أظهرت دراسة بحثية مدى ضعف وهشاشة رؤية ولي العهد محمد بن سلمان 2030 في القضاء على البطالة داخل المملكة النفطية.
وكشفت الدراسة بالأرقام والاحصائيات ارتفاع معدل البطالة في المملكة بشكل كبير (خلال السنوات الماضية)، وذلك بدلا من القضاء عليها أو الحد منها.
وتفترض “رؤية السّعودية 2030” التّصدي بحزم شديد لأزمة البطالة وتعتبرها من أولويّاتها نظراً لتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والسّياسية والأمنية الخطيرة.
وبحسب الدراسة البحثية- التي أعدها الباحث صباح نعوش للبيت الخليجي للدراسات والنشر – لا يوجد برنامج واحد خاص بالبطالة من بين برامج الرؤية العديدة.
كما أنها لا تتطرق إلى أزمة البطالة إلا بسطور محدودة جدا.
وأفادت بأن مليون سعودي يبحث عن عمل من مجموع ثمانية ملايين سعودي خارج سوق العمل، أي نصف عدد القادرين على العمل.
كما يعاني أصحاب الشّهادات الجامعية وبخاصّة الشباب من البطالة وتزداد المعاناة أكثر لدى النّساء.
ونوهت الدراسة إلى أن بياناتها وتحليلاتها تقتصر على السعوديين فقط دون العمال الأجانب فلا يعانون من هذه الأزمة رغم أن عددهم يفوق بكثير عدد العمال السعوديين:
مقارنة علمية
المؤشرة الأول: قارت الدراسة بين (الربع الثاني من عام 2016 والربع الرابع من عام 2020)، لافتة إلى أن الفترة الأولى تنظر سوق العمل قبيل تطبيق الرّؤية، أمّا الفترة الثانية فتمثّل آخر حقبة زمنيّة على الصّعيد الإحصائي.
وتبلغ الفترة الزمنية الفاصلة بينهما أربع سنوات ونصف، وهي كافية لتقدير أية خطة من النّاحيتين الإيجابيّة والسّلبية.
المؤشّر الثاني: الاعتماد على الأرقام الرسمية فقط. وهي الجداول الصّادرة عن الهيئة العامّة للإحصاء، والاستنتاجات مبنيّة على هذه الأرقام.
المؤشّر الثّالث: أهداف رؤية السعودية 2030 المتعلقة بالبطالة.
وتنقسم إلى قسمين: أولهما عام وهو تخفيض معدل البطالة من 11.6% إلى 7%. وثانيهما يخصّ المرأة وهو رفع مشاركتها في سوق العمل من 22% إلى 30%.
وتلاحظ الدراسة أنّ وثيقة الرّؤية التّي تحتوي على 33 صفحة لا تتطرّق إلى البطالة إلا بسطرين يمثّلان الهدفين المذكورين أعلاه.
وهنالك وثيقة أخرى بتاريخ 25 أبريل 2021 تحت عنوان “إنجازات رؤية المملكة 2030 (2016-2020)” تتضمن 176 صفحة، أيضا لا تتناول البطالة إلا بسطر واحد خاص بمشاركة المرأة.
بحسب هذه الوثيقة انتقلت هذه المشاركة من 19.4% قبل الرّؤية إلى 33.2% في عام 2020. ولا توجد فيها أيّة إشارة إلى المعدّل العام للبطالة والمشاكل الأخرى.
تتّسم البطالة في السّعودية بخمس سمات أساسيّة: ارتفاع المعدل العام، إنخفاض مشاركة المرأة، أزمة الشّباب العاطل عن العمل، تدهور تشغيل أصحاب الشهادات الجامعية، برنامج المساعدات غير الملائم،
معدلات مرتفعة
يعدّ معدل البطالة، المؤشّر الأكثر استخداماً في العالم من قبل المختصّين ووسائل الإعلام، فهو يبيّن العلاقة بالنسبة المئوية بين العاطلين وقوة العمل (قوة العمل تساوي عدد العاملين وعدد العاطلين): (عدد العاطلين ÷ قوة العمل) × 100.
في الرّبع الثّاني من عام 2016 كان المعدل العام للبطالة 11.6%، ثم انتقل في الرّبع الرّابع من عام 2020 إلى 12.6%.
بمعنى أنّ هدف الرؤية لم يتحقّق بالتقليص التّدريجي للمعدّل حتى يصل إلى 7% بحلول عام 2030، بل بدلاً من أن ينخفض، ارتفع نقطة واحدة.
صحيح أنّ جائحة كورونا لعبت دوراً في ارتفاع البطالة في جميع بلدان العالم، لكن السّعودية سجّلت معدّلات عالية متشابهة حتى في السّنوات السّابقة على هذا الوباء.
وارتفاع المعدّل العام يعني تردّي مستوى معيشة المواطنين، فعلى الرغم من بعض البرامج (حافز مثلاً) لا تزال البطالة في السعودية أحد أبرز عوامل الفقر.
فالعاطل عن العمل لا يستطيع الانتظار عدة أشهر، لذلك يقبل بأيّ وظيفة حتى وإن لم تتّفق مع مؤهّلاته تجنباً للوقوع في الفقر.
وتجدر الإشارة إلى أنّ المعدل العام للبطالة في السّعودية أعلى بكثير من المعدلات في الإمارات والبحرين وقطر. لكنه أقل بكثير من معدلات البطالة في عُمان والعراق وإيران.
وللتوضيح فالمعدل العام لا يكفي وحده للتّعرف على حجم المشكلة، بل لا بد من مؤشر آخر يبين العلاقة بين عدد العاملين وقوّة العمل.
وهو معدل التّشغيل: [(عدد العاملين ÷ قوة العمل) × 100]. ويشير إلى مقدرة الاقتصاد على استخدام الطّاقات البشرية في عملية إنتاج السّلع والخدمات.
هبط هذا المؤشر نقطة واحدة، أي أنّ الاقتصاد السّعودي لا يقوى على تشغيل عدد أكبر من اليد العاملة، ويعني أيضاً أن البرامج المتّبعة لم تقد إلى تحسين سوق العمل.
أما معدل المشاركة، ويسمى أيضاً معدل النّشاط، فهو العلاقة بالنسبة المئوية بين قوّة العمل والسّكان. [(قوة العمل ÷ عدد السكان) × 100].
وتتضح إذن الحالة المتردّية لسوق العمل في السعودية، فعلى الرّغم من التّحسن الطّفيف خلال فترة الجدول، نلاحظ أنّ نصف عدد السّكان الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و64 سنة لا يزالون خارج حسابات سوق العمل.
فرؤية السعودية لا تهتم بهذا المعدل المنخفض ولا تقترح حلولاً لمعالجته عن طريق إيجاد فرص عمل خاصة لربّات البيوت، والأرقام تشير إلى وجود 3.6 مليون سعوديّة خارج سوق العمل.
دور محدود للمرأة
وبحسب الدراسة البحثية، ارتفعت مشاركة المرأة في سوق العمل بصورة كبيرة خلال السّنوات الأخيرة.
انتقلت من 17.7% في الرّبع الأوّل من عام 2016، وإلى 33.2% في الرّبع الرّابع من عام 2020، وبذلك يمكن للرؤية أن تعتبر هذا الارتفاع إنجازاً لها.
لكنّ هذا التّحسن لا يعني إطلاقا أهمّية دور المرأة في سوق العمل، اذ لا يزال هذا الدّور ضعيفا قبل الرؤية وبعدها، ففي الرّبع الرّابع من عام 2020 بلغت بطالة الإناث 24.4%. أي ضعف المعدّل العام.
من زاوية أخرى، تتّسم وظيفة المرأة السّعودية بتدني أجورها، خاصّة في القطاع الخاص، فعندما يكون معدل مرتّب الرجل 8865 ريالاً في الشهر، يهبط معدّل مرتّب المرأة إلى 5174 ريالاً.
وهذه المشكلة معروفة في عدة بلدان بما فيها الصّناعية، لكنّ الفرق في السّعودية شاسع حيث تحصل المرأة على اقل من ثلثيّ راتب الرّجل.
ومشكلة البطالة لا تخص المرأة فحسب بل تشمل أيضاً الشّباب ذكوراً وإناثا.
أزمة تشغيل الشباب
تعاني السّعودية من بطالة الشّباب (الشّاب هو الذّي يتراوح عمره بين 15سنة و24 سنة حسب تعريف منظمة العمل الدولية)
ففي الرّبع الرّابع من عام 2020، بلغت نسبة الشّباب العاطلين عن العمل 30.8% من مجموع العاطلين.
وترتفع النّسبة إلى 52.3% للأفراد الذّين تتراوح أعمارهم بين 15 سنة و34 سنة، في حين بلغت نسبة العاطلين الذّين تتراوح أعمارهم بين 45 سنة و54 سنة 2.7% من مجموع العاطلين.
وتثير بطالة الشّباب عدّة مشاكل لا تقتصر على النواحي الاقتصادية والاجتماعية، بل تشمل أيضاً الجوانب الأمنيّة بما فيها الجرائم.
في عدة بلدان كالسّعودية، تشير الدّراسات إلى تصاعد حالات الاعتداءات والسّرقات بزيادة بطالة الشّباب. كما تسهم هذه البطالة في تذمر المواطنين من السّياسات الحكوميّة المتّبعة في شتّى الميادين.
انخفضت بطالة الشّباب حالياً مقارنة بالفترة السابقة، لكنها لا تزال مرتفعة وفق جميع المقاييس، وتزداد خطورتها عندما ترتبط بأصحاب الشّهادات.
بطالة الجامعي
لم تستطع الدّولة تقليصها رغم الجهود المبذولة، ويعود هذا الوضع إلى عدّة عوامل في مقدمتها عدم مواكبة التّعليم لمتطلّبات السّوق.
ففي الرّبع الثّاني من عام 2016 كانت نسبة العاطلين الجامعيين الحاصلين على البكلوريوس تعادل 52.7% من مجموع العاطلين، وفي الرّبع الرّابع من عام 2020 بلغت النّسبة 52.5%.
بالنتيجة، خلال أكثر من أربع سنوات، لم تستطع الرّؤية التّأثير على النّسبة العالية لهذه البطالة. بل ارتفع عدد العاطلين عن العمل بشكل كبير.
تزداد بطالة الأشخاص الحاصلين على شهادات في الدراسات الإنسانيّة التّي لا تستحوذ على اهتمام شركات القطاع الخاص.
لكنّ المشكلة امتدت إلى أصحاب الشّهادات العلميّة (الفيزياء والأحياء والرياضيات والهندسة والتكنولوجيا)، ويكاد الفرق يزول بين هاتين المجموعتين أمام البطالة.
في السعودية على عكس غالبية البلدان، التّعليم الجامعي لا يقي الفرد من البطالة.
وتزداد الخطورة لأن غالبية العاطلين من أصحاب الشهادات، هم شباب لم يسبق لهم العمل، ورغم هذه الخطورة لم تتطرق الرّؤية إليها ولا تهتم مباشرة بمعالجتها.
مساعدات محدودة
يقرر برنامج “حافز” إعانات شهريّة تمنح للعاطل عن العمل سواء في القطاع العام أم في القطاع الخاص.
وجرت تعديلات على هذا البرنامج في الآونة الأخيرة. ما يعدّ مبادرة إيجابية تسهم في مواجهة تكاليف المعيشة.
لابد هنا من الإشارة إلى مبلغ المساعدة وشروطها.
تمنح الإعانة لمدة 15 شهراً (سنة واحدة سابقاً) بمبلغ يتناقص كل أربعة أشهر. يصل مجموع المساعدات خلال هذه المدة إلى 20250 ريالا، أي بمعدل شهري قدره 1350 ريالا.
نلاحظ اختلاف هذا البرنامج عن أنظمة الضّمان الاجتماعي المطبقة في البلدان الصّناعية، علماً بأنّ السّعودية عضو في مجموعة العشرين.
فمعدل المرتب الشّهري للسعودي العامل يصل إلى 10540 ريالا، أي لا تشكّل المساعدة سوى 17% من هذا المعدّل.
وتشترط المساعدة في المستفيد الجنسية السعودية، في حين تستوجب مبادئ العدالة والإنصاف شمول جميع العاطلين بالمساعدة وبغض النّظر عن جنسيتهم.
في أغلب الأحيان يتعين على الأجنبي العاطل عن العمل مغادرة البلد، عندئذ لا يحق لغير المقيم الحصول على المساعدة حتّى وإن كان سعوديا.
ويجب أن يتراوح عمر المستفيد بين 20 سنة و35 سنة، وهذا أمر مجحف، فهو يلغي حقّ ربع عدد العاطلين السّعوديين عن العمل في الحصول على مساعدة.
كما نلاحظ ضوابط أخرى غير منطقية ترتبط بفترة تقديم طلب المساعدة، إذ لا يمكن تقديم الطّلب حال وقوع البطالة
بل يتعيّن على العاطل الانتظار ثلاثة أشهر اعتباراً من تاريخ انتهاء علاقته الوظيفية، وتصل المدة إلى ستّة أشهر بعد حصول الشّخص على شهادة جامعيّة.
يذكر أن رؤية السّعودية 2030 خطّة شاملة مستقبليّة على درجة كبيرة من الأهميّة. تتناول برامج ليست فقط ماليّة وتجاريّة واستثماريّة.
بل كذلك ثقافيّة واجتماعيّة وعسكريّة، وتهدف إلى تحسين الأداء الاقتصادي وزيادة النمو والتّحول من الرّيعية النّفطية إلى التّعدديّة الإنتاجيّة.
وختمت الدراسة البحثية: لذلك يفترض أن تقود إلى معالجة المشاكل الأساسيّة والخطيرة التّي يعاني منها المواطنون لاسيّما البطالة.
لكن على الصّعيد العملي، وحسب الإحصاءات الرّسمية لا تزال البطالة قائمة.
الأمر الذي يستوجب إجراء تعديلات على هذه الرؤية بوضع برنامج خاص يهتم بمعدّلات سوق العمل: معدل البطالة ومعدل التشغيل ومعدل المشاركة. ويسعى إلى تشغيل الشّباب خاصّة أصحاب الشّهادات الجامعيّة.