درباس إبراهيم
بعد مرور سنة قلقة على الانتخابات النيابية في العراق، بدون تشكيل الحكومة، وانسحاب مفاجئ للكتلة الصدرية التي كانت هي أكبر كتلة في البرلمان العراقي، أصبحت الساحة السياسية العراقية، لاسيما الشيعية، ملك للإطار التنسيقي، الذي رشح السيد محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة العراقية الجديدة. وبتاريخ ٢٧ تشرين الأول سنة ٢٠٢٢ نالت حكومة السوداني ثقة مجلس النواب العراقي.
إنّ العلاقة بين بغداد و أربيل بعد ٢٠٠٣ مرت بمراحل مختلفة. بدأت بالتفاهم، ثم بالخلافات، ثم بالمواجهة العسكرية، وأخير وليس آخرا بالجمود في فترتي عادل عبد المهدي، ومصطفى الكاظمي. بعد تسنم محمد شياع السوداني دفة السلطة أصبحنا أمام مرحلة جديدة من العلاقة قد تكون أكثر شفافية وجديّة لوضع حد للمشكلات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. ولا يخفى على المتابع للشأن العراقي بأنّ السوداني وصل إلى دفة الحكم من خلال ائتلاف إدارة الدولة، والذي يضم قوى سنية وكردية، ويشكل الإطار التنسيقي الشيعي الكتلة الأكبر في هذا الائتلاف. تحت أنظار السوداني، وقعت قوى إدارة الدولة على وثيقة تضم شروط الكرد والسنة.لذلك يعلم السوداني بأن نجاح حكومته مرهون بمدى التزامه ببنود تلك الوثيقة. لقد قدم السوداني للشعب برنامج حكومي ضخم، والذي حتما لن يستطيع إنجاز معظمه. ما يهمنا من برنامجه الحكومي هو ما يخص العلاقة بين بغداد و أربيل. لقد تطرق السوداني في برنامجه الحكومي إلى معالجة الملفات العالقة بين الطرفين، ومن أبرز تلك الملفات التي تطرق لها، والتي تحتاج إلى حوار ومناقشات مستفيضة وتفاهمات مشتركة بين الجانبين، هو ملف قانون النفط والغاز، والمادة ١٤٠ المتعلقة بالمناطق المتنازع عليها، وتطبيق إتفاقية سنجار، وعودة الأحزاب الكردية إلى مقراتها في المناطق المتنازع عليها، ورواتب الموظفين.
منذ اليوم الأول استطاع السوداني بخطابه الهادئ أن يخلق جوا إيجابيا للحوار مع حكومة إقليم كردستان، مما دفع الأخير إلى إن يرسل وفوداً رسمية إلى بغداد بغية الوصول إلى حل نهائي للمشكلات العالقة بين الطرفين. ولم يكتف السوداني بذلك بل أنّه أجرى زيارة رسمية إلى إقليم كردستان، وصفها بالناجحة، التقى خلالها رئيسي الإقليم، وحكومة إقليم كردستان، وقادة الأحزاب الكردية، من أجل وضع حلول جديّة للخلافات بين بغداد وأربيل. حتى أحزاب الإطار التنسيقي التي رشحت السوداني لتشكيل الحكومة الحالية، والتي كانت سابقا تقف حجر عثرة أمام أي تقارب بين بغداد و أربيل، تغيرت سلوكها وخطابها تجاه الإقليم. إذ لم نعد نسمع عن قصف الإقليم من قبل الميليشيات كما كان يحدث سابقا. ولا تحدث تلك الأحزاب ضجة كبيرة عند إرسال الأموال من بغداد إلى الإقليم، بل تقدم تبريرات لذلك، وهو عكس ما كان يحدث في الماضي القريب. سبب ذلك كله أن السلطة كل السلطة اليوم بيدها وهي حتما لا تريد المواجهة أو فتح جبهات مع أحد، أو لا تروم التصادم مع الإقليم، بل هي التي تبحث عن الهدوء، والحلول لتلك الخلافات.
على الطرف الآخر يعاني إقليم كردستان من أزمة سياسية حادة، توجت بانسحاب وزراء الاتحاد الوطني الكردستاني من الحكومة. إن حكومة إقليم كردستان تعاني كذلك من ضغط الشارع الذي تأثر كثيرا بالأزمة الاقتصادية التي بدأت سنة ٢٠١٤ ولم تنته حتى يومنا هذا. أمّا الضغوط الخارجية فقد بدأت من خلال المحكمة الاتحادية التي أعلنت عن عدم شرعية عمل الشركات النفطية الأجنبية التي تعمل في إقليم كردستان. إضافة إلى ذلك استطاعت الحكومة العراقية أن تكسب قضية تحكيم ضد أنقرة، والتي قد تمنع الإقليم من تصدير نفطه عبر تركيا، وذلك يعني إضافة معضلة جديدة الى معضلاته الكثيرة. بناء على ما سبق لا مناص أمام حكومة إقليم كردستان من تقديم بعض التنازلات في سبيل الوصول إلى اتفاق مع بغداد.
إنّ الطرفين اليوم بحاجة للتوصل إلى اتفاق جدي بينهما. فالسوداني يريد من خلاله إنجاز أول تعهداته للرأي العام الداخلي و الخارجي، ثم الذهاب إلى واشنطن وفي حقيبته هذا الإنجاز الذي عجزت الحكومات السابقة عن تحقيقه. ثم العمل بهدوء فيما تبقى من عمر حكومته. أمّا حكومة الإقليم فإنّها تريد من خلال هذا الاتفاق التخلص من الأزمة الاقتصادية، وأزمة رواتب الموظفين، واستعادة ثقة الشارع الكردي.