في ظل المحاولات العالمية للحد من انتشار فيروس كورونا المسجد (كوفيد-19) نجد أن بعض الدول اتخذت العديد من التدابير الوقائية في مواجهته بإغلاق أماكن التجمعات والازدحام الرئيسية؛ وتمثل ذلك في إغلاق المدارس والجامعات وأماكن تجمع الطلاب في العديد من البلاد.
مما يعني بقاء آلاف بل ملايين الطلاب في منازلهم متأملين بقلق عودتهم لمقاعدهم الدراسية، واستكمال العام الدراسي 2019-2020 في انتظار الامتحانات النهائية.
ولا يخفى علينا قلق واستنفار أولياء الأمور؛ فبرغم مخاوفهم من العدوى وانتشار الفيروس يبقى هناك القلق المصحوب بالمسؤولية تجاه مستقبل أبناءهم على المستوى الدراسي.
كما يتضح أيضا قلق الحكومات على دوام العملية التعليمية فتم الإعلان من قبل مؤسسات التعليم في مختلف الدول أنها توفر منصات تعليم إلكترونية تتيح للطلاب استكمال دراستهم عبر الإنترنت، وذلك يعتبر فرصة ممتازة لاختبار هذه الميزة الجديدة واستثمارها في رفع الوعي باستغلال الأدوات المتاحة عبر منصات التعليم الإلكتروني المختلفة، وتعزيز مهارة البحث والوصول للمعرفة بسهولة، وباستغلال العديد من الخيارات.
في بعض الأحيان تدفعنا الظروف إلى استثمار الأدوات المتاحة وتعزيزها للوصول للأهداف المرجوة.
ليس فقط بسبب الظروف الأمنية التي يمر بها العالم في الوقت الحالي ولكن يمكن القول بأن هناك العديد من الظروف الأخرى قد تدفعنا إلى استخدام منصات التعلم عن بعد كأداة فعالة لسهولة الوصول إليها من أي مكان. فمثلا عند السفر لبلد أجنبي للعمل أو الدراسة بإمكاننا الاستعانة بمنصات التعليم الإلكتروني، للتسجيل في البرامج التعليمية المختلفة، وإجراء البحوث والدراسات العليا.
يمكن أيضا الالتحاق بالجامعات العالمية عبر التعلم عن بعد دون قطع المسافات الطويلة ومواجهة صعوبة استخراج الأوراق اللازمة للسفر لكثير منا، كما تساعدنا منصات التعليم الإلكترونية في توفير عناء التكاليف المادية المضنية التي تتطلبها الدراسة في الخارج. تساعدنا منصات التعلم عن بعد أن نختصر المسافات ونستفيد من تلك الثروة العلمية الإلكترونية المتوفرة بين أيدينا بكل سهولة ويسر.
انتشرت في الآونة الأخيرة فكرة التعليم المنزلي والتي تقتضي بأن يذهب الطلاب لمدرسة لفترات بسيطة لا تتعدى 30 ساعة أسبوعيا؛ ويتم استبدال المدرسة بأحد الأبوين أو كلاهما أو أحد الخبراء والمتفرغين من العائلة أو حتى المدرسين الخصوصيين، وقد آثرت العديد من العائلات إلحاق أبنائهم بمدارس تتبع نظام التعليم الموازي، المتمثل في نظام المدارس المنزلية الخاصة التي تجمع بين المحتوى المطبق محليا والمحتوى الذي تعده المدرسة؛ ويتم تسجيل الطلاب في مدارس حكومية رسمية معترف بها فقط من أجل الامتحانات النهائية.
وهناك الكثير من الأسباب التي دفعت العديد من الأسر الاتجاه لنظام التعليم المنزلي حول العالم حيث أن ذلك النظام يُمكن الطلاب من ممارسة الأنشطة الفعالة المرتبطة بالمواقف اليومية التي تعزز الخبرات الحياتية والتي تناسب تكوين الطلاب العقلي والجسماني وكما تركز أيضا على المهارات السلوكية.
وتتعدد المصادر التي يتلقى منها الطالب معلوماته وخبراته ما بين الإنترنت، والأندية، والمراكز العلمية والمختبرات والمكتبات، والمتاحف بأنواعها والمناطق التاريخية.
ولا تعتبر الاختبارات والدرجات هي فقط بحد ذاتها مقياس مهارة الطفل، إنما بالإضافة إلى مقياس المستوى المعرفي للطفل بشكل عام ومدى قدرته على حل مشكلاته والوعي بمواهبه ومميزاته.
قد ينتقد البعض هذا النظام لافتقاره لمبدأ التعايش والمشاركة لأنه في نظرهم لا يدعم اختلاط الطفل بمن هم في سنه في مجتمع المدرسة الواسع ، وقد لا يكسبه مهارات التواصل الاجتماعي المطلوبة ولكنه أيضا يبعد الطلاب عن النظام التقليدي الجامد الذي تتبعه معظم المدارس والذي يركز على الحشو والتلقين دون إشراك الطالب في العملية التعليمية، كما يركز فقط على التحصيل الدراسي ونظام العلامات والامتحانات وبذلك يفقد الطالب المناخ الذي يتعلم فيه المهارات الحياتية التي تفيده على مستوى بناء شخصيته بشكل سوي يستطيع من خلاله النجاح في حياته والمساهمة في بناء مجتمعه.
باعتبار تلك العوامل وتأثرا بتلك الخبرات يمكننا تطبيق نموذج بسيط على قياسها في هذه الأيام التي فرضت على أبنائنا التحلي بالمسؤولية والاعتماد على أنفسهم مع بعض المساعدة من باقي الأسرة:
– للبدء في ذلك أولا علينا وضع خطة يومية محددة بجدول زمني لضبط أوقات التعلم ومساعدة الطلاب على الالتزام.
– تصميم الأنشطة التعليمية حسب الفئات العمرية التي تتناسب مع الاحتياجات النفسية والعقلية ولتكن من خلال مراجعة ما تم دراسته في العام الدراسي مع إيجاد بعض التطبيقات الحية وممارستها في الحياة اليومية.
– استخدام استراتيجيات التعلم النشط لتسهيل تصميم الأنشطة وتوزيعها على المواد مثلا تطبيق أدوات العصف الذهني وحل المشكلات في حالة كان عدد الأطفال صغيرا وفي حالة كان الأطفال مجموعة فيمكن إضافة أدوات العمل الجماعي والتعلم الذاتي؛ كما يمكن الاستعانة ببرامج التفكير الإبداعي كبرنامج الذكاء المتعددة لحل المشكلات والذي يساعد كثيرا في تصميم الأنشطة التفاعلية اليومية.
– تخصيص وقت هادئ للمشاركة والتفاعل مع الأطفال في تطبيق الأنشطة من قبل الآباء دون استخدام الأجهزة اللوحة والهاتف النقال وإحداث جو من التوتر داخل المنزل.
– التواصل مع المدرسة والمدرسين وتخصيص وقت للتحدث معهم ومشاورتهم والمتابعة والتقييم من خلالهم.
– مساعدة الطلاب على الاسترخاء وعدم التسبب لهم في الشعور بالذعر والخوف مما يحدث حولهم؛ والتركيز على التفكير الإيجابي وإمدادهم بالخبرات اللازمة لتعلم مهارات حل المشكلات وإدارة الأزمات.
حري بنا أن نتأمل ما يحدث حولنا وننظر له بعين المحلل الفاحص؛ والمُبتلى المتعظ، وأن ننتبه إلى ما نفكر به وما نعد أنفسنا إليه. علينا أن نذكر أنفسنا وأبناءنا أن العلم يمثل عاملا مهما جدا للخروج من الأزمات فالعالم كله يقف على قدم وساق لاكتشاف علاج يمكنه إنقاذنا من ذلك الفيروس الذي بات يهدد مستقبل البشرية. وعلى الوجه الأخر نرى تفشي الأمراض الأخلاقية التي تسيطر على بعض الناس في تلك الظروف الصعبة كالاستغلال والأنانية، والكذب ونشر الشائعات من الذين يعتقدون أن خلاصهم يكمن في التفكير في أنفسهم فقط. من وجهة نظري أن ما يمر به العالم من حولنا يعرض دروس قيمة من دروس الإنسانية التي ينبغي أن ننتبه لها نحن وأبناءنا وندفعهم من خلالها للتحلي بالمبادئ الأخلاقية الحميدة والتسلح بدين الله الذي يؤصل للقيم الإنسانية في كل وقت وفي أي زمان. لأنه قد يصعب تمييز معادن الناس في وقت الخير والرخاء، ولكن يمكن ذلك بسهولة وقت الشدة " فكل إناء بما فيه ينضح" وقت الشدائد وتظهر المعادن الحقيقة للناس.
أن تربي ابنك على الفضائل وحسن الخلق ربما يلزمك عمرا كاملا ومجهودا وتعبا! ولكنك في نهاية الأمر ستفخر بأنك جعلت له العديد من الخيارات في الحياة كي يعيش بطريقة صحيحة. أما أن تضع ذلك جانبا وتركز على ما تضيع قيمته وتتركه لعراء الرذائل فأنت تصنع منه شخصا بائسا لا يملك خيارا إلا أن يفسد في الأرض، ويرتدي قناع الفضيلة فقط إذا لزم الأمر؛ وعندها لن يكون ظالما لنفسه فحسب وإنما ظالما لمن حوله ممن اضطروا إلى تصديق وجهه المستعار الفضيلة ليست أسلوب حياة بقدر ما هي فطرة لا يستطيع الإنسان التملص منها؛ دوما ينجذب الإنسان للفضيلة حتى لو كانت زيفا.
– لكي تصل إلى أهدافك مهما كان ما تطمح إليه فأنت تحتاج إلى هواء في رئتيك وبضع مبادئ وقيم تجعلك في هرم المنافسة، الخبرة تأتيك في ميدان العمل بالممارسة والعلم يأتيك من الكتب والمدارس التي ستلتحق بها.
– الفرق بينك وبين غيرك يظهر في أخلاقك وقت الشدة ووقت الخير على حد سواء؛ نجاحك في التعامل مع الآخرين لا يكون إلا من خلال شخصية سوية يحبها الناس ويحترمونها ويضعون ثقتهم فيها ويبقى أثرها بعد مفارقتك الحياة.
– كي تأخذ لا مفر من أن تعطي! فافعل ما شئت وتأكد أنك كما تدين تدان. فاجعل عطائك للخير طوعا.
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.