لقد أحاطت قوى الاستكبار العالمي قد بالهبات الشعبية التي شهدها العالم "العربي"، وجعلت لكل فرضية نموذجا، يعطي دروسا للشعوب، ويرسم حدودا واضحة المعالم للتفكير قبل أي تفعيل؛ لا تضحي بالأمن من أجل الحرية، ولا تحلم بالديمقراطية، ولا تنتظر تحسن الحالة المعيشية، والأهم، أن لا ترجوا ثورة شعبية.
تساءلنا سابقا عن السبب وراء (نجاح) الثورة في تونس وفشلها أو تحولها إلى حرب لا تبقي ولا تذر في سوريا واليمن. ألم يعلمنا التاريخ أن الديمقراطية التي تنتج الإسلاميين غير مرغوب فيها، ألم نشهد حالات أقصيت فيها الحركات والأحزاب الإسلامية المعتدلة، لكن لماذا لم يتكالب الأعداء على حزب "العدالة والتنمية" ذو المرجعية الإسلامية في المغرب بعد وصوله لرئاسة الحكومة ؟
عند الحديث عن أي موضوع تعطى الأمثلة لتقريب المقصد من الآخر، نفس الأمر تعامل به الاستكبار "الغربي"، الذي أعطى مثالا لكل الفرضيات المتوقعة، وكلها أمثلة فاشلة يعتقد من خلالها المواطن المستضعف، أن الحقوق التي يتمتع بها الإنسان الغربي لم تخلق لغيره، فأعطى النموذج السوري مثالا لمآل أي بلد يفكر شعبه في التحرر من براثن الاستبداد، وقدم مصر فزاعة لمن يرغب في التصويت لصالح الإسلاميين، وجاء بتونس لقطع الطريق أمام من يحلم بالعيش الكريم، وأكد من خلال المغرب أنه حتى وإن وصل الإسلاميون للسلطة، فلن يقدموا شيئا.
جعلوا من سوريا فزاعة ترعب كل ذي طموح تحرري، وأرغموه على إعادة ترتيب أولوياته وتقديم "الأمن"، على "الحرية"، فصارت مضربا للمثل في البلدان التي وصلتها "رياح" فقط، من "ريح" التغيير، وأخص بالذكر هنا الجزائر والمغرب. حيث سادت عبارة "هل تريدون أن نصير مثل سوريا".
من هنا يمكننا القول أن إغراق سوريا في الدماء، قد يكون اجتهادا من "بشار" بمباركة روسيا وإيران، لكن ترويجها وجعلها "فزاعة" للشعوب، يتم عن سبق إصرار وترصد، من أطراف معينة.
مما لا شك فيه أن "الغرب" قدم الدعوم لعبد الفتاح السيسي كي يقود الانقلاب على أول رئيس شرعي منتخب في مصر الدكتور "محمد مرسي"، ليقود بعدها حملة هوجاء، قتل فيها خيرة من أبناء الشعب المصري، ومجزرة رابعة يوم 14/08/2013 والتي حلت علينا ذكراها الأليمة يوم أمس شاهد على البطش العسكري.
هذا الانقلاب كان أداة لإيصال دروس مهمة لشعوب المنطقة، من أهمها "تحذيرهم" من التصويت للإسلاميين، وإلا فسيدمر البلد، لأن الكل يستهدفهم، لذلك لا حاجة للتضحية في سبيل التصويت عليهم.
وجعلت "تونس" مثالا، لكل من استبشر خيرا، وأكد أنه ليس هناك خيارين، إما الرضوخ للاستبداد أو التحول للحالة السورية، أو المصرية، فها قد سقط "بن علي"، ومرت حوالي ستة سنوات على الثورة، لكن الواقع لم يتغير، والشعارات التي رفعت في ثورة الياسمين لم تتحقق، وحتى التضييق ما يزال سائدا كما كان في السابق، إضافة إلى أن الشعب التونسي نفسه، يشعر أن "الثورة" سرقت منه، وعزوفهم عن الانخراط في الأنشطة السياسية، الذي تزايد خلال السنوات الأربع الأخيرة، دليل واضح على ذلك.
هذا النموذج، يوصل الغرب عبره، رسائل ودورسا أهمها، أن الاحتجاجات لا تأتي بشيء، والديمقراطية لا تحقق الحرية والعيش الكريم، وأن الثورة لا تعني التخلص من النظام، بل قد تعني التخلص من الشخص، وعودة النظام، ويؤكد للشعوب أنه حتى وإن سقط النظام، ونجحت الثورة، فسيأتي بعد ذلك من يسرقها.
إطمأن الغرب للحالة المغربية، لأنه يثق "بالنظام المخزني"، وبأساليبه السياسية، التي روض بها اليسار من ذي قبل، أجرى المخزن بعد حراك 20 فبراير الذي شهده المغرب، تغييرات شكلية على الدستور لتمويه الشعب وترويضه، دون أن تؤثر على أي صلاحياته أو تحدها، أو تربطها بالمحاسبة، ودك أخر مسمار في مسار الحراك، بإيصال حزب "العدالة والتنمية" لترأس الحكومة، وجعل منهم شماعة تعلق عليها كل الخيبات، فتغير هدفهم من "محاربة الفساد" و "تحقيق الإنجازات" إلى إجادة "تبرير الخيبات".
تم احتواء الحزب ذو المرجعية الإسلامية، بالطريقة نفسها التي روض بها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، حين ترأس حكومة التناوب التوافقي ما بين سنة 1998 و 2002، هذا من قد يلقي بظلاله على الإسلاميين في البلدان المجاورة، من خلال إعطاء دورس أخرى عنوانها "وصول الإسلاميين للسلطة لا يحقق شيئا"، بل أن البعض قد يرى أن شعاراتهم التي ترفع قبل أي انتخابات مجرد أساليب لكسب تعاطف الشعوب والوصول للسلطة.
يمكن إيجاز الدروس الغربية التي حاول إيصالها للشعوب العربية والإسلامية، عبرالنماذج السابقة في النقاط التالية:
*لا تخرج للمطالبة بحقوقك مهما حصل، ولا تضحي بأمنك أبدا(سوريا).
*وإن حدث وخرجت الشعوب دون الالتفات للتحذيرات، ستجد نفسها أمام فزاعة أخرى: عدم انتخاب الإسلاميين، لأنهم يأتون بالدمار، ويجعلون البلد مستهدفا داخليا وخارجيا(مصر).
*وإن أبى الشعب الخنوع، وأراد انتخاب الإسلاميين، فسيستوقفه درس بليغ آخر، يحمل فزاعة ثالثة، وهو أنهم لا يحققون شيئا، وسرعان ما يتغيرون بعد وصولهم للسلطة (المغرب).
*وإن اتعظت الشعوب مما سبق، فستبقى فزاعة آخرى "ترعبها"، وهي أن كل الشعارات التي ترفع أثناء الثورة، لا تتحقق سوى في الأحلام، وحتى الديمقراطية لا تحسن من الوضعية(تونس).
أي أن كل الطرق تؤدي إلى مكان واحد، صنعه الغرب حسب مصالحه وأهدافه، وهي "الزريبة الغربية"، وهذا يؤكد للشعوب، أن "الديمقراطية لم تخلق لغير الإنسان الغربي". ما ذكرته ليس لقبر الهمم والآمال، ولكن لوضع النقاط على الحروف، ولعدم التأثر بما يتم الترويج له، فالتغيير غالي الثمن، ويحتاج للتضحية، كما أنه لا يأتي بين ليلة وضحاها، ولنا في التاريخ عبر ومواعظ بليغة.
بقلم: شفيق عنوري