الکثیرون في حیرة من امر السلطات السعودیة ، بسبب مرورها مرور الکرام من امام فاجعة انسانیة کبری تمثلت في ازهاق ارواح اکثر من 7000 انسان في مراسم الحج في منی العام الماضي ، وهذه الحیرة تتضاعف بسبب تصریحات المسؤولین السعودیین المتعجرفة والاستعلائیة مع الدول التي طالبت بتشکیل لجنة للتعرف علی ملابسات الفاجعة.
المتتبع لما صدر من تصریحات عن المسؤولین السعودیین السیاسیین والدینیین ، بعد وقوع فاجعة منی ، لم یستشف منها اي تعاطف انساني حتی في حدوده الدنیا مع الاف البشر زُهقت ارواحهم ، بسبب عدم کفاءة ال سعود وادارتهم السیئة للحج ، الذي تحول الی موعد مع الموت في کل عام . والغریب انه اذا ما تجرأت دول ما ، مثل الجمهوریة الاسلامیة الایرانیة ، التي فقدت اکثر من 450 حاجا من حجیجها في فاجعة منی ، وطالبت السعودیة بتقدیم اعتذار ، فان جیشا من مشایخ الوهابیة وامراء ال سعود ، یشنون حربا طائفیة وسیاسیة ونفسیة واعلامیة لاخطوط حمراء فیها ، علی ایران ، متهمین ایاها بشتی الاتهامات ، حتی وصل الامر بانهم اتهموا الحجاج الایرانیین بانهم هم الذین تسببوا بالفاجعة!!.
في ای مکان في العالم یسقط فیه هذا العدد الکبیر من البشر صرعی بسبب اهمال وسوء ادارة ، لکانت الدنیا تقام ولن تقعد ، ولکانت حکومات سقطت ، ولکانت تظاهرات واحتجاجات عمت الافاق ، ولکن لهذه القاعدة استثناء وهذا الاستثناء هو السعودیة ، التي لا تتحمل ادنی مسؤولیة ازاء افجع الحوادث ، فلا معنی للمسؤولیة لدی ال سعود وال الشیخ ، فهم یرون في مطالبة البعض لهم بتحمل المسؤولیة ، مؤامرة ، فلا شیء مقدس او ذو قیمة لدی ابناء عبد العزیز وابناء عبدالوهاب ، الا الملک والعقیدة الوهابیة.
قیل الکثیر عن التعنت والتکبر والاستعلاء والغرور السعودی في التعامل مع فاجعة منی ، عبر رفض تقدیم اي اعتذار للدول التي فقدت ابناءها ، او تشکیل لجنة لتقصي الحقائق ، او تقدیم تعویضات لاسر الضحایا ، بل علی العکس تماما قامت السعودیة بنقل الجرحی والمصابین في حاویات مع الشهداء وقامت بدفنهم دون ادنی تنسیق مع دولهم ، رافضة کل المحاولات التي قامت بها لجان الاغاثة التابعة للدول الاخری ومنها ایران ، لاسعاف المصابین ، وابعدتهم بشکل لا انساني وتعسفی عن مکان الحادث ، واسکتت وللاسف الشدید الدول التي قُتل حجاجها في منی بما تملکه من اموال ونفوذ.
ان ما قیل عن الاسباب التی تدفع السعودیة للتعامل بهذا الشکل الجلف والخشن والفج والبعید کل البعد عن القیم الانسانیة والاسلامیة والعربیة مع ضیوف الرحمن ، لا ینبع فقط من الطبیعة الذاتیة لال سعود ولال الشیخ ، فهناک سبب اکبر من کل هذه الاسباب ، یقف وراء هذا التعامل الشاذ والمنکر لال سعود وال الشیخ مع الاخر ، وخاصة الاخر الاسلامی ، وهذا السبب یعود الی العقیدة الوهابیة والدور الوظیفي لال سعود.
لا یختلف اثنان في ان الوهابیة عملت ، منذ انتشارها بحد سیف عبدالعزیز ال سعود وبدعم واضح ومکشوف من المستعمر البریطاني ، في جزیرة العرب ، علی انتزاع اي قدسیة عن الاسلام ، بحجة التوحید ومحاربة الشرک ، حتی وصل الامر بالوهابیة انهم هدموا کل المقدسات الاسلامیة ولم یبقوا منها في جزیرة العرب سوی الکعبة المشرفة وقبر النبی (ص).
عملیة انتزاع القدسیة عن الدیار المقدسة ، تمت بشکل ممنهج وعلی مدی عقود ، فالوهابیة لم تکتف بمحو اکثر من 90 بالمائة من المقدسات الاسلامیة في مکة والمدینة ، بل اخذت ومنذ سنوات بالعمل علی محو قدسیة البیت العتیق بحجة تطویر الحرم المکي ، من خلال بناء رموز ماسونیة ضخمة حول الکعبة ، وفنادق ضخمة لا تتلائم بالمطلق مع بساطة وروحانیة الکعبة ، التي تحولت الی قطرة في بحر کتل اسمنتیة ابتلعت کل ما تبقی من التراث الاسلامي.
لما کان من الصعب علی الوهابیة ان تهدم قبر النبي (ص) کما دعا الی ذلک مشایخها ، ولما کان من الصعب التمادی اکثر في التقلیل من قدسیة وشان الکعبة ، بدأت الوهابیة باستهداف ضیوف الرحمن انفسهم ، من خلال التعامل معهم باستهتار واضح ، فلا یمر موسم حج الا وتزهق ارواح المئات بل الالاف من ضیوف الرحمن ، فعلی مدی 14 عاما توفی اکثر من 90 الف حاج ومعتمر ، فلا قیمة ولا اهمیة للحجاج لدی السعودیین ، حتی ان الشرکات العاملة في ما یسمی بمشروع تطور المسجد المکي لم تکلف نفسها ان توقف العمل احتراما لموسم الحج وراینا کف سقطت رافعة ضخمة تزن مائة طن علی رؤوس ضیوف الرحمن وهم في الکعبة المشرفة ، دون ان یحرک هذا الحادث شعرة فی جسد ابناء سعود وعبدالوهاب ، والسبب ان لا حرمة لهذا المکان ولا لضیوفه لدی هؤلاء ، ولهذا علق بعض کهنة الوهابیة مستهزئا علی الحادث بان الرافعة سقطت علی رؤوس ضیوف الرحمن لانها کانت تسجد لله ، وذهب بعضهم الاخر الی القول انه یحسد من مات اختناقا في منی لانهم ماتوا وهم یؤدون مراسم الحج ، دون ان یکلف احد من هؤلاء الکهنة نفسه عناء السؤال عن الاسباب التي ادت الی هذه الکوارث التی باتت تشهدها مراسم الحج کل عام دون انقطاع.
ان ما حدث في مراسم الحج في العام الماضی ، وماحدث في الاعوام السابقة ، لا تنحصر اسبابها بسوء الادارة والاهمال ، بل هو خطة ممنهجة لال سعود ولال الشیخ لانتزاع ما تبقی من قدسیة للکعبة المشرفة وللحرم النبوي ، تطبیقا للعقیدة الوهابیة ، الوجه الاخر للعقیدة الصهیونیة ، وهذا الحقیقة تؤکدها السعودیة برفضها تشکیل لجنة اسلامیة تشرف علی ادارة الحج ، او علی الاقل ابعاد المتهتکین وعدیمي الدین والاخلاق من امراء ال سعود عن تولي شؤون الحج ، واحالت هذا الامر الهام لافراد یستشعرون في داخلهم قدسیة هذه الاماکن وهذه الشعائر ، ویحترمون ضیوف الرحمن ، ویعاملونهم معاملة انسانیة.