من سنن الله تعالى في خلقه جعلهم شعوباً و قبائل و وزعهم وقسمهم ، ليتعارفوا و يتصالحوا و يتسامحوا و لا يتصارعوا و يتحاربوا و يتقاتلوا يسفكون الدماء و يفسدون الأرض , و أكرمهم و أعزهم و أحبهم إلى الخالق أتقاهم و أبرهم و أنفعهم , و أن الناس سواسية كأسنان المشط في الحقوق و الواجبات , و كل شعب له إرادة و عزيمة و روح المقاومة و التصدي من اجل حقوقهم و درء الأضرار و التهديدات عنهم , و من الشعوب ضربوا أروع الأمثلة في الثبات و قوة الإرادة حتى نالوا و حققوا أهدافهم بعد سيل الدماء و تقديم النفيس و التضحية بالروح و المال . إنّ لإرادة الشعوب قوة وصلابة لا يستطيع فهمها من تربى في الذلّ والخنوع، وإنّ لانتصار إرادة الشعوب معنى لا يستشفه من عاش كالأيتام على مأدبة اللئام، يقتات مما يلقيه إليه سادته من فتات ، أي أنها لا تعرف الخضوع والركوع و الإذلال أمام مؤامرات الأعداء ومصالحهم.
قد قيل و كتب الكثير عن إرادة الشعوب و لا يكاد يخلو إعلان عالمي أو إقليمي لحقوق الإنسان أو ميثاق منظمة أو جمعية أو مجلس دولي أو إقليمي أو دستور دولة أو دين سماوي أو ارضي ، إلا و ينص على ضرورة احترام إرادة الشعوب و تطلعاته في تقرير مصيره ، بل و جعلوا من ذلك مبادئ سامية و قواعد متينة لبناء الحياة و الديمقراطية و التمدن و تحقيق المساواة.
و لكن السؤال الذي يفرض نفسه هل باتت إرادة الشعوب على ما كانت عليها و ما قيل عنها أمام المصالح الدولية ؟ أم أن تلك المصالح تحدد للشعوب إرادتها و حقوقها ومسارها و تقف بالضد منها إذا تقاطعت معها أو وقفت في طريقها ؟ القصد مصالح الدول الكبرى بالطبع .
تدلنا الأحداث التاريخية بأن مصالح الدول العظمى التي تمتلك القرار و تلهث وراءها هي التي تحدد إرادة الشعوب و تدعمها أو ترفضها و ليس العكس , و تجعل هذه الدول من الإعلانات العالمية لحقوق الإنسان و المنظمات الدولية إطاراً شرعياً و قانونياً لتأمين مصالحها و في أروقتها تضمحل الإرادة و تتجمع الغبار عليها في رفوفها و يكون جزءاً من الماضي المرير لتلك الشعوب .
و لنا من الأمثلة عديدة فإرادة الشعب الكوردي نسفت و ضربت عرض الحائط أمام مصالح الدول العظمى في اتفاقية سايكس بيكو و انقسم وطنه إلى أجزاء أربعة ربطت عنوةً بالدول , و كذلك في عام 1975 أبرمت اتفاقية الجزائر المشئومة لضرب إرادة الشعب الكردستاني في التمتع بحقوقه و وقفت المنظمات و المجتمع الدولي برمته صامتاً و مكتوف الأيدي أمام عمليات الأنفال و ضرب الشعب الكردي بالكيماوي المحرم دولياً بحجة احترام سيادة دولة العراق و عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول , و عندما قرر الشعب الكردستاني إجراء الاستفتاء في 25/9/2017 للتعبير عن إرادته و تحديد مسار حياته و ما إن تم إعلان النتائج حتى ثار الأصدقاء قبل الأعداء ضدهم و عقدوا الاتفاقات تلوا الاتفاقات و وقفوا بالضد منه سياسياً و اقتصادياً و تدخلوا عسكرياً حتى اضطرت حكومة الإقليم إلى تجميد نتائجها من اجل الحوار و التفاوض و حكومة بغداد لا تزال تفرض شروطاً و شروط.
و إقليم كاتالونيا الاسباني هي الأخرى قررت مصيرها بالاستفتاء في قلب الديمقراطية المزيفة و بعد إعلان نتائجها ثار الثور الاسباني بدعم الدول المتقدمة اضطر رئيس الإقليم إلى ووزراء حكومته إلى التوجه لبروكسل وترك الإقليم و امتلأت السجون بمؤيدي الاستفتاء لأنها لم تكن في كفة ميزان المصالح.
إذن خلاصة القول إن المصالح لا تعرف للشعوب إرادة إذا ما تعارضت معها و تكون كفة المصالح هي الراجحة في الميزان و عليه فأن إرادة الشعوب يجب أن تكون موازية لمصالح الدول العظمى و إلا سيكون مصيرها المحاربة و المقاطعة و فك قيود الأعداء عليها للافتراس وتمزيق جسدها وفقاً لمطامعهم و لايهمها سفك الدماء و التدمير و الخراب و نداءات الإغاثة و هذا هو القدر.
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية