لا تزال حظوظ إجراء حوار سياسي شامل بين حكومة الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز ومعارضيه، محاطة بالكثير من الغموض رغم مضي أشهر على إعلان الرئيس عن رغبته في هذا الحوار وانقضاء أكثر من ثلاثة أشهر على إعلانه مستهل شهر أيار/مايو الماضي عن انطلاقة الحوار في ظرف أربعة أسابيع.
فقد أعلن صالح ولد حننا الرئيس الدوري للمنتدى الوطني للديمقراطية والوحدة أمس «رفض المنتدى لأي حوار يسعى نظام الرئيس محمد ولد عبد العزيز لإطلاقه بشكل أحادي».
واشترط الرئيس الدوري للمعارضة في تصريحات صحافية أمس «التحضير المشترك للحوار بين المعارضة والحكومة قبل انطلاقة الحوار»، مؤكداً «أن التشاور شرط نجاح أي حوار».
وبينما تقبل المعارضة الموريتانية بربط اتصالات غير رسمية مع الجانب الحكومي تبقى سرية إلى أن تتبلور رؤية واضحة للحوار، دفعت الحكومة الموريتانية في اتجاه آخر لتضع المعارضة أمام الأمر الواقع، حيث عينت الوفد الذي سيحاور المعارضة بشكل رسمي والمؤلف من الوزير الأمين للرئاسة مولاي الأغظف ورئيس حزب الاتحاد الحاكم سيدي محمد محم ورئيس تجمع الأغلبية الشيخ أبي المعالي.
وقد أربكت هذه الخطوة منتدى المعارضة الذي اضطرته الظروف للتخلي عن شرط «الرد الكتابي» على وثيقة الممهدات التي تشتمل على نقاط أصبحت متجاوزة وغير مطروحة.
وقد تمكن الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز مستخدما عامل الوقت، ومستغلا حرص المعارضة الشديد على حوار يفضي لانتخابات نيابية وبلدية تدخل المعارضة للبرلمان وللهيئات المنتخبة، من إدارة ملف الحوار لصالحه حيث أن المعارضة مستعدة، وإن كانت تخفي ذلك، لتنازلات كبيرة مقابل تنظيم انتخابات مبكرة تضمن لها دخول البرلمان والمجالس المحلية المنتخبة.
وقد أكد صالح ولد حننه «أن الحكومة بدأت اتصالات جديدة مع المنتدى المعارض بإشراف من الوزير الأمين العام للرئاسة مولاي ولد محمد الأغظف، إلا أن هذه الاتصالات لا تزال دون المطلوب»، حسب قوله.
وللضغط على الحكومة، أعلن الرئيس الدوري للمعارضة عن «تنظيم المنتدى المعارض لنشاط جماهيري كبير، وعن مساع سيبذلها المنتدى للتلاحم مع المجتمع المدني بغية الاحتجاج على تدهور الحريات العامة المتمثل، حسب قوله، في الاعتقالات والأحكام القضائية الهادفة إلى تصفية الحسابات مع المعارضين».
وفي إطار هذه التجاذبات انتقد القيادي في الحزب الحاكم بيت الله ولد أحمد الأسود تعامل المعارضة مع قضية الحوار، حيث أكد في برنامج «مساء الخميس» التلفزيوني «أن منتدى المعارضة لا يملك أجندة واضحة بشأن الحوار»، مشيراً إلى «أن الحكومة باتت جاهزة لتنظيم الحوار الشامل بعد النجاح الذي حققته في تنظيم القمة العربية».
وأضاف ولد أحمد الأسود «أن الرئيس ولد عبد العزيز دعا في أكثر من مناسبة إلى الحوار وأعلن استعداده لتنظيمه وأن على الطيف المعارض أن يفهم أهمية لم الشمل». واعتبر القيادي في الحزب الحاكم «أن يد الحكومة ممدودة للحوار وأن الكرة الآن في مرمى المعارضين».
وعبر محمد جميل منصور رئيس حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية عن موقف الإسلاميين من التجاذب المشتد فاستغرب في تغريدة أخيرة له «الحديث عن الحوار وعن إمكانية التواصل بين المنتدى والنظام»، مضيفا قوله «..نعتقل ونسيس القضاء ونظلم الشباب ونقمع ..فالاعتقال والقمع ليسا من جنس الحوار».
وقال «هذا الجو بأحكامه القاسية والمسيسة ضد شباب لمجرد أنهم احتجوا وباعتقالات أطر «حركة «إيرا» وما ينتظر في محاكمتهم وعنجهية بعض الأمنيين، قاتم ومقلق».
وفيما تتواصل هذه التجاذبات، طفا على الساحة السياسية الموريتانية قطب سياسي جديد يرفض الحوار مع الرئيس ولد عبد العزيز، ويدعو للتركيز على انتخابات 2019 الرئاسية التي ستشهد مغادرة ولد عبد العزيز للسلطة حسب الدستور.
ويشمل هذا القطب رجلين يعدان نفسيهما للرئاسة هما السيد أحمد ولد داده شقيق الرئيس الموريتاني الراحل مختار ولد داداه، والرئيس الأسبق العقيد علي ولد محمد فال الذي قاد بنجاح كبير المرحلة الانتقالية 2005-2007 .
وأكد موقع «زهرة شنقيط» الإخباري (خاص) في تحليل له أمس «أن الرئيس السابق العقيد اعل ولد محمد فال وزعيم المعارضة السابق أحمد ولد داداه أبرز الرافضين للحوار الذى دعت له الحكومة، بل إن الأول لا يرى الحل خارج رحيل الرئيس الحالى محمد ولد عبد العزيز، فيما يقول ولد داداه وهو أحد زعماء المعارضة البارزين إنه يرفض الدخول فى الحوار الشكلي الذي دعت له الحكومة، وإنه لن يقبل بالخديعة مرة ثانية، متمسكا بمطالب حزبه التي عرفت بممهدات الحوار، وظلت محل أخذ ورفض بين الأطراف السياسية المعارضة».
وأكد موقع «الزهرة» في التحليل نفسه «أن مواقف الرجلين تحظى بدعم كبير من رجل الأعمال المعارض محمد ولد بوعماتو المقيم منذ فترة بالمملكة المغربية بعد انهيار العلاقة التي كانت تربطه بالرجل الأول في البلاد، رغم دعمه السياسي والمالي له إبان انتخابات 2009».
وفي مقال افتتاحي حول الحوار، انتقدت صحيفة «تقدمي» المحسوبة على المعارضة توجه المعارضة نحو الحوار، وأكدت استغرابها من «أن المنتدى المعارض لا يزال يتعلق بقشة الحوار؛ ففي المؤتمر الصحافي الذي عقده رئيسه الدوري صالح ولد حننه ذرف دموعه على أن «اتصالات النظام الأخيرة بهم كانت دون المطلوب»، مما يعني أن هنالك مطلوباً ليندمجوا في مهزلة «الحوار».. فما هو هذا المطلوب.؟!»، تتساءل الصحيفة.
وأضافت «تقدمي» تقول «كانت هنالك ممهدات وشروط للدخول في حوار لا تبدو له جدية إن لم تتوفر، وقد رفضها النظام وسخر منها الرئيس وأسراب ببغاواته، كلما وجدوا لذلك مناسبة.. فماهو المطلوب إذن.؟!».
«مشكلة ولد عبد العزيز، تضيف «تقدمي»، أنه يعرف معارضته، ويعرف أن منهم من دعم الانقلاب على رئيس منتخب، واعتبره «حركة تصحيح»، ومنهم من دار في ركب موالاته، فلما لم يجد من الكعكة نصيباً، رامها من خلال المعارضة.. فكلا جانبي هرشى لهن طريق.!».
وختمت «تقدمي» افتتاحيتها النارية قائلة «لا يجب أن يكون تقرير مصير هذه البلاد كرة تتعاورها أقدام موالاة فاسدة ومعارضة يحلم أغلبها بالعودة لسابق فساد.. فمن الضروري أن ينتفض الشباب من أغلال تبعياته الحزبية والإيديولوجية، ليخرج من جلابيب الرموز الوهمية، التي لا تركب للتغيير صعباً ولا وِعراً، وإنما تريده مركباً ذلولاً كخدور العذارى، يوصلهم للغاية التي تبررها وسائلهم، قبل أن ينبت حبل العُمر…إن نجاة هذه البلاد في الثورة وأملها في الشباب..و إلا فلا أمل.!».
«القدس العربي»