مع كل موسم خريف تتجدد المعاناة في العاصمة نواكشوط (عاصمة العرب في العام 2016)، ومع كل موسم خريف تلتقي جبال القمامة وأنهار المستنقعات في هذه العاصمة على أمر قد قُدِرْ، ومع كل موسم خريف نتذكر من جديد بأن عاصمتنا ربما تكون هي العاصمة الوحيدة في هذا العالم التي لا تتوفر على صرف صحي.
فإلى متى ستظل عاصمتنا (عاصمة العرب في العام 2016) بلا صرف صحي؟
لقد فكرتُ كثيرا في هذا الأمر، وبعد طول تفكير وجدتُ بأن هناك أربعة خيارات علينا أن نختار واحدا منها للتعامل مع مشكلة غياب الصرف الصحي في العاصمة نواكشوط، وهذه الخيارات الأربع هي:
1 ـ الخيار "التصالحي"
هذا الخيار هو الخيار الأسهل، وهو الأكثر انسجاما معنا كشعب معروف بخنوعه، وكحكومة معروفة بعجزها، ويقتضي هذا الخيار أن نرضى بالعيش في عاصمة بلا صرف صحي، وأن نعتبر بأن غياب الصرف الصحي لا يطرح أي مشكلة، وأن كل ما علينا فعله هو أن نبتدع أساليب ووسائل تمكننا من العيش بسعادة، أو على الأقل بدون مشاكل، في عاصمة بلا صرف صحي.
وفي حالة العمل بهذا الخيار، فإني أقترح:
ـ تأسيس معهد للتكوين السريع من أجل تدريب أكبر عدد ممكن من سكان العاصمة على السباحة وعلى عبور البرك والمستنقعات.
ـ الإشهار بإفلاس الشركة العامة للنقل البري، والتي هي مفلسة في الواقع، وتأسيس شركة جديدة على أنقاضها تدعى الشركة العامة للنقل البحري، على أن تتكفل هذه الشركة بتوفير النقل البحري للمواطنين بين مقاطعات العاصمة.
ـ إنشاء وزارة خاصة بالسياحة والصيد والسباحة في المياه العكرة، وأن يكون من مهام هذه الوزارة بالإضافة إلى مهمتها الأساسية المتمثلة في تدريب المواطنين على السباحة والصيد في المياه العكرة، أن يكون من مهامها أيضا الترويج لعاصمتنا الفريدة من نوعها، حتى تصبح قبلة للسياح، وخاصة لأولئك الذين يريدون أن يتأكدوا بأنه ما تزال توجد في عالم اليوم عاصمة بلا صرف صحي.
ـ تحويل مقر وزارة المياه والصرف الصحي إلى إحدى البرك والمستنقعات بمقاطعة السبخة، وتحويل سكن الوزير إلى حي "سوكوجيم"، مع إجبار الوزير على قطع المسافة بين سكنه ومكتبه، ذهابا وإيابا، دون استخدام أي وسيلة من وسائل النقل البحري.
2 ـ الخيار "التطوعي"
أن نسلم كمواطنين بعجز السلطة عن إنشاء شبكة للصرف الصحي في العاصمة نواكشوط، وأن نتحمل من بعد ذلك مسؤولية إنشاء شبكة للصرف الصحي في عاصمتنا، ولتحقيق ذلك فإنه على كل واحد منا أن يتبرع بمبلغ من المال قدره 10 آلاف أوقية، وأن نجمع الأموال المتحصلة من عملية التبرع هذه، وأن نسلمها لشركة صينية مقابل إنشاء صرف صحي بالعاصمة، على أن يتم إبرام هذه الصفقة بعيدا عن أعين وأيادي الحكومة. إننا ندفع ضرائب كثيرة دون أن نحصل في مقابلها على أي خدمات، فَلِمَ لا ندفع مقابل إنشاء شبكة للصرف الصحي في العاصمة؟
في اعتقادي بأن سكان العاصمة لن يبخلوا بالتبرع مقابل توفير صرف صحي في مدينتهم، وذلك لأنهم يتكبدون مع كل موسم خريف خسائر اقتصادية كبيرة، بالإضافة إلى الأمراض والمشاكل الصحية، هذا فضلا عن المنظر المقزز الذي يتسبب فيه غياب صرف صحي.
في حالة اعتماد هذا الخيار، فإن كاتب هذه السطور على استعداد ـ وهو العاطل عن العمل ـ لأن يتبرع بعشرة آلاف أوقية من أجل إنشاء شبكة للصرف صحي بالعاصمة نواكشوط.
3 ـ الخيار "التسولي"
أن نشعر الحكومات والشعوب العربية بأن عاصمتهم في العام 2016 بلا شبكة لصرف الصحي، وبأن ذلك قد يجلب لهم العار، وبأنه لا يليق بهم أن يقبلوا بأن تبقى عاصمتهم في العام 2016 بلا صرف الصحي. ومن بعد عملية الإشعار هذه فلا بأس أن نطلب منهم بأن يتصدقوا علينا بما يكفي لإنشاء شبكة للصرف الصحي بعاصمتنا، والتي هي عاصمتهم في العام 2016.
4 ـ الخيار "الاحتجاجي"
يتطلب منا هذا الخيار ـ وهو الخيار الأصوب ـ أن نحمل السلطة الحاكمة مسؤولية غياب صرف صحي بالعاصمة، وأن نحتج وأن نندد بذلك، وأن لا نتوقف عن الاحتجاج حتى تبدأ السلطة في العمل الجدي من أجل إنشاء شبكة للصرف الصحي في العاصمة.
إن السلطة الحاكمة تتحمل اليوم المسؤولية الكاملة عن غياب صرف صحي بالعاصمة، وذلك لأنها حكمت منذ ما يقترب من عقد الزمن، ولم يعد بإمكانها في العام 2016 أن تنشدنا أغنية التراكمات. وتتحمل المسؤولية أيضا لأنها ألغت اتفاقية كان سيتم بموجبها إكمال مشروع الصرف الصحي في مقاطعات : السبخة؛ الميناء؛ تفرق زينة؛ لكصر في منتصف العام 2013، ولكن الرئيس ألغى تلك الصفقة بحجة أن الكلفة كانت كبيرة، وكأن الخسائر التي تكبدها سكان العاصمة في الأعوام 2013، 2015،2014، 2016 بسبب إلغاء تلك الصفقة لم تكن بالخسائر الكبيرة.
لو كانت بلادنا تعاني من شح في الموارد لتقبلنا ـ عن غير طيب خاطر ـ إلغاء تلك الصفقة، ولكن بلادنا ـ وهذا ما يؤكده الرئيس في كل مناسبة ـ تمتلك فائضا وصل إلى 19 مليار أوقية في خطاب النعمة، فلماذا لا ننفق هذا الفائض لتوفير خدمة أساسية أصبحت متوفرة في كل عواصم دول العالم؟
إن غياب صرف صحي في العاصمة نواكشوط (عاصمة العرب في العام 2016) لا يعني فقط ظهور هذه العاصمة في موسم الخريف بمظهر مقزز، بل يعني أيضا خسائر اقتصادية كبيرة، ويعني كذلك تفشي الأمراض وانتشار الأوبئة، خاصة في ظل هذا الفشل الذريع في تنظيف العاصمة.
إن الخيار الاحتجاجي يستوجب منا أن نضغط على الحكومة ـ وبكل الوسائل السلمية المتاحة ـ من أجل إجبارها على الاهتمام الفعلي والجاد بتنظيف العاصمة وبتوفير شبكة للصرف الصحي بها.
لو كنا في هذه البلاد نمتلك ثقافة احتجاجية لتطوع ـ على الأقل ـ العشرات أو المئات من سكان العاصمة بملئ مئات السطل من مياه المستنقعات، ولذهبوا بها إلى وزارة الصرف الصحي ولأفرغوها أمام مكتب مدير الصرف الصحي، ومكتب الوزير كتعبير حضاري عن استيائهم من العيش في العام 2016 في عاصمة بلا صرف صحي.
هذا ما كان يجب أن يحدث، ولكن هذه العاصمة التي يقطن بها مئات الآلاف لا تستطيع أن توفر مائة محتج للتنديد بغياب صرف صحي.
أذكر أنه في خريف العام 2013 الذي شهد تساقطات مطرية معتبرة بالعاصمة نواكشوط، والذي أعلن فيه الرئيس عن إلغاء صفقة الصرف الصحي، أذكر أنه في ذلك العام تم تنظيم وقفة احتجاجية للمطالبة بالصرف الصحي، ولم يشارك في تلك الوقفة إلا أربعة أشخاص، وكانت تلك الوقفة هي الوقفة الاحتجاجية الوحيدة التي تم تنظيمها في ذلك الموسم وفي المواسم التي جاءت من بعده للمطالبة بإنشاء صرف صحي في العاصمة.
وتبقى كلمة: إننا لا نستحق العيش في غير هذه العاصمة التي لا يوجد بها صرف صحي، والتي تنشر فيها القمامة.
حفظ الله موريتانيا..
محمد الأمين ولد الفاضل
[email protected]