هناك حروف مرتعشة وبوح فاضح على هذا البياض وداخل ملكوت الصمت, بثقل المقال وجرأته و بكل ألوان الثرثرة, أرتل صمتي وأحاول أن ارسم لكلماتي الصامتة ملامح وأن أكون بضفاف السكينة, حروفي تتزاحم ولا أجد لها مكانا أستضيفها فتقف خجلة أمام القراء.
ولعل تفكيري يكتب عن النفاق, وأنا اشعر بالخجل الحميد من عشاق النفاق والكذب, هذا الأمر يجول في خاطري منذ فترة فهو لا يمت إلى أية أمور شخصية أو شخص بعينه, وإن كان هناك تلميح صريح لعشاق ومدمني النفاق, وحتما إن إسراف البعض في النفاق يؤلمني حتى النخاع.
ما أريده من هذه المقدمة أن القي الضوء إلى ما آلت إليه علاقاتنا الإنسانية بمختلف أنواعها, ويتكرر كثيرا في واقعنا الملون بالنفاق, شعرت بطعم القهوة في فمي وأنا استيقظ هذا الصباح, فاهتز قلمي وكتب لي مطاوعا إياي, مع مشاعر متشابكة ورصيد هائل من السكون داخلي, حيث ضاق الفضاء أو اتسع فوجدت طريقتي للبوح أو للتعبير, ففي الكتابة يجب أن أكون صادقة في زمن كاذب.
بطبيعتي لا أرغب أن أكون مهزوم أمام الخطيئة, ومن هنا أرى ضرورة إيقاف والابتعاد عن النفاق الذي لا يفيد بأي شكل كان, حيث إنه قد تفشى في مجتمعاتنا بشتى الطرق وبمختلف ألوانه وتفنن الناس فيه وأجادوه أيما إجادة, دعوني أوجه قلمي نحو هذه العادة الذميمة في تطهير المجتمع منها ولا نستطيع محوها إلا إذا تكاتف المجتمع, ومن الظلم أن نتهم المجتمع بخلوه من العادات الحسنة.
وعلى ضوء ذلك أردت هنا أن ارمي بعض ما أملك في جعبتي عن هذا المقال الاجتماعي الأخلاقي الخطير,لن أبالغ باعتناق الفكرة الجريئة مثلما نعتنق الدين, لأستظهر مواجع النفاق وهل أرادت اللحظات الموجعة مواساتي بوجع آخر, ما أكثر هؤلاء الذين سيرتعدون من مجرد المشاركة في هذا المقال وإن كانت الفكرة والهدف لدرء شبهة النفاق, لنترك الغيمة السوداء التي تغطي كل جميل, لابد إن القارئ يتساءل : ما لعلاقة بين كل هذا وبين ما بدأت به المقال عن النفاق, أحب أن أنوه إنه لا يوجد للمنافقين في هذه الصفحة تماشيا مع مقولة "فاقد الشيء لا يعطيه".
النفاق من أخطر الأمراض في عالمنا هي أمراض بلا أعراض تتسلل بطيئا إلى أن تستفحل فجأة, وعندئذ يستحيل الدواء,وخطورة مرض النفاق إن المنافق يمتلئ منه وهو لا يشعر, وخطورته إنه يخفي نفاقه عن الناس وهذا الوباء الخفي يجتاح عالمنا الإنساني بصورة كبيرة, وليت الأمر انحصر في النفاق فقط ولكن قيم كثيرة اهتزت في النفوس وتخلى عنها الكثير, هذا هو الزمن يأخذ ويعطي يخالف ويوافق فعندما يأخذ النفاق مداه فأنت تكتشف طبائع المرء على الدوام, وقد تعجب من يؤيد الكذب والرياء أو من يمارس نفاقا عجيبا, أشفق تماما على أمثال هؤلاء الأغبياء الذين يفرحون بكذبهم ونفاقهم هكذا الناس وهكذا الحياة ألوان وطباع.
ليس من العجب أن نرى الغراب بالسماء , كما إنه ليس من الدهشة إن لكل حمار "عفوا"قفزة, قد يتساوى ذلك مع منافقي هذا العصر فلهم جولات وصولات وانتصارات, حيث إن النفاق بالمشاعر ليس إلا تقديس لطقوس الكذب, أعجبني وصف أحد الكتٌاب للإسراف في النفاق قال: إنه أشبه بوضع عشر قطع من السكر في فنجان واحد من القهوة وتساءل الكاتب هل يتمكن أحد أن يستسيغ طعم هذه القهوة حيث إن النفاق يفقد سحره إذا زاد عن حده.
ندرك إن المنافقين يهيمون ويسرحون في كل مكان يقولون ما لا يفعلون في قلوبهم مرض في نفوسهم مرض نسميهم بمجانين أنفسهم يدعٌون صدقهم إياك أيها القارئ أن تثق بهكذا أشخاص, قبح الله النفاق والمنافقين.
نخطئ كثيرا عندما نظن إن النفاق الذي أفاض القرآن في الحديث عنه وأسهب في التحذير منه, من منا لم يقرأ سورة البقرة ولم يتمعن في آياتها التي عالجت الكثير من المشاكل الإنسانية وأهمها النفاق وهناك سورة كاملة عنوانها المنافقون بل الكثير من الآيات قد توزعت على سور كتاب الله تصف وتحذر من المنافقين, سورة النساء آية رقم 145 " إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا" وهنا مقولة رائعة للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام "الحكمة ضالة المؤمن فخذ الحكمة ولو من أهل النفاق" ولا أظن هناك عقوبة ربانية مؤكدة أكبر من عقوبة النفاق والعياذ بالله,هذه هي الحقيقة المرة التي تقتات عليها الفئة المنافقة وتحترق بنارها, ويحضرني قول احدهم: لئن يكون نصف وجه ونصف لسان على ما فيهما من قبح المنظر وعجز المخبر أحب إلي من أن أكون ذا وجهين وذا لسانين وذا قولين مختلفين.
النفاق أمر وجودي إنه ليس مجرد إحساس أو وهم إنه تجارة رابحة للأسف الشديد أصبح اللعب بمشاعر الآخرين, النفاق أعراض وأمراض وأخطاء وقد يكون آهات وأوجاع, علينا أن لا نجادل في أن النفاق درجات وإن خطره يتفاوت بتفاوت كبره أو صغره, لنتجنب الشوك في الطرق الوعرة الحافلة بالأشواك دعونا نتمسك بقيم السماء, دعونا نصل لدرجة النقاء والطهارة.
لا يختلف أحدنا على إن كل شيء في حياتنا القصيرة لا تخلو من النقص, وإن جميعها تحتاج إلى نقد كي تبلغ كمال الآفاق ومن ثم آفاق الكمال, فالنفاق هو ضرب من الكذب والغش والرياء, تلك هي آفات انتشرت بين الناس كالوباء والعجيب في الأمر إن الكاذب والمنافق أصبح مطلب الجلسات ومحبوب الجميع , بالفعل إنه زمن المتناقضات,قد يتجاوز النفاق حدود الأخلاق والمجاملات الاجتماعية ليصبح عادة طبيعية, فالنفاق أنواع وألوان وهي إحدى أدوات النصب التي لا يعترف بها أهل اللغة.
كيف إحساس الشخص بالنفاق حقيقة أم وهم, هناك أسئلة محيرة لابد إن القارئ يتساءل من منا لم تمر عليه لحظة من لحظات حياته يشعر فيها بالنفاق, وإنه ينصح بما لم يتبع ما هي آثاره على المجتمع والناس وما هي النتائج؟أين موقع النفاق في حياتنا؟ لماذا اختفى الصدق في تعاملنا؟ وهل النفاق ضروري؟ما أسباب تفشي هذه الظاهرة لدينا؟ فأين تنتهي المجاملة ويبدأ النفاق؟ وهل للنفاق موسم ومناسبة؟ إلى متى هذا النفاق والكذب ومتى تعودون إلى رشدكم وتتجنبوا الإساءة للآخرين ومتى تدركون عمق الخطيئة في ممارستها أليس هذا نفاقا ما بعده نفاق؟
ألا تخافون الله؟
لدي حساسية عالية من النفاق منذ صغري وزادت هذه الحساسية مع الزمن, وبرأي بين النفاق والمجاملة شعرة حيث تندرج تحت الذوق فالإنسان يميل بطبعه للمعاملة اللطيفة والكلام اللطيف وهي بحاجة لفن ومهارة, حيث إن أبشع طرق الإقصاء والإلغاء مصداقا لقوله تعالى" كبر مقتا عند الله إن تقولوا ما لا تفعلون".
أحاول أن أقف بلا تقدير أو احترام أمام موكب المنافقين, وأقرر بكل صدق إن المنافقين تحديدا هم أسباب مشاكل ومعاناة الناس, سوف أتخيل لو إن كل المنافقين توقفوا أو أضربوا عن ممارسة النفاق ولو ليوم واحد, كيف سيكون عليه حال البلاد والعباد؟ لنطلق الخيال في هذا الشأن فقط لا علي من تعليق البعض لعلهم يسخرون بفكرتي.
هذا ما سمح وقتي بكتابته وإذا كان هناك أي إضافة تستحق فلا بأس من العودة مرة أخرى, فالمساحة لا زالت تتسع لأقلام أتوق لمعانقتها , أترك لكم حرية إبداء وجهات النظر والتعبير, وعلى الرغم إنني لا أجد خاتمة مناسبة لمقالي هذا تشفي فضولي لأضعه أمانة بيد القارئ, أوجه دعوتي للجميع بالابتعاد عن النفاق فما قصدته إلا الإصلاح, فلا أظن إن دعوتي هذه فيها نفاق, لكم مني باقة ورد أرسلها لكل صادق وشريف, فسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.