دور الأمن الاجتماعي في الإسلام الجزء 5

اثنين, 12/27/2021 - 10:35

ليس هناك ما يفتح النار على الأمن الاجتماعي مثل العنف واستخدام القوة في حسم الأمور بدلاً من العودة إلى القانون. وقد انتشر العنف في المجتمعات بسبب انحسار حالة التسامح والتعاطف والتوادد.

 

أصبح العنف اليوم ظاهرة خطيرة تهدد المجتمعات بالانهيار والإنزلاق إلى حروب وصراعات داخلية، وأمامنا مجتمعات كان الأخ فيها يقتل أخيه بسبب الصراعات العقيدية التي رافقتها ظاهرة العنف، الأمر الذي يستدعي منا وقفة لتأمل هذه الظاهرة لمعرفة أسبابها ونتائجها.

 

لاشك ان ظاهرة العنف أكثر ما تتفشى في المجتمعات التي ينتشر فيها الجهل والتطرف والذي يؤدي إلى سلب الأحقية عن الآخرين وهذا هو منشأ التطرف؛ عندما يعتقد أحدنا أنه على حق والآخرين على باطل بدون حجة منطقية ولا دليل عقلي فيحاول أن يثبت أحقيته من خلال القوة.

 فالقوة هي الوسيلة البديلة عن الحوار والإقناع ودحض الدليل بالدليل والحجة بالحجة، من هنا نشأ العنف في المجتمعات التي يسوده الجهل والتطرف وهذا ما نبذه الإسلام جملة وتفصيلا واستأصل هذه الظاهرة من جذورها فدعى إلى الحوار بدلا من التزمت على الرأي وطالب المسلم بأن يسلم للحق أينما وجده حتى لو كان عند أعدائه. 

وأن لا يتكبر على أصحاب الحق وليتواضع لهم، وبهذا المنهج الرصين تمكن الإسلام أنه يقلع جذور التطرف في المجتمع.

 

ففي الخصال آخر ما وصى به الخضر موسى بن عمران قال له: لاتعير أحدا بذنب، وإن أحب الأمور إلى الله عز وجل ثلاثة: القصد في الجدة والعفو في المقدرة والرفق بعباد الله. وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله عز وجل به يوم القيامة.

 

وبالغ الإسلام في نبذ العنف حتى في النظرة فقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (من نظر إلى مؤمن نظرة يخيفه بها أخافه الله تعالى يوم لا ظل إلا ظله.   

 

أما إذا تطاول عليه ونال منه بما يحزنه فسوف لا تنفعه كلما يقدمه رداً على ما فعله بحقه. قال الرسول الأكرم: (من أحزن مؤمناً ثم اعطاه الدنيا لم يكن ذلك كفارته ولم يؤجر عليه). 

 

والعنف ينتشر كانتشار النار في الحطب، فهو ينشأ من عمل صغير ثم يتوسع ويتعمق ويكبر، فكانه لابد من مواجهته في منشاه.

 

قال الصادق(عليه السلام): (من كف يده عن الناس فإنما يكف عنهم يداً واحدة ويكفون عنه أيادي كثيرة.   

 

فالعنف يبدأ بيد واحدة فتتكاثر إلى أيادي كثيرة وهذا ما نلاحظه اليوم في المجتمعات التي ينتشر فيها العنف حيث يبدأ صغيراً ويصبح كبيراً لايمكن مقاومته حين ذاك.

 

وهنا لابد من تتابع منشأ العنف وتطوره في داخل النفس الإنسانية من خلال حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (الا أنبأكم بشر الناس؟ قالوا بلى يا رسول الله. قال من أبغض الناس وأبغضه الناس، ثم قال: ألا انبأكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الذي لا يقيل عثراً، ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنباً، ثم قال: الا أنبأكم بشر من هذا؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: من لا يؤمن شره ولايُرجى خيره.   

 

يضع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بين أيدي الباحثين مراحل تطور العنف في داخل النفس الإنسانية. 

فالبداية تنشأ من البغضاء فانتشارُها بين الناس يوجبُ عدم التسامح في المجتمع وهو عنف خفيف عندما لايُقيل البعض عثرات البعض الآخر ولايقبل له معذرة ولا يغفر له ذنبا ثم يتطور من عنف خفيف إلى عنف شديد عندما يتحول البغض إلى منبع للشر فلا يؤمن شره ولا يُرجى خيره. وهو مرحلة يتكامل فيه هذا المرض ويتأصل في المجتمع ليتحول من مرض نفسي إلى مرض اجتماعي ومن مرض اجتماعي إلى ظاهرة سياسية عندما يستفحل ويتحول إلى حركة ومنظمة، هناك من يُنفذ ومن يؤيد ومن يعين على العنف ... يتبع

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف