وقد قام النظام الاسلامي على مبدأ الشورى حيث ورد في الكتاب العزيز ((وأمرهم شورى بينهم)) وأمرهم هنا يشمل كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية، وقد طبق المسلمون هذا المبدأ في العصور الاسلامية المختلفة محققين أعلى درجات المشاركة الشعبية في بناء السلطة والدولة والقرار السياسي.
ولم يكتف الإسلام بالدعوة إلى المشاركة في بناء السلطة والدولة بل جعل الناس شركاء في الثروة أيضاً، لايحق لأية سلطة مهما كانت قوتها منع المواطن من المشاركة الاقتصادية.
قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (المسلمون شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار.
وعندما تكون المشاركة السياسية قائمة على المشاركة الاقتصادية وتوزيع الثروة بصورة عادلة على أبناء الشعب تصبح هذه المشاركة عميقة الجذور، راسخة القواعد لا يمكن أن تلغيها أية قوة أو سلطة، لأن الشعب هنا هو المالك للثروة، وبما يمتلكه يستطيع أن يؤكد إرادته السياسية.
وهذا ضمان لاستقرار البلاد وضمان لتوفر الأمن واستتبابه وليست هناك أية قوة قادرة على خرق جداره السميك لأنه متجذر على أرض صلبة وعلى جسور متينة بين الدولة والشعب.
قوة الأنظمة تقاس بمقدار ما تستطيع أن توجد لدى رعاياها الشعور بالمسؤولية، فالنظام الذي يتصف أبناؤه بقدر كبير من الشعور بالمسؤولية والنظام القوي القادر على فرض هيمنته على الجميع.
الشعور بالمسؤولية هو الزخم الذي ينتج الطاقة الخلاقة والتي بواسطتها تتمكن من تحقيق الأهداف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فإحساس الإنسان بأنه مسؤول عن بني جنسه الذين يعيشون معه، وانه مسؤول عن الأرض التي يعيش عليها والمناخ الذي يتنفس منه، وانه مسؤول حتى عن الحيوان والجماد يجعله عنصراً إيجابياً للمجتمع يدرك المخاطر التي تهدد أبناء جنسه والأضرار التي تلحق بالأرض والبيئة والحيوان والنبات.
فالإحساس بالمسؤولية يولد لدى الإنسان شعوراً بأن كل شيء من حوله هو مسؤول عنه، هو مسؤول عن الأرض التي يعيش عليها والتي بدونها لايستطيع أن يحيا، كذلك الأمر بالنسبة إلى الهواء والماء والتراب والإنسان والحيوان والنبات وكل شيء.
وقد عمل الإسلام على إيجاد هذا الإحساس في الإنسان المسلم. قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
أما علي بن أبي طالب(عليه السلام) فقال مخاطباً المسلمين: (اتقوا الله في عباده وبلاده فإنكم مسؤولون حتى عن البقاع والبهائم).)
هكذا يتبين لنا ان دائرة المسؤولية عند الإمام علي(عليه السلام) تتوسع لتشمل حتى البهائم والبقاع وهي الأراضي المتروكة التي تنتظر الإعمار، وهذا الحديث يؤكد حجم المسؤولية التي تقع على عاتق الإنسان باعتباره خليفة الله على الأرض ((وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة)) فالإنسان وبما أنه خليفة الله على الأرض فهو يتحمل مسؤولية كبيرة إزاء ما في الأرض وما عليها وحتى الذي في أعماقها ولايُمكن إداء هذه المسؤولية إلا في ظرف يسوده الأمن والاستقرار ولابد من إيجاد هذا الظرف لتسهل المهمة أمام الإنسانية في عمارة الأرض وإنشاء المدن والحضارات البشرية.
وفوق كل ذلك الإسلام يبني لنا الإنسان المسؤول القادر على تحمل أعباء المسؤوليات الجسام وهو الذي يتصف كما ورد في حديث المعراج: (كثير حياؤهم قليلٌ حمقهم كثيرٌ نفعهم قليلٌ مكرُهم، الناس منهم في راحة وأنفسهم منهم في تعب، كلامهم موزون محاسبين لأنفسهم متعبيبن لها).
وهم الذين يتحملون أعباء المسؤوليات الجسام عن طيب خاطر حيث ورد: (خير الناس من تحمل مؤونة الناس).)
فالمؤمن كتلة من الخيرات، يبادر لعمل الخير بدون إيعاز من أحد: (بادروا بعمل الخير قبل أن تشتغلوا عنه بغيره) وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (من فتح له باب خير فلينتهزه فإنه لايدري متى يغلق عنه) وقال أيضاً: (إن الله يحب من الخير ما يعجل) فشعوره بالمسؤولية جعله حساساً إلى ابعد الحدود، يُسارع لعمل الخير قبل الآخرين لايؤجل عمل الخير خشية انشغاله عنه بأمور أخرى.
ومن خصائص الإنسان المسؤول هو الإنفاق فيده مبسوطة بالعطاء لا يتباطأ في تقديم العون لمن يحتاج. وقد وصف رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هؤلاء: (خير الأيدي المنفقة) عندما يقوم هذا النموذج الصالح المسؤول في المجتمع يصبح المجتمع الإسلامي مجتمعاً خيراً ورسولا للسلام والأمن، ليس فقط على أرض الإسلام بل على جميع البقاع والأقطار... يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية