تعتبر البطالة قضية اقتصادية واجتماعية في آن واحد، وهي معضلة من معضلات جميع الدول، والأسرة هي المتضرر المباشر من نتائج البطالة لان كل أفراد المجتمع يعيشون في كنف الأسر.
ترتبط الحالات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية لأفراد الأسرة بمدى توفر العمل للقوى العاملة فيها، كما إن بعض الأسر الحديثة لا تكتفي اليوم بسد الاحتياجات الأساسية وإنما تنظر إلى مستوى معيشي عال يضمن لها ولأفرادها الرفاهة.
وهناك فئتان من العاطلين، الأولى تتعلق بمن سبق لهم إن زاولوا عملا بإحدى شركات أو معامل بالقطاع الخاص واستغني عنهم أما كليا بإفلاسها أو جزئيا بتقليص عدد العاملين. والفئة الثانية تضم العاطلين الذين لم يسبق لهم إن مارسوا عملا.
إن عدم إدماج العاطلين، لكلا الفئتين، في ميدان الشغل لسد حاجياتهم الأساسية وتوفر الاستقرار لهم ولأسرهم، يؤدي إلى اليأس والتذمر وعدم الرضا، وبالتالي تنتج عن ذلك مشاكل اجتماعية ونفسية قد تهدد كيان الأسرة. وقد يلجأ البعض إلى أساليب غير مشروعة لضمان لقمة عيش ولسد النقص في حياتهم وتحسين أحوالهم (كالباعة المتجولين، والمتاجرة في المواد المهربة، والهجرة السرية وغير ذلك)، وكذلك هناك من يقبلون بأعمال دون مستواهم الثقافي والعلمي مقابل أجرة بسيطة جدا كما هو الشأن بالنسبة إلى بعض حاملي الشهادات العليا وهذا يؤثر بالتأكيد على نفسيتهم.
الاقتصاد المغربي يسير ببطء وقضية البطالة في تزايد مستمر وذلك لأسباب عديدة منها:
تسديد الديون الخارجية.
الطرق والآليات الحديثة المستعملة في الزراعة والصناعة تؤدي الى الاستغناء عن الايدي العاملة.
فشل مردودية وعطاء الوظيفة العمومية ومساهمتها غير الايجابية في إنعاش الاقتصاد الوطني بطريقة ملموسة إذ تم تقليص عد المناصب المالية بعدة قطاعات عمومية.
تشجيع خوصصة القطاعات العمومية، وكما هو معلوم فالقطاع الخاص تقل فيه حظوظ الحصول على عمل وربما لديه ما يكفيه من عمال واطر.
إفلاس بعض المرافق الاقتصادية او تقليص عدد العاملين بها.
عكس ما كان سابقا، سنة تلو الأخرى تصدر قوانين تحد من الهجرة إلى الخارج والتي كانت متنفسا وربما وسيلة لاغتناء بعض الأسر.
استعمال المحسوبية والزبونية لقبول بعض ملفات طلب الشغل بالقطاع الخاص أو بالوظيفة العمومية.
عدم تشجيع بالقدر الكافي الاستثمارات بالمغرب خصوصا تشجيع وتبسيط المسطرة الإدارية وتخفيض الكلفة الضرائبية للعمال المغاربة القاطنين بالخارج من اجل الاستثمار بالمغرب.
كل ما سلف ذكره، يؤدي أحيانا إلى التفكك الأسري والانحلال الخلقي، وهذا الوضع غاليا ما يمس الفئة الأولى من العاطلين. فعندما يعجز الزوج عن إعالة أفراد أسرته، ينظر إليه المجتمع نظرة دونية كانسان فاشل، فعدم وجود عمل يضمن له ولأسرته قوت يومهم تفرز المشاكل داخل الأسرة وتؤدي في كثير من الأحيان إلى الانفصال وتشرد الأطفال. وحينما تتواضع المكانة الاجتماعية للمعيل، يصحب ذلك تصور ذاتي دوني للشخص نفسه وتتدنى قيمته وهيبته الاجتماعية في نظر الآخرين.
أما بالنسبة إلى الفئة الثانية من العاطلين وخصوصا منهم الشباب الحاصلين على الشهادات العليا، فان اليأس والتذمر وطيلة الانتظار وربما فقدان الأمل في إيجاد عمل، يؤدي بهم إلى الشعور بأنهم عالة على أسرهم ويخجلون من مد يدهم للآخر.
إن عدم أداء الدور وتحقيق التوقعات يخلق توترا داخل الأسرة ويؤثر على جميع الأفراد بها ناهيك عن تدهور العلاقات الاجتماعية في البيئة التي يعيش العاطل فيها،وكما هو معروف فان البطالة تؤدي إلى وقت فراغ كبير يؤثر سلبيا على المناخ النفسي والاجتماعي الذي تخضع له الأسرة بأكملها تجعلها لا تقوم بوظائفها كما يجب ويزداد العنف والنزاع بين الجميع وبرما يصاب احد الزوجين، في الفئة الأولى من العاطلين، بأمراض نفسية أو فجيولوجية نتيجة ذلك.
فعادة ما تعاني المرأة المغربية قبل اتخاذ قرار الطلاق اضطهاد نفسية، جسدية وجنسية من طرف الأزواج العاطلين عن العمل الذين يعانون نتيجة لذلك اضطرابات نفسية وإدمان على الكحول والمخدرات بعكس النساء الغربيات اللواتي يطلقن غالبا على خلفيات عاطفية وعلاقات اجتماعية.
أما من حيث التعليم والتكوين، فهناك معطيات نثبت مدى اثر الطالة على التحصيل العلمي للتلاميذ والطلبة من الفئة الأولى للعاطلين، إذ أن كثير من أبناء العاطلين يحصلون على نتائج سلبية في التعليم إذ غالبا ما يكون للتحصيل العلمي علاقة وطيدة بالدخل المادي للزوج الذي يؤثر سلبا على سلوكه ومزاجه داخل الأسرة. بالنسبة إلى الفئة الثانية من العاطلين، فهناك من لهم أخت أو أخ كبير حصل على شهادة ولم يجد عملا وهذا يترك تصورا سيئا وغامضا عن المستقبل.
وفيما يخص مقارنة بطالة الرجال ببطالة النساء، فرغم ارتفاع بطالة فئة الذكور لم يرق معدل اشتراك العنصر النسوي في سوق العمل إلى المستوى المرغوب ، وهذا راجع بالأساس إلى عدم المساواة بين الرجل والمرأة في عدة مجالات باعتبار الرجل هو المسئول والمعيل الأول في الأسرة، فعمله يعتبر مصدر رزق للجميع، أما المرأة فهي لا تشكل خطرا لحياة الأسرة لأنها عادة ما تعتبر معيلا ثانويا مع العلم أن هناك أسرا مغربية تعتمد عليها في حالة بطالة الرجل أو غيابه وحتى إذا كان الزوج غير عاطل ففي بعض الأسر تساهم المرأة العاملة مساهمة فعالة في مصاريف البيت.
ثم إن هناك الجيل الذي يلعب دورا هاما بالنسبة إلى حجم البطالة، كلما كان الجيل العاطل عن العمل متقدما في السن، كلما قلت فرصته في إيجاد عمل أو قلت حظوظه لإدماجه في سوق العمل. وحسب رأي بعض أرباب المعامل والمصانع، فهم لا يعتمدون (في حالة خصاص لديهم في العمال والأطر) على الشهادات فقط في التوظيف ولكن على من لهم معرفة ودراية علمية مهنية نتيجة التقدم التكنولوجي المنتشر في كل مجالات العمل، وعادة ما يتم تهميش المتقدمين في السن بدعوى أنهم غير مواكبين للتغييرات في سوق العمل ولا يملكون التأهيل المهني الذي ينتظره رب المعمل أو المصنع، لكن هذا غير صحيح مائة بالمائة، لان هناك الكثير من العاطلين الذين تجاوزوا سن الأربعين واثبتوا كفاءاتهم بعد إدماجهم في سوق العمل سواء بالقطاع الخاص او بالوظيفة العمومية.
رغم ما سلف، هناك شيء ايجابي في الأسرة المغربية وهو التكافل والتضامن اللذان يجعلان الأسرة قادرة على تخطي الصعوبات وتقديم المساعدة المادية المباشرة للمتضرر لسد احتياجاته الأساسية، وتجدر الإشارة هنا إلى مساهمة بعض المحسنين في عملية التكافل مع جيرانهم المتضررين، جازاهم الله خيرا. لكن إلى متى هذا الوضع المؤقت إذا استمرت الجهات المشغلة في اعتماد الحلول الترقيعية لمشكل البطالة.
أحيانا تبقى المعونة النفسية ورفع المعنويات والصبر ثم الأمل في إيجاد عمل السبيل من اجل الحفاظ على علاقات أسرية جيدة شؤون الفرد في الأسرة المغربية يهم الجميع وعادة ما تقف الأسرة إلى جانب المتضرر فيها وتمنحه الدفء الاجتماعي الذي يخفف التوترات النفسية والقلق عند الأزمات.
وفي الختام يمكننا القول إن البطالة والمكوث في البيت وعدم القدرة على سد احتياجات الأسرة الأساسية تسبب عدة مشاكل بين أفرادها ولولا التكافل والتضامن في بعض الأسر لما أدى ذلك إلى توتر في العلاقات وتدهور الاستقرار الاجتماعي والعاطفي فيها، فيزداد العنف والشذوذ الاجتماعي، حتى انه يصل في بعض الأحيان إلى التفكك الأسري.
وبما أن الدولة عبارة عن دويلات هي الأسر، فان الاستقرار الأسري هو مؤشر جيد على ظروف المجتمع عامة. لذلك على المؤسسات المسئولة أن تسعى إلى توفير أماكن العمل للعاطلين ليضمنوا الاستقرار، لان التفكك الأسري ليس في مصلحة الدولة ولا المجتمع بحيث أصبح من الضروري الاهتمام أكثر بالأسرة المغربية وخصوصا عند انتشار البطالة والفقر.
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية