لا شك إن الشعوب التي تعاني العوز والحرمان ونقص الخدمات تعبر عن حاجتها ورفضها للظلم من خلال التظاهرات ، والتي هي بالتأكيد وسيلة من وسائل الأنظمة الديمقراطية كما أنها الوسيلة القانونية في المطالبة بالحقوق ، لهذا نجد أن اغلب الحكومات المتسلطة سقطت أمام مطالب الجمهور ، والأمثلة كثيرة في هذا المجال فهذه الثورة المصرية التي كانت سبباً في سقوط الديكتاتورية ، ومن بعدها إسقاط الحكم الاخواني وفي نفس العام .
التظاهرات حق ومطلب شرعي ، كما انه حق طبيعي ودستوري للشعوب في التعبير عن مطالبها وحقوقها ، ولكنه في نفس الوقت يحتاج إلى تقنين وتنظيم وتشريع يحفظها ويحفظ مساراتها ، مع ضرورة الاعتناء والوقوف على المطالب المشروعة للمتظاهرين مع التأكيد على ضرورة الحذر من المندسين وأصحاب الأجندات المشبوهة التي تتحرك في إطارها.
مع استمرار التظاهرات والتي دخلت أسبوعها السابع شهدت تغيير في بعض جوانبها ، ودخول أطراف ذات أجندات مشبوهة ، وهي مدعومة من قوى داخلية وإقليمية ودولية ، وذلك من اجل تحريف مسارها وأهدافها ، من احل غايات وتصفية حسابات مع العملية السياسية القائمة ، أو مع القوى السياسية ، حتى وصل الحال النيل من الرموز الدينية والسياسية ، خصوصا المرجعية الدينية والتي رُفعت شعار ضدها واستخدمت فيها أقبح أساليب التسقيط والاتهام ، ووفق خطط مدروسة تحاول تحريف الجمهور عن المرجعية الدينية والمشروع الوطني ، والذي كان نتاج دماء الالآف من الضحايا والشهداء من المقابر الجماعية ، والعوائل المشردة والأرامل والأيتام .
الشعارات التي رفعها البعض والمطالبة بتغيير النظام السياسي لا يمكن عدها مطالب مقبولة أو معقولة ، وذلك لان الدستور الذي صوت عليه أكثر من ١١ مليون عراقي ليكون هو الوثيقة الوطنية التي تحفظ الحقوق ، لا يمكن إنكاره أو تعطيله ، الأمر الذي يعد خطوة في بناء البنية السياسية الصحيحة ، كما إن نفس هذه الأحزاب والتيارات المنادية بتغيير النظام لم تفلح بإقناع الجمهور بالتصويت لها ، فكيف تستطيع إقناع الجمهور من تغيير النظام السياسي باجمعه ، ثم أن الأمر المهم هو هل تملك هذه القوى الكثافة العددية والتمثيل الدستوري في الحديث بالنيابة عن الجمهور ، ناهيك عن كونه مخالفة واضحة للمسار الديمقراطي والذي صوت عليه الملايين وكان نتاج لانتخابات رسمت خارطة العمل السياسي الوطني .
اعتقد أن محاربة الفساد والمفسدين هو مطلب الجمهور وهو حق جماهيري عام ، لايمكن إنكاره في ظل الفساد المشتري والذي اخذ ينخر جسد الدولة العراقية ، لهذا الأولى هو توجيه المتظاهرين نحو الحرب السلمية على الفساد ، والكشف عن ملفات المسؤولين المفسدين ومهما كانوا او من يقف وراءهم ، كما أن من الضروري أن تكون هناك رؤية واضحة لإجراء عملية الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة ، لان أي عملية إصلاح لا يمكن أن تكون ناجحة ما لم ترافقها خطة إستراتيجية محكمة ومدروسة ، إذ لا يمكن التصور أن هناك عملية إصلاح حقيقة تقوم على خلفية ردود الأفعال والاستعجال في اتخاذ القرارات المصيرية .
أن إي عملية إصلاح لا يمكن أن تتم بالتفرد بالقرارات ، لان مصير البلد لا يمكن حصره بأهواء وقرارات السيد العبادي أو حزبه ، بل هي قرارات مصيرية تهم المواطن العراقي ، لهذا يجب أن يخضع أي قرار سياسي لشاور القوى الوطنية والتي تكونت من رحم الجمهور ، كما يجب أن يكون هناك استثمار للعقول الوطنية الناضجة ، واستثمار الأيادي النظيفة التي كانت سبباً في تأسيس المشروع للوطني ، من خلال توحيد المواقف والرؤى والجهود ليكون أي قرار سياسي يحضى بغطاء وطني وشرعي ، وبالتالي الوصول إلى مشتركات تحقق مطالب المتظاهرين ، وحفظ أركان العملية السياسية في البلاد .\
محمد حسن الساعدي