
الرئيس التركي اردوغان ، ماضٍ بحماس غبي نحو توريط تركيا ، بارتكاب المزيد من الأزمات والحماقات، سواء في محيطه الجغرافي أو بعيداً عنه باتجاه ليبيا والصومال واليمن ..
طموحات السلطنة والسلبطة تعمي بصره وبصيرته وتغلف دماغه بما يحول دون التفكير السّوي ، ما سيجر على تركيا ويلات وعلى مواضع مطامعه ؛ الكثير من الخراب .
لقد ظهرت السلطنة العثمانية في ظروف مختلفة تماماً ؛ حتى تتكرر ، فقد وجدت القبائل التركية في الدين الاسلامي الحنيف سُلماً للوصول ، وبخاصة منهم الذين كانوا غزاة ابتداءً ، ثم وجدوا ذاتهم في الاسلام كمدخل للقوة والمجد ، وكان الظرف الدولي والاقليمي متاحاً .. فالكنيسة الكاثوليكية البابوية كان همها إضعااف أو إسقاط الكنيسة الأرثوذكسية ، وكان الغرب الأوروبي معني بدرجة رئيسة بإنهاء العرب المسلمين في الأندلس، ولا بأس في أن يحتل العثمانيون القسطنطينية وينشغلوا في التوسع على حساب أوروبا الشرقية بدلاً من الانتصار لعرب الأندلس بل واستقبل العثمانيون بالترحاب ؛ اليهود الفارين من الأندلس .. فخلّصوا الإسبان منهم وخلصوهم من الإسبان ، في آن .
وكانت المنطقة في المشرق العربي في حاجة لدولة قوية بديلا عن حكامها وقتذاك ، ولما كان العثمانيون ؛ قد اعتنقوا الدين الاسلامي ، فقد كان تقبل المنطقة لهم يسيراً ،
لكن تركياً في عهد اردوغان أرست أسوأ العلاقات مع دول الجوار ، رغم أن علاقاتها لم تكن كذلك حتى ما قبل سنوات من الآن سواء مع سورية أو العراق أو ليبيا .. لكن نواياها وسلوكياتها العدوانية ( والتي تنطلق من ارضية مكتب الإرشاد العالمي الإخوني ) ومن مذهبية " سنية:" متعصبة ، وما تبدي من أطماع عدوانية خفية وظاهرة ، أدت كلها إلى علاقات تغص بالاختلاف والشكوك في المنطقة العربية ومع الجوار غير العربي الآسيوي منه والأوروبي ، عدا قطر وبعض الصومال وأذربيجان ( الشيعية ) لكن عداء تركيا التاريخي لأرمينيا والأرمن تغلبت هنا على الأولوية المذهبية ، لدى الأتراك.
ورغم تباين سياسات من تخاصمهم أو تعاديهم تركيا ، إلا أن لكل منهم أسبابه للخصومة والعداء ؛ التي ولّدتها أوهام أردوغان العثمانية ، فتركيا الأخونية الآن ؛ تجمع المتناقضات فهي عضو ما زال راسخا في حلف النيتو منذ عقود ، وتضم أكبر قاعدة أمريكية في المنطقة ، وتركيا أول دولة اسلامية تعترف بالكيان الصهويني وما زالت تقيم معه أوثق العلاقات الديبلوماسية والتجارية والسياحية وغيرها ، وتجري معه ومع الولايات المتحدة مناورات عسكرية بين حين وآخر .
وتركيا ما زالت تسعى عبثاً للإنضمام للإتحاد الأوروبي ؛ في حين تعتبر نفسها الحاضنة للإسلام السني دون الإسلام الوهابي ..وترى أنها المرجعية العميقة للطورانية ، ما يجعل منها خطراً وجوديا إثنياً وعنصرياً على المحيط المجاور والبعيد وصولاً لحدود الصين وروسيا .
وأضافت تركيا بقيادة اردوغان عقداً جديدة ، باعتبارها نظاماً إخونياً يسترشد بمكتب الإرشاد العالمي الإخوني ويستمد مواقفه وممارساته المعتقدية والسياسية منه، في حين تعج تركيا بالمؤسسات الربوية وبالحانات ودور الدعارة وتقيم علاقات تجارية واقتصادية مع كل أعداء الإسلام بمذاهبه كافة .
وورّثت تركياً العثمانية ؛ تركيا الراهنة أحقابا من الدم والقتل والعداوات والمذابح والتخلف ، ليس أكثرها مذابح الأرمن ، وقد حال الغرب الاستعماري دون إنهيارها على مدى عقود حتى تستكمل أزماتها، و للحيلولة دون مجيء دولة حديثة متقدمة تُصلح ما أفسدته قرون العثمانيين (مشروع ابراهيم بن محمد علي ) مثلاً ، ولأنها وقتذاك ضمانة لبقاء المنطقة العربية في حالة من التخلف ، حتى تستوي ثمار قطافها . وهكذا كان .
أسوق هذه اللمحة ، لأؤكد أن ظروف نشأة السلطنة العثمانية مختلفة تماماً ، عنها الآن ، فتركيا القديمة تدرعت وتذرعت بالإسلام فأسلك طريقها ، بغض النظر عن الكثير من السلوكيات الدموية العنصرية التي سلكتها .. فيما تركيا الآن كما أسبقت عضو في حلف النيتو الاستعماري الغربي وتقيم أفضل العلاقات مع (إسرائيل ) المحتلة للأراضي المقدّسة ، وهي محاطة بالأعداء الذين جعلتهم كذلك أعداء ، سواء من وجهة إسلامية أو قومية أو إثنية ، أو لجهة أطماعها في المنطقة .
وتركيا التي تحاول التمدد والانتشار السياسي والعسكري ، بغير حق ، ( فتّحت ) العيون عليها ، ووحّدت الخصوم ضدها ، وأضعفت الاقتصاد التركي ، وفتتت القوة السياسية المتماسكة التي ولّدت هذا النظام ، وأصبح رفاق الأمس من الأتراك أعداء .. والدولة التي خرجت من جراح الحرب العالمية الأولى ، مدماة ، عادت جراحها للظهور قروحاً لا يبدو لها بلسماً ، لكثرة ما ارتكب أردوغان الأحمق الأخرق من كوارث وخطايا .
ظن أردوغان أنه بتعديل الدستور يحصّن نظامه ونفسه ، لكنه بالحقيقة عزلها وحمّلها كل النتائج الكارثية ، دون أن يشرك حلفاء الأمس بالقرار ويحمّلهم بالتالي بعض مسؤوليات كوارثه وإخفاقاته ، وليحولوا في آن دون ارتكاب كل تلك المصائب .
ويزين مكتب الإرشاد العالمي لأردوغان أنه سلطان المسلمين القادم ، دون أن يعلم ويعلموا (أن زمان أول قد تحوّل ) وأن إستعادة دولة وحضارة الإسلام ، لا تكون وكل قدم في رحال مختلفة ، ولا تكون بسفك الدماء البريئة والقهر ، ولا بالكذب وسحاق المواقف وزرع الفتن .. وإرتكاب ما لا يعقل من الضلالات باسم الاسلام ، ولا بالتزنر بمواريث التخلف والجهل ، ولا بالغدر ، ولا باستجلاب حثالات الأرض من جهاتها الأربع للإنتحار دفاعاً عن الشيطان وايهام البسطاء بأنه طريق الحورالعين والجنة ، ولا باستهداف وإشغال وحرف بوصلة من يستعد للمقاومة وحشد قواه للتحربر .
تركيا في عهد أردوغان آفة هذا الزمان بما لديه من قدرة على تزوير الحقائق والتضليل وخدمة أعداء تركيا والأمتين العربية والإسلامية ، وما لم يتنبه الشعب التركي إلى الخطر الذي يشكله أردوغان في الوقت المناسب ، فإن كارثة كبرى ستلحق بتركيا ، حرباً أهلية ، وتمزقاً ، وسيصيب المنطقة بعض رذاذ هذه الكارثة ؟
محمد شريف الجيوسي
