الشعور المتبادل بين الفرد والآخر هو أساس التضامن والتماسك في المجتمع أن يوجه المسلم مشاعر الحب والود إلى المسلم الآخر فيعملان معاً على ترسيخ قواعد هذا الحب داخل المجتمع. عندما توجد هذه المشاعر تتولد أحاسيس اجتماعية من قبيل التخوف من الحاق الضرر بأبناء المجتمع، والعمل على توفير الراحة والرفاهية لأبنائه، مثله مثل الأب الذي يحرص على حياة أبنائه يخشى عليهم من ظلمة الليل ومن الريح العاصف ولا يهدأ له بال إلا عندما يُشاهد أبناءه في راحة واستقرار بعيداً عن مواطن الخطر. وهذه المشاعر لن تتكون إلا في إطار الأخوة، عندما يشعر كل فرد في المجتمع بأنه أخ للفرد الآخر.
ومساحة الأخوة في الإسلام أوسع من المفهوم المتعارف اجتماعياً، فهو يطلق عبارة الأخ على كل فرد مسلم فكل من ينتمي إلى عقيدته هم أخوة له تتكون بينهم قواسم مشتركة من الحب المتبادل والعمل المشترك والميدان الواحد. بل ذهب الإسلام إلى ما هو أكثر من ذلك فهناك أخوة في النسب وهناك أخوة في الدين وهناك أخوة في الخلق فورد في مقدمة كتاب أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر عند توليه مصر: والناس صنفان إما أخ لك في الدين أو نظير لك في الخلق.
فأصبح النظير في الخلق بمنزلة الأخ في الدين وقد شبه الإمام الغزالي عقد الأخوة في الإسلام بعقد النكاح بين الزوجين قائلا: (اعلم أن عقد الأخوة رابطة بين الشخصين كعقد النكاح بين الزوجين) ثم يحدد حقوقاً ثمانية للأخوة الإسلامية مستلهماً من الأحاديث والروايات.
والأخوة بهذا المفهوم يضع بين المسلمين واجبات وحقوق. من هذه الحقوق: (من حق المؤمن على أخيه المؤمن أن يُشبع جوعته، وأن يواري عورته، ويُفرج عنهُ كربته، ويقضي دينه، فإذا مات خلفه في أهله وولده) وبإزاء هذه الحقوق ليست هناك مشكلة إلا وهي قابلة للحل، وحتى مشاكله بعد مماته سيجد من يحلها ويتصدى لها.
وليست الأخوة فقط القيام بهذه الواجبات وحسب بل هي مشاعر متدفقة تتداخل لتتحول إلى شعور واحد يجمع الكل في إحساس واحد من الأخوة، فالمؤمن يأنس للمؤمن يُجالسه ويُلاطفه يلتجأ إليه عندما تهب عليه المصائب وتحوم حوله المشكلات: (إن المؤمن يسكن إلى المؤمن كما يسكن الضمآن إلى الماء البارد).
الحياة في واقعها مجموعة أزمات ومصائب فعندما تحل بأحد أزمة لا يوجد طريقاً للخلاص إلا في أحضان أخيه المؤمن وقد قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (من نفس عن أخيه المؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه سبعين كربة من كرب الآخرة) وفي إطار من الأخوة بنى الإسلام المجتع الإسلامي في المدينة المنورة الذي لم يشهد له التاريخ مثيلا.
فكم كان بين الأوس والخزرج من الحروب الطاحنة، وكم كان بين المكيين وأهل يثرب من أحقاد دفينة اججها اليهود بين هاتين الطائفتين كلها تبخرت مع حلول آصرة الأخوة حتى أصبح الأنصاري أخا للمهاجري يهب له أفضل زوجاته ليختار منهن ما يريد، كما فعل ربيع الأنصاري لعبد الرحمن بن عوف المهاجري، فأين تجد هذه الصورة الرائعة من الأخوة، لن تجدها بالطبع إلا في ظل الإسلام الذي بنى المجتمع على قاعدة العقيدة وجعلها أفضل ركائز في التعامل الاجتماعي فقتل المسلم أخاه الكافر الذي أولدته أمه من أجل عقيدة الاسلام، وأمام هذه العقيدة تزول كل الحواجز والثغرات.
الانتماء إلى الوطن ركن أساس في الحياة الاجتماعية، بدون هذا الانتماء يصبح الإنسان بدون هوية معلقاً بين السماء والأرض، فالانتماء مسألة ضرورية لتكوين العلاقات الحميمة بين أبناء المجتمع الواحد.
وينشأ من الانتماء إلى الوطن شعور غامر بأن الوطن هو بيته وداره وانه مسؤول عن سلامته وأمنه ورفاهيته وديموميته، عندما يتولد هذا الانتماء يصبح الفرد جزءا من الكل، وانه لبنة في بناء كبير ويترتب على هذه المشاعر مسؤوليات ازاء الوطن ومن يعيش على أرضه،فيتمنى أن يرى وطنه بأبهى صورة من جمال الطبيعة وجمال المدن والمرافق العامة والمباني.
يتوقع أن يرى أبناء وطنه على أفضل صورة وهم يمارسون حياتهم الطبيعية بشوق ولهفة ويتوقع أن يرى سواح بلاده وهم يحملون أفضل الانطباع عن وطنه بعد زيارتهم له وعودتهم إلى بلدانهم.
ويتوقع أن يرى وطنه نظيفاً سليماً من الجهل والمرض تنتشر فيه المدارس والجامعات وتعمه المراكز الصحية من مستشفيات ومصحات.
يتوقع أن يرى وطنه وقد أصبح في مصاف البلدان الراقية والمتطورة اقتصادياً وثقافياً وصحيا، يتمنى أن يضرب وطنه الرقم القياسي في الرخاء الاقتصادي والامن الاجتماعي والتقدم العمراني والسلامة الصحية والرقي الثقافي ويُرافق جميع هذه التوقعات والتمنيات عمل جاد يقوم به كل فرد في المجتمع حسب امكاناته والأدوار التي يقوم بها.
من هنا كان من الضروري على المربين والمرشدين أن يخلقوا المشاعر الوطنية في نفوس ابناء الوطن منذ الصغر حتى تنموا هذه المشاعر مع نموهم الفسيولوجي.
فتنمية هذه المشاعر هي مسؤولية دينية ووطنية وهي مسؤولية كل من يريد الأمن والاستقلال والاستقرار للبلاد وكل من يريد ابعاد الوطن عن شبح الصراعات والمعارك الداخلية التي تنجم عن انتماءات وهمية تتحول إلى انتماءات مؤثرة ومحركة لفصائل المجتمع.
وهكذا عندما تطغى الانتماءات الثانوية على الانتماء الحقيقي للوطن تبدأ الازمات وتنتشر الخرقات فتنهار الأسس والضوابط التي يقوم عليها بناء الدولة والأمة، فيتبدد كل أمل بالأمن والسلام والاستقرار... يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية