المجتمع الإسلامي هو مجتمع الثقة المتبادلة التي تقوم على مبدأ حسن الظن.
فدعوة الإسلام إلى حسن الظن بالآخرين، وصحة عمل المؤمن والأخذ بظواهر الأمور هو ليس من باب تبسيط الأمور والتغطية على أصحاب النوايا الدنيئة الذين يفلتون من عقاب المجتمع تحت ذريعة هذه القيم، لا بالطبع فحسن الظن ليس تبسيطاً للأمور بل من أجل تعزيز حالة الثقة في المجتمع، بحيث كل فرد في هذا المجتمع يثق بالآخر فعندما يصبح كل فرد في المجتمع وهو يحمل في نفسه الثقة العالية بالآخرين يعيش هذا المجتمع في سلام ووئام فيتحقق الأمن الاجتماعي والاقتصادي.
قال علي بن أبي طالب(عليه السلام): (شر الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه ولا يثق به أحد لسوء فعله وقال الصادق(عليه السلام): من اتهم أخاه في دينه فلا حرمة بينهما).
أما سوء الظن بالآخرين واتهامهم جزافاً بلا علم ولا كتاب مبين يؤدي إلى تفتيت المجتمع وانقسامه، وليس أدلّ على ضياع هذه القيمة الإسلامية من انتشار ظاهرة التكفير في المجتمعات الإسلامية وهي ظاهر خطيرة سلبت الأمن والاستقرار من الكثير من البلاد الإسلامية، وهي ليست من الإسلام بشيء، بل على عكس ما جاء به الإسلام الذي حمل للبشرية المحبة والسلام والإخلاص والثقة المتبادلة.
من وسائل الإسلام في إصلاح المجتمع تحصينه ضد الأفكار والممارسات الهدامة هو الدعوة إلى الصحبة الخيرة، بأن يختار المسلم صديقه اختياراً صحيحاً، لأن الصديق هو الطريق لنقل العدوى، فإذا جعلنا هذا الطريق سالكاً وسليماً أوقفنا انتقال مكروب الانحراف من شخص لآخر.
وقد أولى الإسلام أهمية كبرى إلى الصداقة والأصدقاء داعياً إلى تعزيز روح الأخوة والصداقة مانعاً ما يعكر أمر الصداقة الصحيحة قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (سائلوا العلماء وخاطبوا الحكماء وجالسوا الفقراء) وقال أيضاً تأكيداً على روح الجماعة والابتعاد عن الفردية: (من خرج عن الجماعة قيد شبر فقد خلع رقبة الإسلام من عنقه) ولتحصين المسلم من مخاطر العلاقات الاجتماعية الفاسدة دعي إلى نبذ أهل البدع والأفكار المنحرفة.
قال الصادق(عليه السلام): (لا تصحبوا أهل البدع ولا تُجالسوهم فتصيروا عند الناس كواحد منهم) ولتمتين العلاقات الاجتماعية وتقويتها وضع الإسلام بعض القواعد المهمة منها: حديث رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): (لا يزر أن أحدكم بأحد من خلق الله فإنه لا يدري أيهم ولي الله) و قال علي بن أبي طالب(عليه السلام): (احصد الشر من صدر غيرك بقلعه من صدرك) وقال أيضاً احتمل أخاك على ما فيه ولا تكثر العتاب فإنه يورث الضغينة) وقال أيضاً (البشاشة حبالة المودة ويؤكد الإسلام على الحقوق العملية التي تعمق أواصر المودة في المجتمع الإسلامي وهي عند الإمام الباقر(عليه السلام): (أن يُشبع جوعتهُ ويُواري عورتهُ ويُفرج عن كُربته ويقضي دينه فإذا مات خلفه في أهله وولده).
للصدقات أبعاد اجتماعية ونفسية واقتصادية، فهي من جانب تخفف من آلام الحاجة والحرمان عند الطبقة الفقيرة من المجتمع، ومن ناحية أخرى تُحسس الدافع الوجداني والراحة النفسية وإنها تشارك أبناء المجتمع عمومه وتساهم في الارتقاء بالمجتمع إلى مستوى مناسب من الاكتفاء الذاتي وعدم الحاجة.
ومن ناحية أخرى تُحرك الصدقة دواليب الاقتصاد لأنها توفر السيولة لدى المحتاجين وهي بدورها تُحرك عجلة السوق ومن هذه المواقع يأتي تأثير الصدقة في الأمن الاجتماعي فهي من جانب تمنع الجريمة التي ترتكب بسبب الحاجة والعوز، وتمنع الفساد الأخلاقي الناشئ من الفقر والفاقة.
ومن جانب آخر تنمي الشعور الجمعي والإحساس بالآخرين في المجتمع وكلها مؤشرات فاعلة في استئصال شأفة الجريمة والميوعة والبطالة الجرمية.
ومن أجل هذه الأهداف شرع الإسلام هذا العطاء وجعله في بعض الموارد من الواجبات كالزكاة وفي موارد أخرى من المستحبات، فالصدقة الضريبة التي يدفعها المسلم ليعيش في جو آمن مُسالم وهو يدفعها عن طيب خاطر وراحة ضمير.
من الأسباب التي تؤدي إلى استتباب الأمن واستقرار المجتمع هو اجتماع الناس فيما بينهم واستماعهم إلى النصائح والتعريف بمشكلاتهم وحلولها وهذا ما يقوم به المسجد من دور أساسي في تنمية الأحاسيس الاجتماعية من خلال الحضور المباشر والمستمر في المسجد ومن خلال ما يسمع في خطب الجمعة من أحاديث تهم أبناء المجتمع.
وهذا الحث الذي نجده في الإسلام بهذا الشكل هو لتحقيق الغايات السامية في المجتمع، ومنها بالطبع تأمين الجانب الاجتماعي والذي بدوره ينعكس في تحقق الأمن الاجتماعي... يتبع
بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.