ولكن ماذا ينتج على مستوى النمو الاقتصادي ومستوى عيش المواطنين؟
الأثر ليس ظاهرا بالشكل الكافي، وبالتالي فإما أن الاستثمار يتم بشكل خاطئ أو أن الاستثمار يتم في القطاعات التي لا تخلق النمو الاقتصادي المطلوب.
المغرب توجه نحو الاستثمار في الصناعات الجديدة (السيارات والطيران) وقدم تحفيزات مهمة، هل انعكس ذلك على القيمة المضافة ونسب الاندماج؟
لكي نفهم هذه الأمور، لابد أن نعلم أن المغرب لا يشتغل بخطة اقتصادية واضحة، طبعا يتوفر على مخططات قطاعية ينقصها الانسجام والالتقائية، وهذا أمور استنتجها وخلص إليها العديد من الخبراء والمؤسسات.
بالإضافة إلى ذلك لا يوجد تخطيط بعيد المدى، وبدون شك هناك مشكل الحكامة الاقتصادية، وهنا تطرح تساؤلات: من يسير هذا الاقتصاد؟ وفي أي مستوى؟ وكيف يشتغل القطاع العام؟، وما هو دور القطاع الخاص المغربي؟ هل يمكن تطوير الاقتصادي على أساس الرأسمال الأجنبي؟ وما حدود تدخل الدولة؟
هذه التساؤلات كلها وإن تم التفكير فيها لم تتم الإجابة عليها بالشكل المطلوب.
أطلق المغرب العديد من البرامج الاستثمارية القطاعية في ولايات حكومية، وبعدها تم القفز على هذه البرامج وتم إطلاق برامج جديد سواء على مستوى التجارة أو السياحة أو الصناعة أو غيرها؟
أظن أن المسؤولية جماعية يتحملها كل الفاعلين السياسيين والاقتصاديين والمؤسساتيين، حيث لم يجدوا الصيغة أو الأجوبة لحل هذه الإشكاليات، وفي المغرب لدينا مندوبية سامية للتخطيط، ولكن لا تخطيط لديها.
من سيقوم بالتخطيط إذن؟
التخطيط من صلاحيات السلطة التنفيذية، لحد الآن مررنا من نظام دستوري قبل 2011 (الملكية التنفيذية)، إلى ما بعد 2011 حيث الملكية البرلمانية والدور المهم جدا للملك على مستوى التأطير والتوجيه، ولكن المطروح هو كيف يمكن في الوقت الذي نخطط فيه أن يكون فيه التتبع والمواكبة لما نخطط له في إطار الانسجام بين مختلف القطاعات.
فهل فعلا المغرب يتوفر على نموذج؟ إذا كان الأمر بالإيجاب فليقل لنا أحد ما هو هذا النموذج ويبسطه لنا، طبعا هناك مخططات أعطت بعض الثمار، بحيث لا يمكن القول بالعدمية في كل شيء.
ففي السياحة مثلا، هناك مكاسب تحققت، وكذلك الفلاحة التي تطورت، ومن يقول إنها لم تحقق شيئا ليس بموضوعي، لكن في نفس الوقت لماذا لم تتطور الصناعة بعد؟، وحجم الصناعة بالمغرب ما زال محدودا.
وهل لدى المغرب طموح فيما يتعلق باقتصاد المعرفة، الذي أبدعت فيه العديد من الدول ومن بينها كوريا الجنوبية، وهل لدى المغرب نظام تربية وتكوين الذي سيواكب هذه السياسات العمومية؟، كذلك، كيف يمكن أيضا تهيئ العنصر البشري والاستثمار فيه ليكون رافع للنموذج التنموي؟
البلدان التي تشتغل على التخطيط تأخذ وقتا للتفكير الجماعي على أساس أفكار وتقييمات.
التخطيط لا يرتبط بعمر الحكومات، بل يحتاج لرؤية كاملة مندمجة على المدى البعيد ولا علاقة له بالاستراتيجيات القطاعية.
وهذه القاعدة غير موجودة في المغرب وكخلاصة فالمغرب لا يتوفر على نموذج تنموي، لدينا تفكير فقط في عدد من المخططات والطرق، والتي وإن أعطت أكلها فإنها لم ترقى إلى مستوى الطموحات.
المخططات القطاعية التي أطلقها المغرب ترتبط بعمر الحكومات، وكل حكومة تأتي بمخططاتها، وتلغي المخططات السابقة أو تغييرها، هل تتحكم الخلفية السياسية للمسئولين الحكوميين في تعدد المخططات وتغييرها؟
لمدى طويل ما زال نقاش من يحكم وكيف ستسير البلاد مطروحا، وهو نقاش قديم من 1956 إلى الآن، وخلال هذه الفترة مرت البلاد بمراحل صعبة، ووصلنا إلى مرحلة السكتة القلبية كما سماها الحسن الثاني، وفي عهد محمد السادس تحدث في إحدى خطاباته الأخيرة عن الزلزال السياسي.
اليوم، دستور 2011 صوت عليه بالإجماع، ولأول مرة يكون دستور بمشاركة النخبة السياسية في البلاد.
ما نحتاج إليه اليوم أهم من التساؤل عمن يحكم وكيف، إذ نحتاج للوصول إلى حل وسط تاريخي توافقي حول النموذج الاقتصادي والاجتماعي، ينطلق من معرفة ماذا نريد في هذه البلاد، بغض النظر عن التوجهات السياسية التي لن تؤثر عليه بشكل كبير، وكيف يمكن أن نشتغل على نموذج اقتصادي واجتماعي بنوع من التوافق، حتى نتجاوز الارتباط بالحكومات والتوجهات السياسية.
طبعا يمكن أن نختلف حول المداخل والآليات، ولكن يبقى الهدف واحد هو بناء الوطن والدفع بتقدمه......يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية