
يعتبر تسلم الرئيس الأمريكي جو بايدون مهام منصبه ( بسلام ) إنجازاً أمريكياً بإمتياز ، رغم فضيحة إقتحام الكابيتال قبْلَ أيام من قِبَلِ مجاميع أمريكية عنصرية متطرفة ، في حادثة أظهرت أن الولايات المتحدة في الجوهر ، لا تختلف كثيراً عن أي دولة متخلفة فاشلة ، وأن شعاراتها في الديمقراطية وحقوق الإنسان والطفل والمرأة والشباب .. مجرد شعارات ذرائعية للإستثمار ضد الدول التي تناهض سياساتها بعامة ، أو التي لا تطبّق طريقتها في الحكم والثقافة والإقتصاد ، أو التي تناهض الوجود الصهيوني في المنطقة العربية .
لقد تنفس العالم الصعداء بإسقاط تشبث الرئيس ترامب المنفصل وجماعته بكرسي الرئاسة .. فقد كان باستطاعة التيار الذي يمثله حتى الساعة الأخيرة من ولايته ، توريط أمريكا في حرب ضد إيران أو الصين أو حتى كوريا الديمقراطية أو فنزويلا ، وإعلان حالة الطواريء والحرب وإتخاذ ذلك ذريعة لتعطيل مخرجات الإنتخابات ، ولو أن هكذا حرب نشبت ، لما كان ممكنا نجاة العالم من تبعاتها ومن إتساع رقعتها بالضرورة .
لكن هذا الخيار لم يكن ليلق قبولاً واسعا حتى لدى بعض الجمهوريين والتيار المتشدد العنصري الأبيض والأثرياء والمجمع الصناعي الخ ، حيث يَحتمل هذا الخيار مغامرة قد تعصف بكل انجازاتهم ومزاياهم ، كما ووجه برفض ما يسمى المجتمع الدولي .. هو باختصار لم يكن محل ترحيب أحد ، بل معارضة الجميع باستثناء بعض أصحابه ، فجرى طيه كخيار راهن ، بشعارات ومبررات مختلفة .
لقد استثمر الحزب الديمقراطي وتياره ممثلا بالرئيس الجديد بايدون ، عثرات السنوات الأربع المنصرمة ، فاتخذ جملة قرارات صائبة منذ الدقائق الأولى لتسلمه مقاليد الحكم .. كان قد حضّر لها فنياً وقانونياً وإعلامياً ، فكان ممكنا توقيعها وإعلانها فوراً ، وهذه القرارات شملت العودة الى منظمة الصحة العالمية واتفاقية باريس للمناخ ووضع حدٍ لقرار منع مسلمي عدد من الدول من دحول الولايات المتحدة ، ووقف تمويل بناء جدار الفصل العنصري مع المكسيك ، وتمديد إتفاقية ستارت مع روسيا لـ 5 سنوات أخرى ..
وتردد ان قرارات أخرى ستتخذ من بينها سحب القوات الأمريكية من المنطقة العربية ، ووقف دعم الحرب على اليمن .. والعودة إلى إتفاقية الملف النووي مع إيران .. والعودة إلى خيار الدولتين ما قد يعني وقف العمل بصفقة القرن .. ودعم وكالة الأونروا ، وإعادة فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية ، وعلى صعيد وباء كورونا قرر فرض ارتداء الكمامة والتباعد الجسدي في المؤسسات الإتحادية .
وتعتبر هذه القرارات والتوجهات في مجملها إيجابية ، وهي في آن غير مكلفةٍ إستراتيجيا للولايات المتحدة ، بل بالعكس من ذلك ستعزز مكانتها دولياً .
ولا تعني هذه القرارات الإيجابية (الحكيمة ) أن الإدارة الأمريكية الجديدة ستتخذ قرارات إيجابية أخرى مفصلية من روسيا أو الصين أو فنزويلا أو كوريا الديمقراطية أو سورية .. أو من الحقوق العربية في فلسطين بمواجهة الكيان الصهيوني ، أو غيرها، أو أنها ستتخذ ممارسات بنيوية سليمة بعامة على صعيد الإقتصاد أو رأس المال العالمي أو الدولار أو البنك الدولي أو صندوق النقد الدولي ؛ أو من العصابات الإرهابية ذات المنشأ الأمريكي اساساً ، وغير ذلك من قضايا عالمية مركزية .
لقد وحّدت قرارات وسلوكيات وممارسات الإدارة الأمريكية المنفصلة ؛ العاالم ضدها وضد أمريكا وسفّهت مكانتها وفضحت جوانب عديدة من حقيقتها ، حتى العلاقات الأمريكية الأوروبية التاريخية لم تعد كالسابق .
ومع ذلك، يوشك الرئيس الجديد ؛ إرتكاب حماقات جديدة منها فرض عقوبات إضافية على روسيا ، وفرض شروط جديدة على إيران في مقابل العودة لإتفاق الملف النووي معها ، وتعهد بأن لا يسمح لها بإمتلاك سلاح نووي ، رغم أنها تعلن صباح مساء أنها لا تمتلكه ولن تمتلكه ، وليس لدى منظمة أسلحة الدمار الشامل أية معلومات نقيضة ، فيما لا ولن يقترب بايدون من إمتلاك إسرائيل لأسلحة الدمار الشامل ، وهو في ذلك ككل أسلافه من الرؤساء الأمريكان ، فالموقف الأمريكي منحاز بالمطلق لإسرائيل ، وهو أحد مرتكزات النهج والإستراتيجيا الأمريكية التي لا تتغير ، أما مواقفه تجاه الصين فهو على قدر من الغموض.
لا بد أن سياسة الإدارة الأمريكية الجديدة ؛ تقارب نهج إدارة أوباما الديمقراطي ، والتي راهنت المنطقة العربية عليها ، لكنها شكلت في حينه خذلانا وإحباطاً ، بخاصة دورها في خلق عصابة داعش الإرهابية ودعم الإرهاب ( بحسب شهادة هيلاري كلينتون أمام الكونغرس وشهادة مراكز دراسات أمريكية وبعض المسؤولين الأمريكان ) كذلك دورها في إشعال ما أسمي الربيع العربي بالاتفاق مع مكتب الإرشاد العالمي الإخوني ، وما حمل دورها من فتن ودمار في ليبيا واليمن وسورية ونسبياً في تونس والجزائر.
من الصحيح أن المراسيم التي وقّعها بايدون في يومه الأول من توليه مقاليد الحكم ، إيجابية وقد ( تبشر بخير) ولكنها غير كافية ، على صعيد موروث سلفه ، أو الإدارات الأمريكية المتعاقبة .. بل وعلى صعيد ما صرح به وما تسرّب عن مشاريعه المستقبلية .
مطلوب من بايدون عربياً، إنهاء الإحتلالات الأمريكية لأراضٍ سورية، ووقف دعمها لعصابة قسد الإنفصالية، وإنهاء الوجود الأمريكي في العراق، ووقف حقيقي للدعم الأمريكي للحرب على اليمن، واتخاذ موقف حازم من التدخل التركي في ليبيا وسورية والعراق واليمن والصومال ولبنان وأرمينيا والبيونان وقبرص وشرق المتوسط .. وبعامة مطلوب من الولايات المتحدة ؛ وقف التدخل في الشأن العربي ووقف تدخل مؤسسات رأس المال العالمي في إقتصادات الدول العربية ، والتحول إلى طرف نزيه في الصراع العربي الإسرائيلي ،
بكلمات،إن إنتهاج الولايات المتحدة الأمريكية، نهجا سلميا نزيها ، مختلفاً عن السابق ، سيحقق مصالحها وفي آن صداقتها للأمة العربية، دون أدنى خسائر من أي طرف، أو عداوة أو ضحايا ، ويتيح تجاوز الإحن التي سببتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للأمة، ويكرس ربما صداقة حقيقية مستدامة ، وغير مفروضة أو معرضة للإنتكاس .
محمد شريف الجيوسي
