تعبيد السُبل ليس بالآمر السهل ولا يكون مُكللاً بالزهور، ولابد من ثمن لتعبيده.. رسالة السماء السمحاء في هديّ البشرية منذ بدء الخليقة، دفع ضريبتها الأنبياء والرسُل والأوصياء ومن سار بهذا الدرب دِماء طاهرة.
تأريخ العراق ارتبط ارتباطاً وثيقاً مع الدِماء، وثورة الإمام الحسين "عليه وأله أفضل الصلوات" لأجل الإصلاح فيما أفسده الظالمون من حُكام الجور، فكان ضريبة تصديه، دمه الطاهرة مع اهل بيته وأنصاره، ولهذا اتخذ الثأرون من سبط النبي مناراً ينير درب الأحرار وعزيمة لمواجهة الأخطار.
الأنظمة لم تقم الا بالدماء ولا نريد الذهاب بعيداً، فمنذ تأسيس الدولة العراقية 1921 لم يستقر العراق سياسياً وأمنياً وأقتصادياً، ويعود ذلك تارةً للإنقلابات، وتارة يكون بنزوات الحكام فيه، لهذا نجد أن العراق بهذا التذبذب والتقلب.. سيما بعد إنتقال الحكم فيه من ملكي إلى جمهوري خصوصاً فترة حكم البعث.
جرت حروب خارجية بالإنابة بسبب نزوات قائد الضرورة، الذي تميزت فترة حُكمه بالجور والظُلم والقمع، للشعب العراقي وبالخصوص لمناطق الوسط والجنوب، عن طريق الإعدامات والأغتيال وتغييب عشرات الآلاف في غياهب السجون، والتهجير القسري لمن اوصفهم النظام بالتبعية لهذه الدولة وتلك.
أكمل النظام ظلمه بقتله لرجال الدين، ما بين مرجع واستاذ وطالب علم، وكفاءات علمية ووطنيين.. ولم يسلم من ظلمه الطفل الرضيع كما في عمليات الأنفال.. ولم يقتصر على ذلك بل أراد تصفية أسر علمية حوزوية واكاديمية، فضلاً عن قمعه للأنتفاضة الشعبانية التي أندلعت بعد غزوه للكويت، والتي ثار فيها ثلثي العراقيين بوجه نظام البعث العفلقي، الذي اذاقهم والعراق الظُلم والطغيان.
انبرى الأحرار وفي طليعتعم رجال الحوزة العلمية، ومن الأسر التي يشار لها بالبنان والتحق بركبهم عشاق الحُرية، وكان بيت مرجع الطائفة آنذاك الإمام الحكيم اول من تصدى للبعث والتحقت بركبه البيوت العلمية الأخرى، وكان من رجالات الحوزة البارزين والمعروف في نشاطه وتصديه منذ نعومة أظفاره آية الله المجاهد محمد باقر الحكيم الذي كان عضد الشهيد محمدباقر الصدر في حركته ضد المد الشيوعي والبعثي.
تصدى الشهيد الحكيم للبعث منذ ريعان شبابه عندما كان داخل العراق، وبسبب نشاطه المميز وحضوره الفاعل وتاثيره على الأوساط الشعبية اثار خوف نظام بغداد، مما دفع الأخير إلى اعتقاله مرات متكررة وصدرت بحقه احكام مختلفة ما بين المؤبد والأعدام.. وبعد الضغط الجماهيري أفرج عنه، ولهذا طلب الشهيد الصدر من شهيد المحراب مغادرة العراق ليمارس نشاطه الكفاحي من هنالك لكي لا تتم تصفيته..
لكن وما أن اقدم نظام البعث على أعدام الشهيد محمد باقر الصدر في عام 1980، أضطر الشهيد الحكيم للهجرة من العراق ليبدأ مشواره الجهادي من هناك، بعد ان ضيق عليه من الداخل، ومن هنا بدء تأريخ جديد للشهيد الحكيم في كفاحه ضد صدام وحزبه.. حيث أعلن وبشكل صريح وواضح، عن مواجهة نظام صدام مقتدياً بجده الإمام الحُسين، مردداً كلمته {هيهات منا الذلة ومثلي لا يُبايع مثله}.. اثر ذلك قرر نظام البعث تصفية كل من يخالفه ولو بالإشارة، وبما أن الحكيم اعلنها امام الملأ، حاول تصفية أسرة الإمام الحكيم ومن له صلة بهم، فكال التهم جزافاً لهم ما بين العمالة للأجنبي كما هو الحال بالشهيد مهدي الحكيم الذي أغتيل في الخرطوم، وما بين من لا يؤمن بفكر البعث، فتمت تصفيته.. وفي ليلة واحدة تم أعتقال قرابة السبعين وتم تصفيتهم جميعاً على شكل وجبات، لأجل الضغط على محمد باقر الحكيم للرجوع عن معارضته للنظام، وان دل على شيء فهو يدل، على ان معارضة الحكيم ونشاطه الكفاحي ضد حزب البعث، كان له صدى مما سلب الراحة منه..
كان الحكيم هو الاسم الوحيد الذي ذكره صدام في جلسة علنية، وسبقتها سرية رغم طغيان صدام وغروره.. فالحكيم خصمه الوحيد الذي له الآثر البالغ من داخل العراق وخارجه..
إستطاع الشهيد الحكيم بكفاحه الذي لم يقتصر على حمل السلاح، وإنما أستخدم الكلمة بفضح النظام في المحافل الدولية، ارتكابه المجازر بحق الشعب العراقي، لان النظام في بغداد عتم على الإعلام بشكل كامل، وكان يتحكم بالمنابر الإعلامية كما يشاء، لهذا وضفه لمنافعه.. ولا يستطيع من في الداخل نقل الصورة للعالم لانه ستتم تصفيته باللحظة، ولهذا كانت مرآة الشعب المظلوم عبارة عن جهاد الشهيد الحكيم.
طريق الحق والتحرر من قيود حُكام الجور ليس معبدا بالزهور، ولابد لمن سلك هذا الدرب من التضحية وهو ثمن باهض جداً، يحمل الصعاب؛ كالتعذيب والسجون تارة وتارةً أخرى الهجرة، يعقب تلك الخشونة نعيم دائم مكلل في الخلود في الدنيا والرحمة الإلهية متمثلة الفوز في الجنان..
لهذا عشق شهيد المحراب درب التضحية والشهادة للفوز بأحدى الحُسنيين اما النصر او الشهادة ونال شهيدنا “قدس سره “الحُسنيين معاً.
لؤي الموسوي