واقــع الــحـكـامــة الــقــضــائــيــة

خميس, 12/17/2020 - 00:05

كثر الحديث هذه الأيام عن استقلال القضاء كحجر الزاوية بالنسبة للإصلاحات المزمع تحقيقها في ميدان العدالة على المدى القريب، و إذا كان البعض قد عالج هذه المعضلة بموضوعية و تجرد، فإن البعض الأخر قد تطرق إليها بعيدا عن النزاهة الفكرية و الحياد العلمي، و سنحاول نحن أيضا أن ندلو بدلونا قدر المستطاع و ذلك عبر تطرقنا لثلاث نقاط رئيسية تتعلق باستقلال جهاز القضاء.

كل الدساتير المتحضرة نصت على ضرورة استقلال القضاء عن كل السلط الأخرى، و المغرب بدوره نص على هذا المقتضى في دستور  11 يوليوز و ذلك في الفصل 107 الذي جاء فيه أن السلطة القضائية مستقلة عن السلطة التنفيذية و السلطة التشريعية، و ذلك بعدما كان مجرد وظيفة في دستور 1992، و دون الحديث عن طبيعة القضاء بين من يراه هيئة و بين من يراه مجرد وظيفة.

و استقلال القضاء هو استقلال نسبي يختلف من بلد لأخر حسب نظرة كل واحد إلى مفهوم المصلحة العامة للوطن و التي تجبر القاضي موضوعيا على تغيير وجهة نظره المعتادة و التحلي جزئيا عن استقلاله في سبيل تحقيق هذه المصلحة، و من المبادئ الراسخة في الاجتهاد القضائي بصفة عامة و القضاء الإسلامي بصفة خاصة هو ترجيح  كفة المصلحة العامة على الخاصة عند تعارضهما.

  وقد يكون الاستقلال نسبيا أيضا بفعل شخصي ذاتي كتأثير جهات أخرى على استقلال القضاء و هنا نقصد السلطة التشريعية و التنفيذية ثم السلطة الرابعة أي الصحافة.

استقلال القضاء عن السلطة التشريعية:

كما سبقت الإشارة لكون الفصل 107 من الدستور ارتقى بالقضاء من مجرد وظيفة إلى سلطة قائمة بذاتها و مستقلة، و استقلالها عن باقي السلط هو الذي يعطي الثقل الأكبر لسلطة القضاء و شموخه كسلطة ثالثة في الدولة يساهم بحظ وافر في تثبيت دعائم الاستقرار و الطمأنينة في نفوس المواطنين.

و من أهم ما يمكن أن نلمسه عن استقلال القضاء عن السلطة التشريعية هو كون الدستور نفسه  جعل أمر تعيين القضاة و نقلهم و ترقيتهم و تأديبهم بيد المجلس الأعلى للقضاء، كما أنه  من خلال الفصل 109 منع كل تدخل في القضايا المعروضة على القضاء من طرف أي جهة كانت.

 

و على العكس من ذلك فقد تتدخل السلطة القضائية في أعمال السلطة التشريعية و ذلك بوضعها للقانون بدل تفسيره بمناسبة عرض نزاع عليه ، غير أن هذا الأمر لا يعد بمثابة تدخل حقيقي لكون ابتداع و ابتكار قواعد اجتهادية لسد فراغ تشريعي هو تدخل قانوني و مشروع.

 

استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية

لقد نص الدستور المغربي بصريح العبارة على حظر و منع أي تدخل للسلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية و العكس صحيح لأن لكل مجاله، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة فك الارتباط بينهما في جفاء و تصلب، ، بل إن المصلحة العليا للوطن تتطلب التعاون بين السلطة فيما يحقق هذه المصلحة و هنا يطرح إشكال يتعلق بالمعايير المعتمدة لتمييز العمل القضائي عن العمل الإداري ؟

و في الآونة الأخيرة كثر الجدال بين الفقهاء حول ضرورة استقلال القضاء كليا عن وزارة العدل لأن وجود وزير على رأس وزارة العدل عوض قاض سام يشرف على شؤون القضاة هو في حد ذاته مس باستقلال القضاء.

 

يشبه بعض الفقهاء القاضي بالقانون المجسم لأنه هو الوحيد الذي يحول نصوص القانون الجامدة و أحيانا الغامضة إلى حقائق واضحة، و لأجل ذلك يجب أن تتوفر في القاضي للقيام بمهمته الخطيرة صفات و شروط قلما تتوفر جميعها دفعة واحدة و منها النزاهة التامة و الاستقلال المطلق و ضبط النفس و الصبر و الفطنة، لذلك يجب دائما اختيار من يستطيعون الانفصال عن الأهواء و الغرائز و النزوات ،  إذ لا تسند هذه المهمة إلا لمن يستحقها فعلا وفق شروط و ضوابط دقيقة.

 

و يجب أيضا تقرير استقلال القاضي بضمانات تجعله في منأى عن كل ضغوط أو تهديدات و ذلك بتحصينه من العزل أو النقل إلا بمقتضى نصوص خاصة كما نص على ذلك الفصل 108 من الدستور، و عندما نتحدث عن هذين الإجرائيين بالخصوص فإنهما يمسان القاضي في مصدر رزقه و في استقراره النفسي و المركزي.

إذن الاستقلال المالي و الإداري للقاضي بصفة عامة و القاضي المغربي بصفة خاصة لا يقل أهمية عن مبدأ استقلال القضاء.

 

في إطار الحديث عن النيابة العامة فإننا سنقف موقف وسط بين رأيين متناقضين بخصوص هذا الموضوع الذي شغل الساحة القضائية في الآونة الأخيرة، و هو موضوع استقلال النيابة العامة.

 

فالرأي الأول يدافع عن استقلال هذا الجهاز، و يعتمد في تبريره على تقريرين مهمين عرفهما المغرب ،الأول يتعلق بهيئة الإنصاف و المصالحة و الثاني بتوصيات الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح العميق و الشامل لمنظومة العدالة.

 

التقرير الأول نص على تقوية استقلال القضاء و الإقرار باستقلاله الذاتي و البشري و المالي ، و تمكينه من سلطات واسعة في مجال تنظيمه و ما دام قضاة النيابة العامة يشكلون جزءا لا يتجزأ من جسم العدالة، فيجب أيضا أن يتمتع بالاستقلالية، و أن يخرج عن وصاية رجل السياسة المتمثل في وزير العدل، و الدستور المغربي جاء غامضا في ما يخص هذه النقطة لأنه لم يشر إلى هذه السلطة التي يتبعون لها .

أما التقرير الثاني فقد اعتبر أن أحكام الدستور أقرت بجلاء استقلال السلطة القضائية ، و يجب فصل النيابة العامة عن وزير العدل و إسناد رئاستها للوكيل العام لدى محكمة النقض، و تخويل وزير العدل فقط صلاحية إعداد السياسة الجنائية و تبليغ مقتضياتها كتابة للوكيل العام قى محكمة النقض.

 

أما الرأي الثاني فيذهب عكس الرأي الأول و يرى بضرورة استمرارية تبعية النيابة العامة وزير اعد و اعتبروا أن وضع النيابة العامة تحت مسؤولية الوكيل العام لدى محكمة النقض بمثابة خطوة للوراء، و لن تكون سوى امتياز قضائي في ظ الوضع الحالي للجهاز القضائي مما سيجعل النيابة العامة في منأى عن كل محاسبة أو رقابة.

 

فهم يرون أن استمرار التبعية يضمن يضمن الخضوع لرقابيتين أساسيتين ، الأولى رقابة رئيس الحكومة باعتباره الرئيس الفعلي المباشر للوزير الذي تخضع له النيابة العامة، ثم الرقابة البرلمانية عندما يمتثل وزير العدل أمام البرلمان بغرفتيه من أجل مساءلته عن قراراته عندما تكون خارج نطاق القانون و تمس باستقلال القضاء و كذلك مساءلته عن قراراته فيما يخص تنفيذ السياسة الجنائية.

واقــع الــحـكـامــة الــقــضــائــيــة

 

 

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.  

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف