![](https://allarab.info/sites/default/files/field/image/39.jpg89.jpg)
مصداقية تآكلت تدريجيا حتى اضمحلت بفعل خنوع وخضوع علماء سعوديين من التابعين لبلاط ولي العهد محمد بن سلمان، حتى تقلص دورهم ليتلخص في مجرد منصات لشرعنة الفساد والجرائم بطرق مختلفة ومخادعة للمجتمع.
فتاوى على المقاس تشرعن قرارات ابن سلمان، يصدرها علماء بالمملكة شملت حتى تدابير مكافحة فيروس كورونا، وبلغت حد إعلان المفتي عبد العزيز آل الشيخ أن أولئك الذين لم يمتثلوا لحظر التجوال سيعتبرون “آثمين”.
وضمن إجراءات الوقاية من الوباء، علقت المملكة زيارات العمرة وحظرت أداء صلاة الجماعة في مساجد البلاد، باستثناء الحرم المكي والمسجد النبوي، كما حظرت التجول في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ولكن، حين طالب صالح بن عواد المغامسي، رجل الدين السعودي إمام وخطيب “مسجد قباء” بالمدينة المنورة -أول مسجد بني في الإسلام- العفو عن السجناء في تغريدة عبر “تويتر”، كان عليه دفع فاتورة دعوته باهظا.
ورغم أنه حذف التغريدة لاحقا واعتذر عنها بالقول إنها “غير مناسبة”، إلا أنه لم يفلت من عاقبته المحتومة في النهاية، حيث جرى فصله من إمامة وخطابة المسجد، ليتحول المغامسي الذي كان أحد المدافعين عن مشاريع ولي العهد، إلى ضحية تم التخلي عن خدماتها بسبب تغريدة.
** بلا مصداقية
القول إن طبقة العلماء الرسمية في السعودية لم تفقد مصداقيتها في يوم من الأيام عبر تاريخ المملكة كما هو الحال اليوم، لا يعتبر مبالغة البتة.
فالتحالف بين الأسرة السعودية (آل سعود)، التي شكلت السلطة السياسية للبلاد، وأسرة آل الشيخ التي مثلت طبقة رجال الدين والسلطة الدينية، ساهم في إضفاء الشرعية على القرارات التي تتخذها السلطة الدينية.
وتدرك الإدارة السعودية بالفعل أن شرعية نظامها السياسي كانت مرتبطة إلى حد كبير بموقعها بالعالم الإسلامي، وخاصة بعهدتها المتعلقة بحماية الأماكن المقدسة، منذ عهد الملك المؤسس، كما أن علماء الدين مثلوا على الدوام العنصر الأكثر أهمية في النظام الملكي ودعم شرعيته في الداخل والخارج.
وفي هذا السياق، وسعت المؤسسة نفوذها في العالم الإسلامي، من خلال بعض المؤسسات الدينية لتحقيق تسوية تدريجية بين العروبة والفكر الديني.
وفي العام 1962، جرى على سبيل المثال تأسيس اتحاد العالم الإسلامي، لدعم المجتمعات والمراكز الإسلامية ونشر فكرة التضامن بين الشعوب والأقليات المسلمة.
وبعد الحريق المفتعل الذي تعرض له المسجد الأقصى، جرى تأسيس منظمة التعاون الإسلامي (منظمة المؤتمر الإسلامي سابقاً) في 25 سبتمبر/ أيلول 1969، والتي تتخذ من السعودية مقراً لها، لأغراض مماثلة.
وبالإضافة إلى ذلك، شكلت طبقة العلماء، التي تمثل إحدى الركيزتين الرئيسيتين للنظام المؤسس في السعودية، دورًا حاسمًا في معارك العرش بالبلاد، وإن لم يكن بشكل مباشر، واستخدام لفظ “شكّلت” يأتي لأن طبقة العلماء تحولت إلى بيدق “علني” بأيدي النظام، مع صعود ابن سلمان إلى ولاية العهد في يونيو/ حزيران 2017.
ولم يتردد ولي العهد الشاب في استخدام العديد من العلماء بيادق في مشاريعه الخاصة، وعلى هذا النحو، تحول دور العلماء إلى منصات لشرعنة الفساد، وشرعنة الجرائم بطرق مختلفة ومخادعة للمجتمع.
وعلى الضفة المقابلة، جرى تجريد العلماء الذين لا يدعمون مشاريع وقرارات ابن سلمان من وظائفهم، وزج بهم في السجون، في الوقت الذي دأب فيه ولي العهد على التشاور مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد في القضايا الحيوية لبلاده والمنطقة.
وفي حين لم يتم إطلاق سراح نحو 400 عالم، مثل سلمان العودة وعوض القرني، ممن زج بهم بالسجون دون تهم، ولم يفرج عنهم على خلفية التدابير المتخذة لمنع انتشار كورونا، تم إطلاق سراح مدانين بارتكاب جرائم مثل السرقة والمخدرات والاغتصاب في إطار تدابير منع انتشار الوباء.
وفي الواقع، سعى ابن سلمان الذي وجه رسائل دافئة حول “الانفتاح والإسلام المعتدل” إلى الغرب وأظهر التزامه بهذا النهج من خلال خطوات اتخذها على صعيد حقوق المرأة، إلى إبعاد العلماء الذين ينتهجون الخط السلفي والوهابي الذي رسخ حكم آل سعود وفرض استبدادهم على رقاب العباد فأذاقهم من كأس الويل الذي جرّعوه للناس.
ومع ذلك، ومن أجل إظهار شرعية سلطته، نظم ابن سلمان حملة دعم كبيرة داخل وخارج البلاد، مستخدمًا جنوده الذين يلبسون ملابس رجال الدين وعماماتهم، من أجل تلميع صورته، بعد أن جرى نشرهم في مختلف الميادين.
عبد العزيز الريس يشرعن الفساد بحجة طاعة ولي الأمر
أفتى عبدالعزيز الريس بأنه لا يجوز الخروج على الحاكم ولو “زنى وشرب الخمر لمدة نصف ساعة على التلفاز”،صرح في حوار تلفزيوني بأنه “لو كان الحاكم يزني كل يوم بمومس في خيمة فعليك اتباعه، حتى لو كان يلوط أيضا”!.
وأكد الريس في مقابلة مع الإعلامي الكويتي محمد الملا، عبر برنامج “ديوان الملا” على فضائية “الجواهر” الكويتية، أن هذا كلام “علمي شرعي، لا ينازع فيه عالم سلفي” وكان هذا في اكتوبر 2019.
وفي نوفمبر 2019 أصدرت السلطات السعودية قرارًا بمنعه من الخطابة والأعمال المتعلقة بالدعوة بعدما أعاد نشطاء مقطع فيديو له يعود إلى عام 2017 ينتقد فيه هيئة الترفيه.
** العيسى والتطبيع مع إسرائيل
من الواضح أن القضية الفلسطينية لم تعد أولوية على جدول أعمال ابن سلمان، وأن إسرائيل لم تعد تعتبر دولة معادية للسعودية أولم تكن يوماً كما تبيّن.
ورغم أن الرياض لم تجاهر بتأييد ترامب فيما يخص خطة التسوية بالشرق الأوسط أو ما يعرف بـ”صفقة القرن”، إلا أن الموقف المحايد لإدارة الرياض ووسائل الإعلام تجاه الصفقة، كان يعكس حقيقة رغباتها، لا سيما وأن الخطاب الرسمي بات يتبنى الخطاب القائل بأن مصلحة الدولة تكمن في التعاون مع إسرائيل ضد إيران.
وجاء ما سبق بالتزامن مع تصريحات أدلى بها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تفيد بأن تل أبيب تعمل مع بعض الدول العربية الإسلامية السنية ضد إيران الإسلامية الشيعية.
وفي هذا السياق، أجرى الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، الشيخ محمد العيسى، المعروف بقربه من ابن سلمان، زيارة إلى معسكر الاعتقال النازي السابق “أوشفيتز” (في جنوب بولندا)، وأرسل من هناك رسائل ذات مغزى إلى إسرائيل.
ولم يقف العيسى عند هذا الحد، بل أقام صلاة للجماعة في المعسكر الذي تلا فيه آيات من القرآن الكريم، فيما قام العام الماضي بتوقيع مذكرة تفاهم مع اللجنة اليهودية الأمريكية.
ومن المتوقع أن يجري العيسى محادثات مع اللجنة اليهودية الأمريكية في يونيو/ حزيران 2020، إذا تمت السيطرة على تفشي كورونا، في الوقت الذي تفقد فيه الرياض أوراقها في العالم الإسلامي بسبب مواقفها ضد الجماعات الفلسطينية والقضية بشكل عام.
وفي 28 كانون الثاني/ يناير الماضي، أعلن ترامب “صفقة القرن” المزعومة، في خطة تضمنت إقامة دولة فلسطينية في صورة “أرخبيل” تربطه جسور وأنفاق، مع جعل مدينة القدس المحتلة عاصمة مزعومة لإسرائيل.
** السديس والمغامسي لتلميع ابن سلمان
كان للشيخ عبد الرحمن السديس، المعروف باسم “إمام الكعبة” في بلاد الحرمين، سمعة طيبة وكبيرة في جميع أصقاع العالم الإسلامي.
فلقد بنى عرشًا في قلوب جميع المسلمين، من خلال تلاوته المميزة للقرآن الكريم، التي تابعها جميع المسلمون عبر التسجيلات الصوتية التي انتشرت بأنحاء العالم.
وكان السديس وأمثاله من الدعاة سفراء للسعودية في كافة أنحاء العالم الإسلامي، إلى أن ألقى السديس خطبة بعد اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي (2 أكتوبر 2018)، دافع خلالها عن ولي العهد من على منبر الحرم المكي واصفًا إياه بـ”القائد الملهم”.
أما المغامسي، فأشاد عبر حساباته بمواقع التواصل والمحطات التلفزيونية، بـ”فضائل وآداب” ابن سلمان؛ زاعما وجود “سر” بين ولي العهد الشاب والله، وقال إنه (ابن سلمان) يقدم مساعدات سرّية للفقراء.
** الكلباني.. لإضفاء الشرعية
عادل الكلباني، أحد أئمة الكعبة، الذي لفت الانتباه من خلال مشاركته في بطولة لورق اللعب أقيمت في مركز مؤتمرات بالمملكة، تولى مهمة إضفاء الشرعية على هيئة الترفيه، التي تعتبر من الأدوات التي يستخدمها ابن سلمان في السياسة.
وخلال مشاركته في برنامج تلفزيوني، زعم الكلباني أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم كان يستضيف المطربين في منزله، في محاولة لإضفاء الشرعية على مشروع الترفيه.
وجراء ذلك، تشهد المملكة تحولًا كبيرًا يتعارض مع قيم المؤسسة الرسمية والدينية، ويقسم هذا التغيير السريع فئة العلماء إلى قسمين؛ الأول معارض يتم كتم صوته بإرساله إلى أقبية السجون والمعتقلات، فيما يضع الثاني نفسه بخدمة السلطة السياسية.
![Share](/sites/all/modules/addtoany/images/share_save_171_16.png)