
من يتابع تاريخ سورية المعاصر،يجد أن الانتقام والحصار نهج مستدام ضدها ، فكلما صمدت سورية في مواجهة عاتية ، أدخلها أعداء الشمس في مواجهة جديدة وهكذا وحتى اليوم .
لقد استعادت سورية هويتها الوحدوية بمواجهة جريمة الانفصال ، فلم تنزع الى النقيض وإن لم تتهيأ لها ظروف إقامتها ثانية ،
وجرى حصارها سنة 1978 بالتزامن مع كامب ديفيد ورفضها التوقيع على إتفاق إستسلام مماثل مع الكيان الصهيوني ؛ يفرط بالقضية الفلسطينية ، لكن الحصار فشل أمام صمودها.
وفي سنة 2003 وفي أعقاب الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق تقدم كولن باول بـ 8 شروط للإذعان ، ورفضها الرئيس بشار الأسد جملة وتفصيلاً ، كذلك رفض طرد الفصائل الفلسطينية من دمشق ، فاتخذ الكونغرس الأمريكي حزمة عقوبات ضد سورية تحت مسممى قرار معاقبة سورية .
وأتبعت أمريكا قراراتها هذه باتهامها بجريمة إغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري .. وما استتبع من إجراءات ، وهو الاتهام الذي ثبت زيفه لاحقاً .
وصمدت سورية في مواجهة عصابات الإرهاب التكفيري الوهابي ؛ الإخوني المدعومة من عواصم الاستعمار القديم والجديدة ومن الرجعيتين العربية والتركية و(إسرائيل) فأقام أعداء سورية ، ما أسموه التحالف الدولي بزعم محاربة الإرهاب ، فانتشرت أذرعه كـ السرطان في الجسد السوري ، وظهرت داعش و( ماعش ) اللتان باعتراف هيلاري كلينتون ومراكز دراسات أمريكية وقيادات خليجية ـ كانتا نبتاً شيطانيا أمريكيا بامتدادات إقليمية ودولية ، وهي الاعترافات التي أتت في نطاق تبادل الإتهامات وكشف االمستور من الأوراق .
وبعد فشل التحالف الدولي جرى دعم قسد في شمالي سورية ، وجرى تعميق التدخل التركي ، واحتلال شمالي العراق من قبل عصابات الإرهاب بالتحالف مع بقايا الجيش العراقي السابق الذين خالوا أنهم يستثمرون داعش فإذا بهم يضحون رهائنها فإما القتل وأما استتباعها وإما الفرار .. فوصلت داعش حوافي العاصمة العراقية ؛ بغداد ، لولا تمكن الحشد الشعبي المدعوم إيرانياٍ من الحاق الهزيمة بهذه العصابات وتحرير شمال وغرب العراق.
لقد ارادوها عملية خلط للأوراق للحيلولة دون أي دور عراقي إيراني شعبي أو رسمي أو كليهما لإعاقة تأمين الطريق البري إلى سورية ؛ بخاصة بعد بروز توجه روسي عراقي إقليمي لإقامة غرفة عمليات مشتركة جرى إجهاضها .
في تلك الأثناء بلغ التوسع الإرهابي الدولي في سورية مداه ، بالسيطرة على مساحات واسعة جداً من الجغرافية السورية ، فتدخلت إيران والمقاومة اللبنانية بشكل واسع ومعلن تلاهما روسيا ، وأتاح هذا التدخل أولاً وقف التمدد الإرهابي المدعوم تركياً وخليجيا ومن غيرهما ، وبالتدريج تم قضْم المناطق الواقعة تحت سيطرة الجماعات الإرهابية ، واحدة تلو أخرى ، ابتداء بـ حلب الشرقية فالغوطة الشرقية فـ جنوب سورية (السويداء ودرعا والقنيطرة ) وأجزاء من البادية السورية وأرياف حمص وحماة وإدلب واللاذقية ..
أما وقد بداً واضحاً أن الدولة الوطنية السورية على وشك التعافي ، وتحرير المنطقة الشمالية الشرقية ( شرق الفرات ) وكامل محافظة إدلب ، فقد ركز التحالف الدولي الأمريكي على تكثيف سيطرته المباشرة على المنطقة وعلى شريط بطول 50 كم على طول الحدود البرية السورية العراقية الأردنية (التنف) وعلى آبار النفط في المنطقة الشرقية وتدعيم قوة قسد عسكريا وسياسياً ومدها بأموال النفط السوري المسروق لفرضها أمراً واقعاً، كجيب يشبه (إسرائيل ) في تلك المنطقة ، كما لم تحاول أمريكا الإحاطة بالإحتلال التركي على ما بين تركيا وقسد من تنافر ، بل وحالت دون أي تصادم عميق بينهما ، مهيئة كل الأجواء لتقوية احتلالهما العسكري في مناطق الشمال والشمال الشرقي ، على حساب شرعية الدولة .
ومع الاستمرار بسرقة النفط السوري الذي بدأته تركيا بالتعاون مع العصابات الإرهابية حيث كان يتولى تسويقه اردوغان الإبن، تتولى سرقته الآن أمريكا و تسويقه ودعم قسد بأمواله لتشكيل دويلة انفصالية في الخاصرة الشمالية الشرقية لسورية تكون تابعة لـ (إسرائيل ).
وحيث حال الجيش السوري والتدخل الروسي الإيراني اللبناني المقاوم والحشد الشعبي العراقي من فرصة تمدد جديد للجماعات الإرهابية في الجغرافيا السورية ، وكان التوجه واضحا أن الشام بمساعدة حلفائها على وشك تنظيف سورية مما تبقى من اراض محتلة أو ما زالت واقعة تحت سيطرة جماعات إرهابية ، توجه أعداء سورية إلى أسلوب جديد من حرق للمحاصيل الزراعية وشن حرب ضروس على الليرة السورية وتحريك الشارعين العراقي واللبناني على نحو أضر كثيراً بالإقتصاد السوري .. كما أتخذ قانون قيصر العقابي للإضرار بالاقتصاد السوري .
وأخيراً وليس آخرا وفي سياق الحصار التاريخي لسورية ، لجأ أعداؤها إلى افتعال حرائق في مناطق شمال وغرب سورية حيث أشجار الزيتون والحمضيات واللوزيات والبيوت البلاستيكية وأنابيب الري وغيرها ، لتجويع الشعب في سورية وتثويره ضد حكومة بلاده .
لكن ما لم يفقهه أعداء سورية بعد ، أن أغلبية الشعب وإن بلغ الصبر والمعاناة مداها ، فإنه يدرك أين تقع مصالحه الوطنية العاجلة والاستراتيجية ، وأن من لا يقدر على الصبر الطويل لغير سبب يغادر ، ولكنه في الأعم الأغلب لا يبيع وطنه وفي الغربة لا يذكره الا بخير ويعمل لأجله بقدر استطاعته ويزيد .
محمد شريف جيوسي
