الحـريـات الــفــردية بـيـن الــتـشـريـع ومـبـدأ أخـلاقــي الجزء 1

سبت, 09/05/2020 - 13:52

عندما نتحدّث عن حقوق الإنسان وحرياته في الإسلام، نتحدّث عن بُعــــــدين متلازمين: بُعد فكرى ثقافي مبــــدئـي يتمثّل في مبادئ تجد مرجعيتها المـوضـوعية والتريخية في نصوص دينية مقـدّسة، تفرض التزامًا دينيًا وأخـلاقيًا وقيميًا، والبعد الآخر بعد حقوقي وتشريعي يتمثّل في صياغات قانونية تحدّد طبيعتها ومجالاتها، ونطاق المسؤولية عنها، وإلــزام الأفــراد والدولة باحترامها وتنفيذها، وضمانات وآليات لحمايتها.

هل مشكلتنا الدفاع عن الإسلام وإثبات أن مبادئه وتشريعاته تقدّم نصوصًا تتّفق مع ما توصّل إليه الإنسان في صراعه الطويل ضد القهر والعدوان، وسعيه لإقرار حقوقه وحرياته؟

 لو أثبتنا ذلك لأثبتنا على الفور سبق الإسلام إلى تقرير الحقوق قبل غيره من النظم.
ولكن هل يكفي ذلك الآن – ربما من السخرية أن نحاول ونحن نشهد البوسنة وكوسوفا.
نحن مطالبون بأمرين:

الأمر الأول: إزالة ما علق بالإسلام من تشويه

بعضه ناشئ عن رواسب حقب تاريخية (الصليبية)، وليس الإسلام مسئولا عنها.
وبعضه ناشئ عن الجهل بالإسلام، وتلك مسؤولية مشتركة.

وبعضها يتبرّع به مبطلون ومغالون ومتنطعون من المسلمين، وهذه مسؤوليتنا وحدنا.
ولكن النتيجة في كل الأحوال تصب في خانة تشويه لـلإسلام وحيفٍ ضده، يترسب في العقل الغربي، ويستعدي درجات تبدأ من  أو لعلي أقول تنتهي إلى العدوانية المروعة والوحشية البشعة – كما يراها العالم من الصرب  إلى درجات من السلبية والاستخفاف تتمثّل عند بعض الباحثين في دعوة الغائية لأي ثقافة تخالف الثقافة الغربية، وتصوّر ما عداها بالدونية والتخلّف والعجز عن قيادة حركة الإنسان والمجتمع وتنطوي صراحة على دعوة المسلمين إلى تبـنّي معطيات الثقافة الغربية في كل المجالات ومنها: مجـال حقوق الإنسان وحــريــاته، استنادًا في زعمهم إلى غياب ذلك عن الثقافة الإسلامية والحضارة الإسلامية. وهو مع الأسف وجد أتباعًا من بعض المستغربين المسلمين.

الأمر الثاني: الذي أرى أننا مـدعوون إليه هو

بيان حقيقة الموقف الإسلامي من حقوق الإنسان وحرياته.

وهذا المطلب حيوي لعدة أسباب:
أولها: أنه ينصف الإسلام ويصحِّح النظرة المنحازة ضده وخاصة عند الباحثين الغربيين.
والثاني: أنه حين يؤصّل للحقوق والحريات في الإسلام، يكشف عن عمق الـركائز التي أقام عليها قواعد تلك الحقوق والحــريات في العقيدة والشريعة، وربط فيها بين الحق والواجب، وشيّد صـروحها في عقل المسلم وفكره وضميره؛ فأصبحت جزءًا لا يتجزّأ من بنيته الثقافية ومعادلته الاجتماعية، وازدادت على مرّ التاريخ ترسّخًا وإشعاعًا فيما هذا بعض فترات الانحطاط التي كان المسلمون أنفسهم أول ضحاياها.

والسبب الثـالث: أن تفـاعل الحضارات، بمعطيــاتها الثقافية المتميِّزة، سوف يسـاعد على تدويل قضية حقوق الإنسان وإثراء مرتكزات ها التي تستند إلى خلفيات تاريخية لشعوب متعددة، وعطاءات وظروفٍ وأفكار وعقائد مختلفة، يضاف بعضها إلى بعض في سبيكة قويةَ متماسكة.

بينما يحدث العكس تمامًا، فنطرح من مجمل قوة تلك السبيكة أو المنظومة، إدا أصرّ بعض الباحثين على إهدار كفاح بعض الشعوب قرونًا إثر قرون، أو إهدار المـرجعية الـدينية والثقافية لشعوب أخرى فيما أرسته عقيدتها من مبادئ أو عمّقته تطبيقات تاريخها من قيم.

إن جحد كفاح الشعوب وإنكار دورها في تقرير حقوق الإنسان يستوي مع إنكار أثر الإسلام في إقرارها وترسيخها بل والسبق إليها. كلاهما، الجحود والإنكار، يؤجّج خلافًا لا مبرّر له، ويضيع جهدًا نحتاج إليه، ويجرّد القضية – من المنظورين المطروحين  من الــــرصيد التاريخي والموضوعي ولقيمي الذي نحتاج إليه أشد الحاجة لتحشد قوى الشعوب وقوى الـديمقراطية في عـالم اليوم وراء مطالب حقوق الإنسان ودعم حـريـاته في كل مكان مهما اعترفنا بسلبيات هنا أو هناك وإلا فقدت القضية انتماءات تمثّل الحقيقة والـواقع ولاءات تمثل الآمال والطمـــــوحات، وفقدت القبول الـلازم لها على صعيد المجتمعات الدولية وما أنشأته وتنشئه من آليات لإعلاء حقوق الإنسان وحــريــاته والحـوارات الحضارية بمنـاسبتها حول القواسم المشتركة وحمايتها من العدوان والانتهاك.

لأننا نؤمن كما قال الـرسول ﷺ: «إن الخلق كلهم عيال الله، وأن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة»، وأنه عندما جعلنا «شعوباً وقبائل» فإنما لنتعارف ونتعاون وليس للتباغض والتصارع حيث قال: ﴿وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا﴾(الحجرات:13)، وعنــدما يضع التمــايز في إطار التقوى أو يجعل التقوى إطار التمايز، فيستحيل أن يكون ذلك من خلال إبادة لشعب أو استئصال لأمة.

بل يتعين أن يأتي ضمن منظومة أخلاقية وحضارية بمرجعية دينية وبنظرة عالمية إنسانية تتمتّع بدرجة عالية من التفهّم والإنصاف تتواصل مع التطوّر الذي أفرز الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهود والمواثيق الدولية التي صدرت بعده.

المبادئ منصوص عليها في الــدســاتير والقوانين في أكثر دول العالم.

واقع التطبيق في الشرق والغرب وفي بلادنا يشهد سلبيات ومفارقات غير قليلة حتى لو وجدت بعض الإيجــــابيات وهذا يستنهض همم شعوب العالم لبذل مزيد من الجهد لتذويب الفوارق بين المنصوص عليه والمعمول به.

تبلور مفهوم جديد بعد الحرب العالمية الثانية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان (1948)م وما تلاه.

الطابع العالمي والإقليمي محاولة للضغط على الدول التي تعانى تخلفاً في الحقوق لتعديل أوضاعها إلى الحد الأدنى لـلاتفاقيات حفاظاً على إنسانية الإنسان، وهذا جانب إيجابي، ولكن:

 

حـــــركة حقوق الإنسان وخـــــــاصة في الغرب تسييس المفهوم وتسـتخدمه للضغط على الذل الأخرى إحراجاً أو إذلالاً، وتركِّز على إبراز ما بها من مخالفات مع التعتيم على ما يقع داخل الدول الغربية نفسها أو بواسطتها خارج حـدودها (وأحيانًا داخلها) وفي دول العالم الثالث.

الخدمة الحقيقية للقضية ليست في المبادئ والإعلانات وإنما في ضمانات التنفيذ وخاصة في القوانين الداخلية في كل دولة وما يتعلّق منها بالحقوق والحــريات في القوانين الـدستورية والجنائية والإدارية والمدنية والإجرائية والعمالية والأسرية.

إذ يجب أن تكون هذه القوانين في مستوى الإعلانات والعهود أو المعاهدات.

لا بد من ارتباط الحقوق بـالواجبات بحيث نتحدّث عن حقوق الإنسان وواجباته أو واجبات الإنسان وحقوقه؛ فلا بدّ من التأكيد على مسؤولياته وواجباته التي لا تنشأ له حقوقه ولا يصل إليها إلا بأدائها.

ملاحظة أخرى: الإنسان المعاصر يريد الحرية والحقوق لنفسه ولا يهتّم بما يصيب حـريات الآخرين وحقوقهم، ويضخِّم ما يمسّ حرياته وحقوقه، ويتلذّذ بما يصيب مخالفيه متصنعاً الشفقة عليهم. ولا بدّ من إيقاظ شعوره بالمسؤولية وهذا واجب علينا... يتبع

  بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف