تعد الوطنية الهوية الجامعة لكل ما يدل به عن الوطن والأوطان والبلد والبلدان، فهي عنوان كبير لمعنى الولاء والانتماء لمسقط الفرد والجماعة، وتجدها أوسع من استخدام مفردة (المواطنة)، فالمواطنة تعني الانتماء لبلد أو دولة، وتضبط هذه العلاقة ضابطة قانونية، أما الوطنية فأنها تعني الولاء للأوطان.
إن تداول مفردة الوطنية بما تحويه من معان، لا يمكن وضعها مقابل الهوية الدينية أو المذهبية ولا حتى مقابل الانتماء القومي، فلكل هوية خصوصية معينة يشعر الفرد بضروريتها، فلا يمكن أن نقول إن انتماء فرد معين الى مذهب معين، لا يصدق عليه أنه يحمل انتماءً وطنياً أو أنه منتمي للوطن.
بالوقت نفسه؛ لا يمكن فرز الانتماء الى مذهب فكري أو سياسي محدد، عن الانتماء الى وطن معين أو أرض محددة، فالانتماء الفكري لا يتقاطع مع الانتماء الوطني، وهذا ما يؤكده: (حب الاوطان من الايمان)، وبذلك نجد رابطة متينة تجمع الوطن والايمان معاً، وهذه الآصرة التي يخطاً بتفسيرها البعض لغايات معينة.
الواقع الحالي في العراق؛ بلد الانبياء والاوصياء والصالحين، ومنطلق الديانات والمذاهب والحركات الفكرية والقوميات المتعددة، تجد -وبعد الالاف السنين- من يفسر "إن العراق موطن خاص بطائفة معينة"، أو "بلد محتكر لفئة معينة"، لا ترغب بالتكامل الانساني والعيش المشترك، ما يجعلها تخرج عن نطاق التاريخ والجغرافية، لترمي بنفسها بأحضان الطائفية والقومية.
إن تجاهل القرآن الكريم والسيرة النبوية، ومحاولات فرض الارادات، وممارسة سياسة (لّي الأذرع) تتعارض من المبادئ الانسانية، ولا تؤمن بالسمة الوطنية، انطلاقاً من أفكار وتوجهات لا تخدم الوطن، ولا ترعى ظروف البلد، وتتقاطع مع إرشادات ونصح المرجعية الدينية، التي دائماً ما تركز على القوانين الراعية لشؤون أبناء الوطن وحماية مصالحهم.
إن الهوية الوطنية الجامعة لكل الأديان والمذاهب والقوميات، هي التي يراد لها أن تحفظ العراق اولاً، وينصهر فيها الجميع، بصرف النظر عن التوجهات والولاءات الجانبية، لأن الوطنية لا تتعارض مع أفكار الآخرين ما دام الآخرين حافظين لها، مدافعين عنها، منطلقين من قول للإمام علي (عليه السلام): (عمرت البلدان بحب الأوطان)، ما يجسد أهمية حب الاوطان.
متجاوزاً بذلك المحاولات الرامية الى الضرر بالبلدان والاوطان بذريعة الولاءات الدينية والمذهبية، وهذا ما نجده في المبادئ التي تقوم عليها دول الجوار العراقي، وخير مثال الجارة الايران، التي تضم أكثر من عشرة هويات فرعية -مذهبية وقومية ودينية- لكنها تنصهر جميعها بالهوية الايرانية، وكذلك التنوع الديني والمذهبي والفكري داخل تركيا، وتجد الجميع يؤمن بالهوية التركية الواحدة.
فالعراق بلد كل الاديان، ومنطلق المذاهب الإسلامية كافة، وطن التعايش الإنساني في ظل ظروف المحن، التي عانى منها الجميع في مواجهة الحملات الارهابية، فلا يمكن إن يستسلم لمنطق القوة، والفكر الواحد، إنما يحتاج إن يؤمن جميع ابنائه بمبدأ (الهوية الوطنية).
عمار العامري