(وكالة العرب...عبد المجيد رشيدي)عتبر الفنان التشكيلي خليل بوبكري، واحد من أهم المبدعين المغاربة، بأسلوبه الخاص وتميزه في التحكم بأدواته ورؤيته الفنية، فنان يتناغم مع الفرشاة والألوان فتأتي لوحته متناغمة لإحساسه كما يريد بشكل فني يضم الصمت والهدوء والنقاء الروحي وبلمسات فنية توحي معاني راقية ومضامين جلية التكوين، انطباعاته تضعنا أمام مجموعة من الرؤى تدعونا إلى أن نفترض عالما تأويليا لها دون الابتعاد عن شكلها الخارجي، بل تفكيكها واكتشاف عمقها الفني ثم إعادة دمجها بمنظور دلالي يتضح من خلاله الأفق التصوري والخيال الواسع، فالأشكال لا تنغلق على نفسها بل تبحر مع الألوان في علاقات قد تكون مبهمة أوجلية تولد مع فضاء اللوحة وضربات الفرشاة التي تعطي كل ما هو جميل وفق إحساس وفكر راقي، رسوماته تعطي معاني للمضمون والشكل وفق سياق الرؤية اللونية الفنية، بصيغتها وقيمتها فالفنان خليل بوبكري، يخلق صورة من الذكريات، يساعد على استرجاع الماضي البعيد ويمنحه لكل قريب، كما إنه يمتاز بترك بصمته وأسلوبه الخاص، فهو يرسم من خلال إقحام مجموعة من المواضيع التي تخص الإنسان في لوحاته .
ظهرت موهبة الفنان خليل بوبكري في الرسم منذ نعومة أظافره عن طريق الفطرة، حيث كان يهوى الرسم وكل ما له علاقة بالأعمال اليدوية والألوان، ورغم سفره وإتمام الدراسة في الخارج، فقد استمر في الرسم، وتطورت موهبته أكثر وأصبحث لوحاته تغري كل من يشاهدها، واتبع الفنان خليل عنوانا رمزيا في أعماله، هو "الإنسان" حيث وظفه برسوماته ويترك للمتتبع أن يفك ألغاز محتوى اللوحة، فهو يختصر لوحاته بحب الطبيعة وبمكوناتها المختلفة، وفق رؤى تميز صفاته، وتقارع بها مزايا الإنسان وعواطفه.
أعمال الفنان خليل بوبكري، في حد ذاتها تشكل مؤسسة ذات طوابق عالية وشاهقة، يصعب في الحقيقة ولوجها بسهولة، هي تجربة بعيدة أن تدرك كاملة في وقت وجيز، وتـصب في هذه الورقة المتواضعة والتي هي بمثابة تلويحة من التلويحات لهذا العلم الفني الرزين الذي يُحضر الجمال والفرجة البصرية في لوحاته، كما تحضر الرصانة النظرية والعمق المعرفي التي يسعى من خلالها الفنان إلى خلق الوعي النظري والمعرفي بالنسبة للمهتمين بالتشكيل والممارسين له والرقي بهم إلى حيث انعطفت الحياة الفنية نحو نظريات العلم التي ترقى بالتشكيل إلى أسمى قمم الجمال والإبداع.
ذكريات وهواجس وأمان وتأمُّلات يحاول الفنان التشكيلي خليل بوبكري، أن يجسدها في لوحات تؤرخ تلك المشاعر التي لا يريد لها أن تدهسها عجلةُ الأيام، يريدها أن تبقى راسخة رسوخ الجبال التي تحكي هي الأخرى حكاية أجيال تعاقبت عليها بحلوها ومرها، يريد أن يوقف الزمن في مكان ما ألفه وأحبه منذ صغره، بريشته التي تطاوع تلك المشاعر المتَّقدة بكثير من الإحساس والعواطف، هي لوحات تؤثِّث ذاكرته بمفردات الطبيعة ومكوناتها والتي علقت في ذهنه وأحبَّها أن تبقى كما هي، راسمة دقات قلبه للابداع والجمال، فالبعد الإنساني حاضر بكل قوة في لوحاته، ذلك أنه يعتبر الطبيعة ذلك الحضن الذي ضم الإنسان بما حمل، على غرار ذلك الفلاح الذي ترتسم في وجهه معالم التقدم في السن، ليرسم خليل هو الآخر ذلك المشهد الذي يختزل مرور الأيام والليالي في لوحة تؤرشف لمسيرة الكثير من معاني الزمن الذي يجر معه كل من يعايشه، بل يريد أن يستنطق اللوحة لتفرز الكثير من التعابير القوية التي تدل على مكانة الإنسان وقيمته في الحياة.
يقول خليل بوبكري "أجد متعة لا توصف، حينما أرسم فكرة تجول في خاطري وأجسدها على لوحة تجلب الانتباه لكل من يشاهدها، فأعمالي وسيلة إيجابية ورسالة فنية تعبر عن دواخل الانسان".
ويضيف "أستخدم بجرأة الألوان المتنافرة مع بعضها بعضا لأكون لوحة أرسم فيها كل ما يخطر في البال من أفكار أريدها أن تصل للمتلقي بتناسق ورشاقة".
ويردف قائلا : اللوحة بالنسبة لي هي جزء مني، وكل لحظة أقضيها أمامها هي لحظة حب لا مثيل له، وعندما تصل مرحلة الاكتمال تصبح غير قابلة للزيادة أو النقصان، وهنا يصبح العمل كامل الملامح مستقلا بذاته وبصفاته ومميزاته، كما أنني لا أحب الارتباط في لوحاتي بلون معين وإن كنت أعتقد أن الطبيعة التي نشأت فيها تلعب دورا في طريقة خلطي واختياري للألوان، ولكن تبقى الألوان حاجة مستقلة، بحسب موضوعها والفكرة التي أريد أن أوصلها إلى المتلقي.
الفنان خليل بوبكري، شق طريقه بثبات في عالم الأعمال الفنية، فطبع بصماته الإبداعية المميزة والفريدة من نوعها، واجتاز كل الصعوبات حتى وصل إلى ما يسعى إليه، يشيد بحبه الكبير لفنه الجميل، فهو لطالما سعى جاهدا للحفاظ على استمراريته، يبقى أسلوبه متميزا ومنفردا بشهادة كل من عاين أعماله، أسلوب تشهد به أعماله كتجربة لونية فريدة وعميقة، وعلى قيم جمالية تخترق العالم الفني، محولا إياها لعمل إبداعي له قراءات متعددة لما تحمله من إضاءات لأشكال وخطوط لونية ورسائل إنسانية وتوعوية تشد المتلقي وتبعث الأمل فيه.