يجمع مراقبون على أن العدوان المستمر على اليمن للعام السادس على التوالي كرس فشل ولي العهد محمد بن سلمان بالزعامة وأظهر مدى حاجة المملكة للحماية الخارجية.
هذه الحرب التي أوشكت على النهاية ونُسب الفضل في انهائها لجهود الرئيس جو بايدن متناسين السبب الرئيسي وهو اصرار اليمنيين على تحرير بلادهم من براثن الإحتلال السعودي الإماراتي, فيها دروس لا بد من الإضاءة عليها وأبرزها هو ليس عجز السعودية ذات الميزانية العسكرية الضخمة في الانتصار فحسب بل في حماية نفسها أيضاً.
منذ ست سنوات تقريبا, اعلنت السعودية الحرب على اليمن تحت شعار "عاصفة الحزم" ورسمت هدفا معلنا وهو ما زعمت انه احتواء المد الإيراني نحو اليمن عبر إعادة الرئيس المستقيل الفار عبد ربه منصور هادي الذي يٌفترض أنه انتخب رسميا تحت مزاعم "إعادة الشرعية" والذي كانت السعودية وراء استقالته و هروبه, ولم يسأل احد نفسه ما أهمية عبدربه منصور هادي لتدفع السعودية المليارات وتزهق ارواح اليمنيين لإعادته للحكم.. فهل يصدق احد ان هذا التافه يستحق المليارات والدماء؟؟.
ابن سلمان وجد ضالته في الأحمق هادي و حكومته العميلة المرتزقة ووظف هذه الحرب ليقدم نفسه زعيما إقليميا وزعيما للسنة وهذا ما جعله يلح على مشاركة الدول السنية مثل الإمارات والبحرين والمغرب والأردن ومصر وقطر في الحرب، وهي الدول التي انسحبت تديريجيا.
وبعد ست سنوات من الحرب، كانت النتائج عكسية للغاية إذ اصبحت السعودية في موقف حرج أمام النطام الدولي كدولة اعتدت على جارها الجنوبي, ولعل الأكثر إثارة للقلق هو عجزها حسم الحرب مع انصار الله التي دخلت الحرب بإمكانيات بسيطة واستطاعت خلال سنوات قليلة تطوير ترسانتها العسكرية لتُلحق بالمعتدي اضراراً جسيمة, فضلاً عن وقوف معظم الشعب اليمني خلفها وانتظامه في صفوفها.
وتمتلك السعودية ميزانية عسكرية ضخمة تقدر بـ 70 مليار دولار سنويا بحسب موازنة 2019, وتأتي الثالثة في التصنيف العالمي بعد كل من الولايات المتحدة والصين ومتفوقة على دول مثل روسيا والهند وفرنسا وبريطانيا في الإنفاق العسكري, وهي أعلى ميزانية في العالم مقارنة مع الدخل القومي العام للبلاد، ما بين 9 إلى 10 في المئة، بينما دول مثل فرنسا تخصص أقل من 2 في المئة, وهذه الميزانية كافية لكي تجعل منها قوة عسكرية حقيقية في الشرق الأوسط توازي قوى مثل تركيا وإيران والكيان الصهيوني.
لكن هذه الحرب كشفت زيف هذه الميزانية بل وأنها مفارقة في التاريخ العسكري وذلك لسببين وهما أن العتاد العسكري السعودي برمته محدود للغاية لا يعكس نهائيا ميزانية 70 مليار دولار, فالمملكة تتوفر على عشرات الطائرات من إف 15 تفتقد لنظام جوي مضاد للصواريخ والطيران وتفتقد للذخيرة الكافية.
وعملياً، كشفت الحرب كيف تعاني السعودية من الحصول على الذخيرة بعد الفيتو الأوروبي على بيعها الذخيرة وحاليا الأمريكي, ومن باب المقارنة، فهذه الميزانية لوحدها تتجاوز كل ميزانيات أفريقيا والعالم العربي، لكن الجيش السعودي لا يمتلك جاهزية جيوش أفريقيا مثل جنوب أفريقيا أو عربية مثل المغرب والجزائر ومصر.
السبب الثاني أن المملكة ذات إمكانيات وميزانية ضخمة لكنها لجأت إلى دول ثالثة لشن الحرب على اليمنيين, إذ كان الائتلاف مكونا من السعودية والإمارات ومصر والبحرين والأردن والمغرب وقطر والسودان في البدء, ولم تستطع السعودية تحقيق أي انتصار على انصار الله باستثناء ارتكاب جرائم في حق المدنيين وتدمير مستشفيات ومدارس أكثر بكثير من المعاقل العسكرية, وتتحدث الأمم المتحدة عن جرائم ضد الإنسانية في اليمن.
واضطرت السعودية اللجوء إلى الخبرة الأمريكية والبريطانية والفرنسية لإيقاف الطائرات المسيرة والصواريخ.
الحرب اليمنية التي اقتربت من نهايتها بفضل الموقف الحازم للإدارة الأمريكية والإنهاك الذي أصاب السعودية وتبحث عن مخرج مشرف تنتهي بالخلاصات التالية:
أولا، فشل سلمان من خلال هذه الحرب تكريس نفسه زعيما سنيا في العالم العربي بل شهد العالم السني مع هذه الحرب مزيدا من التدهور.
ثانيا، ضعف السعودية عسكريا، وبالتالي لا يمكنها نهائيا الانتقال إلى مصاف دولة إقليمية عسكريا مثل إيران وباكستان وحتى مصر بل أنها دولة في حاجة إلى دفاع الآخرين عنها، وهي الحماية التي توفرها فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة.
ثالثا، وضع السعودية والإمارات أمام النظام الدولي بمثابة دول تسببت في جرائم ضد الإنسانية, إذ أصبحتا هدفا للمحاسبة وربما محاكمات في المستقبل.
رابعا، التغيير الحاصل في الحروب، حيث جاءت هذه الحرب لتبرز الأهمية التي تكتسيها الصواريخ في مواجهة التفوق الجوي, فأصبح دور الطائرة المقاتلة ينحصر في الحسم أمام الصاروخ الهجومي. وهذا سيجر معظم دول العالم إلى اقتناء وتطوير الصواريخ للردع.