقيقية فقد تجسد بملابس النبي(صلى الله عليه وإله) والوصي وركب فرس النبي(عليه وعلى اله افضل الصلاة والسلام) وحمل راية بنفس تلك التعاليم.. وما يوضح انه جاء لطلب الإصلاح وليس فرضه، أو إجبار أحد عليه.. فكان سلاحه قوة المنطق وليس منطق القوة.
(أمة جدي) إشارة جدا واضحة أنه من تلك السلالة النبوية، وحامل الرسالة بعمقها المعرفي والعلمي والإنساني والقرآني و الوراثي.
(ان كان دين محمد لن يستقم إلا بقتلي فيا سيوف خذيني)
أن أداة جازمة.. لا تكمن الاستقامة إلا بإراقة الدم الطاهر لإمام معصوم، الاستقامة هي موازية لاصلاح الاعوجاج الذي جاء من أجله(عليه السلام) كي يجعله مستقيما.. هنا كان جواب عميق عن سبب الخروج، بعدما أصبح أمر الموت واقعا، لم يقل أمة جدي؟! بل قال دين محمد!
كان الخروج وأهدافه إصلاح الأمة، بطلب ورجاء، لكن عندما انحصر هذا الإصلاح بالقتل، فكان آخر خيار موضوع في جدول الخروج، فلو تهيئة الظروف وقاد الإصلاح في الأمة، والذي يشتمل على إصلاح اجتماعي وديني وسلوكي وإصلاح كل شيء، لكن بعدما نفذت كل الأدوات، من نصح وإرشاد وتقويم وتذكير، فلم يستجب له أحد، فما تبقى سوى أن يصلح (دين محمد(صلى الله عليه واله) كي يبقى الدين مستقيماً.. وان رفض المجتمع الإصلاح، فقال للسيوف خذيني كان الخيار الأخير للحفاظ على الدين واستقامته.
نستنتج أن من يخرج للإصلاح، يجب أن يمتلك جميع الأدوات حتى الموت، فهو الحل الأخير الذي يقدمه بعد نفاذ جميع الخيارات والأدوات من نصح وإرشاد و الدعوة والمطالبة والرجاء.. حتى يتيقن أن المجتمع مُصر على الفساد والانحراف.. فهنا كان الدم هو آخر صوت ينطق به.. لعل المجتمع يتحرك ضميره وانسانيته التي لم تهتز لكل تلك المناشدات والدعوات والارشادات والنصائح.
سيف اكثم المظفر