التكنولوجيا وأثرها على المجتمعات الإسلامية الجزء11

اثنين, 06/13/2022 - 17:34

بيد أن إستراتيجية الوحدة العربية لم تستطيع أن تتغلب على عوامل السيطرة الخارجية التي كانت ترمي إلى منع نشوء تكتل، بل حتى تحالف عربي فعال، ضد إسرائيل.

 وقد تحقق لها ذلك عندما وقعت القاهرة على اتفاقية آمب ديفيد عام ١٩٧٩، والتي استعادت بموجبها سيناء المحتلة، من دون أي اعتبار لمصير الأراضي العربية المحتلة الأخرى، وفي مقدمها فلسطين والأراضي السورية.

 وبالرغم من الصدع الذي هز الجامعة، إلا أن الحاجة إلى التكاتف في وجه الضغوطات الخارجية دفعت الدول العربية، من منطلقات براغماتية، إلى التمسك بالمنظمة الإقليمية التي أصبح وجودها وحده يشكل نوعا من الحماية الشكلية للدول، تجاه الخارج وتجاه الداخل أيضا، بما يؤمنه لكل منها من هامش مبادرة خارجية ومن أداة للضغط والحماية والمفاوضة الجماعية لصالح هذه الدولة أو تلك.

 وهكذا بدل أن تكون قاعدة مشروع تكتل عربي مطلوب لدرء المخاطر الأمنية وخلق سوق اقتصادية واسعة ضرورية للدخول في عصر العولمة أصبحت الجامعة العربية إحدى الأدوات الرئيسية التي تملكها الدبلوماسيات العربية لتأكيد وجود الدولة الوطنية وانغلاقها هكذا، منعت الضغوط والتدخلات الخارجية من بناء أي إطار للأمن الجماعي العربي فبقيت اتفاقية الدفاع العربي المشترك ورقة ميتة آما دفنت المنظمة العربية للصناعات العسكرية في مهدها.

 وبدل الانطلاق من الجامعة العربية التي كانت تمثل قاعدة جاهزة للعمل العربي نحو بناء تكتل إقليمي يسمح باستيعاب تغيرات ميزان القوى الدولي ويضمن للعالم العربي وبلدانه المختلفة هامشا ضروريا للمناورة الإستراتيجية، اتجهت الحكومات العربية منذ الثمانينات في اتجاه العمل الفردي المنفصل، وأخفقت جميع محاولاتها في التوصل إلى صيغة لتطوير النظام الإقليمي العربي، بما في ذلك الصيغ الاقتصادية المحض آما حاول تجسيدها مؤتمر الاقتصاديين العرب الذي عقد في عمان عام ١٩٨٠ تحت شعار التنمية العربية وفي سياق هزيمة الحركة القومية العربية والحكم بالتجميد والعجز على النظام الإقليمي العربي المجسد في الجامعة العربية سوف ينهار التفاهم العربي السابق، حتى في حدوده الشكلية وتبرز من ورائه تناقضات المصالح وبرامج العمل الخاصة وهكذا سيترافق دخول العالم العربي في عصر العولمة بسلسلة من الحروب الخارجية والعربية العربية والأهلية التي ستقوض صدقيه الدول العربية وتدمر أسس استقرارها الإستراتيجية.

 وفي مقدمة هذه الحروب الحرب الإسرائيلية المستمرة لابتلاع الأراضي المحتلة وتحطيم المقاومة الفلسطينية واللبنانية التي ستبلغ ذروتها في محاصرة العاصمة اللبنانية بيروت من قبل القوات الإسرائيلية عام ١٩٨٢، وتكبيدها القوات السورية المتواجدة فيه هزيمة عسكرية جديدة.

 وبالإضافة إلى حروب ليبيا جنوب الصحراء وحرب الصحراء الغربية التي سممت حقل العلاقات المغاربية ثم الحروب الداخلية العديدة التي فجرها التنافس بين الدول العربية على احتلال موقع متميز في القضية الفلسطينية، لن يمض وقت طويل حتى تفجرت عام ١٩٧٩ الحرب العراقية الإيرانية التي دامت ثمان سنوات، في إطار التفاهم مع الدول الصناعية الغربية على كبح جماح الثورة الإيرانية الإسلامية والحد من أثارها وعواقبها الإستراتيجية على المنطقة النفطية.

 وقد شق الموقف من هذه الحرب الرأي العام العربي شعوبا وحكومات على حد سواء. لكن الضربة القاضية للنظام العربي ستأتي من العراق ألبعثي بعد احتلاله لدولة الكويت، وإعلانه قرار إلحاقها بالعراق وضمها إليه.

 فلم تقوض هذه الحرب والقرارات التي تبعتها الأسس التي قامت عليها الجامعة العربية وتعمق الشك بنجاعتها وشرعية الرهان عليها فحسب وإنما عززت إرادة الدول الصناعية في بسط سيطرتها المباشرة على المنطقة، بما في ذلك اختراق المنظومة الأمنية الوطنية في البلاد العربية.

 وقد جاء تصويت أغلبية دول الجامعة العربية على القرار الذي اتخذته قمتها لدعم الحرب التي قررها التحالف الدولي ضد العراق عام ١٩٩١ لينهي أسطورة العمل العربي المشترك ويؤكد السير الحثيث للبلدان العربية نحو خيار التدويل. وهذا ما أآدته، في الأشهر التالية، مسارعة دول الخليج العربية إلى توقيع اتفاقيات التعاون العسكري والحماية المتبادلة مع الدول الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة ومنذ هجومات ١١ سبتمبر ٢٠٠١ في واشنطن ونيويورك، والرد الأمريكي عليها باحتلال العراق عام ٢٠٠٣، وما تبعه من التفكيك المادي لدولته ومؤسساتها، فقد العالم العربي سيطرته على شؤونه الأمنية وتحول إلى منطقة نفوذ مباشر ودائم للقوى الأطلسية.

 وفي هذا الإطار طرحت الإدارة الأمريكية الجمهورية على لسان الرئيس جورج بوش مشروع الشرق الأوسط الكبير الذي يهدف إلى تكريس هذا الوضع وإعادة بناء المنطقة تبعا لحاجات العولمة الإستراتيجية والعسكرية، أي إلى إدخال دول غير عربية في التكتل المنشود، وفي مقدمها إسرائيل التي شكلت الحاجة إلى مقاومة توسعها محور البناء الإقليمي العربي، ومن وراء ذلك تصفية فكرة العروبة نفسها كحامل لمشروع إقليمي مستقل وإلغاء أي أمل لها في أن تستعيد المبادرة الإستراتيجية في المنطقة بما تمثله من نزعة استقلالية وأجندة وطنية خاصة ومصالح متناقضة مع المصالح . ١٨ الأطلسية، خاصة في ميدان النفط وضمان أمن إسرائيل وتطمينها على مستقبلها وما حصل هنا في الواقع على صعيد النظام الإقليمي لا يتنافى مع معطيات التاريخ، تاريخ العولمة، ولكنه يصب فيه. فما عجزت عن تحقيقه البلاد العربية سوف يتحقق تبعا لحاجات العولمة، لكن هذه المرة تحت الوصاية الأمريكية ولخدمة أهدافها الإستراتيجية معا.

 فبدل الخروج المنظم والواعي نحو استراتيجيات إقليمية وعالمية تحترم مصالح الشعوب ووشائج القربى التي تجمع بينها، آما كان عليه الحال في أوروبة، شهد العالم العربي خروجا تبغيا وإكراهيا معا مفروضا بالقوة السياسية والعسكرية كان من نتيجته تعريض المجتمعات للحروب والنزاعات الدموية، وانتزاع سيادة البلدان الفردية وإلحاقها بنظام من الهيمنة الدولية الذي يستجيب لمصالح السيطرة الخارجية.

 فبقدر ما أخفقت البلدان العربية في التكيف إراديا مع حاجات العولمة الإستراتيجية، وجدت نفسها ضحية الاستراتيجيات البديلة أو المناوئة التي استخدمت معطيات العولمة ذاتها وحاجاتها من أجل فرض إعادة تركيب المنطقة من وجهة مصالحها الخاصة فحسب، أي إعادة فتح الحدود في 14 ما بينها حسب حاجات الأجندة الأمريكية، حارمة المنطقة وبلدانها معا من الاستقلالية الإستراتيجية التي تضمن استقرار التوازنات الإقليمية بعيدا عن التدخلات الخارجية المستمرة والمفاجئة، آما تضمن المشاركة في القرارات الجماعية المتعلقة بمصير المنطقة ومصير شعوبها... يتبع

بقلم: عمر دغوغي الإدريسي مدير مكتب صنعاء نيوز بالمملكة المغربية.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف