تظهر الدراسات المتخصصة توقعات صعبة للاقتصاد السعودي في ظل فشل حكومي مزمن وتهويل إعلامي يروج لها نظام ولي العهد محمد بن سلمان لتقدم أحرزته رؤية 2030.
وبحسب معهد دول الخليج العربية في واشنطن، عندما تنشر هيئة الإحصاء السعودية أول تقدير رسمي للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي لعام 2023 في نهاية يناير/كانون الثاني، فمن المرجح أن يظهر أن الاقتصاد انكمش بنحو 0.5% مقارنة بعام 2022.
ويرجع ذلك إلى الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للنفط، والذي من المرجح أن يكون قد انخفض بنحو 7% بسبب التخفيضات الكبيرة في إنتاج النفط الخام في مايو ويوليو 2023.
ومن المرجح أن ينمو الاقتصاد غير النفطي بنسبة 4%، مدفوعًا بالاستهلاك الخاص مع استمرار الأسر في النمو والاستفادة من فرص الإنفاق الجديدة في قطاعات مثل الترفيه والسياحة.
وإلى جانب إصلاحات سوق العمل الجارية، أدى هذا النمو غير النفطي إلى خلق فرص عمل جديدة كبيرة، وانخفض معدل البطالة السعودي إلى 8.6% في الربع الثالث من عام 2023 من 9.9% في العام السابق.
ومع ذلك، هناك مصدران للقلق واضحان في البيانات الأخيرة. أولا، فقد الاقتصاد غير النفطي زخمه مع تقدم العام، حيث بلغ النمو على أساس سنوي في الربع الثالث من عام 2023 أضعف مستوياته منذ جائحة فيروس كورونا. ثانيا، تباطأ الإنفاق الاستثماري، الذي يشكل عنصرا أساسيا لتعزيز الإنتاجية ودعم التنويع، بشكل حاد خلال عام 2023.
وبينما يضع المتنبئون توقعاتهم للاقتصاد السعودي في عام 2024، سيتعين عليهم تقييم ما إذا كان التباطؤ في النمو غير النفطي والإنفاق الاستثماري مؤقتًا أم أطول أمدًا.
وسيتعين عليهم أيضا أن يزنوا التأثير المحتمل للعديد من حالات عدم اليقين العالمية والإقليمية والمحلية التي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد؛ ويتعلق أكبرها بسوق النفط العالمية، والصراع المستمر في غزة، والسياسة النقدية الأمريكية، وتأثير الإصلاحات المحلية.
ويشهد إنتاج النفط خارج مجموعة أوبك+ ارتفاعا، حيث وصل إنتاج النفط الخام الأمريكي إلى مستويات قياسية في الأشهر الأخيرة.
وقد أدت هذه الزيادة في الإنتاج إلى الضغط على أسعار النفط ودفعت أوبك +، وخاصة المملكة العربية السعودية، إلى خفض الإنتاج لدعم الأسعار.
وأعلنت السعودية بالفعل أنها ستمدد تخفيضات إنتاج النفط حتى نهاية الربع الأول من عام 2024. ومن الصعب تحديد مسار إنتاج النفط بعد ذلك.
وتتوقع أوبك زيادة متواضعة فقط في الطلب على خامها في عام 2024، حيث تلبي زيادة العرض من خارج أوبك معظم الزيادة المتوقعة في الطلب.
وهذا يعني أن السيناريو الأكثر ترجيحاً هو أن السعودية لن تتمكن إلا من استعادة كمية متواضعة من الإنتاج الذي خفضته خلال عام 2023 تدريجياً دون تقويض أسعار النفط.
ومع ذلك، فإن ميزان العرض والطلب في سوق النفط العالمية يمكن أن يتغير بسرعة. على سبيل المثال، في تقريره عن التوقعات الاقتصادية الإقليمية لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في مايو 2023، توقع صندوق النقد الدولي أن يصل متوسط إنتاج النفط السعودي في عام 2023 إلى 10.5 مليون برميل يوميا.
ومن المرجح أن تكون النتيجة الفعلية 9.6 مليون برميل يوميا، مما يوضح مدى السرعة التي يمكن أن يتحول بها السوق.
في عام 2024، قد يؤدي الاقتصاد العالمي الذي يكون أقوى من المتوقع أو أن يكون العرض من خارج أوبك + أقل من التوقعات إلى زيادة الطلب على الخام السعودي وبالتالي نمو أقوى في الناتج المحلي الإجمالي النفطي الحقيقي.
ومن المرجح أيضا أن يؤدي ارتفاع عائدات النفط إلى زيادة في الإنفاق الحكومي، الأمر الذي من شأنه أن يوفر دفعة قصيرة الأجل للنمو غير النفطي.
من ناحية أخرى، فإن استمرار النمو القوي في الإمدادات من خارج أوبك + أو فشل بعض دول أوبك + في الالتزام بتخفيضات الإنتاج المعلنة قد يضغط على المملكة لمزيد من تقييد الإنتاج أو مواجهة انخفاض أسعار النفط، مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية على النمو النفطي وغير النفطي.
وقد يؤدي الصراع في غزة، خاصة إذا تصاعد أو توسع، إلى إضعاف ثقة الشركات والأسر السعودية، مما يؤثر على الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي، ويعوق وصول السياح والاستثمار الأجنبي المباشر نظرا لحالة عدم اليقين الإقليمية الأوسع.
ومن شأن العوائق أمام شحنات النفط أن تؤدي إلى ارتفاع أسعار النفط، على الأقل مؤقتا، مع تأثر صادرات النفط سلبا.
من المتوقع أن يبدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في خفض أسعار الفائدة في عام 2024 مع استمرار التضخم في الانخفاض نحو هدفه البالغ 2٪.
ومن شأن انخفاض أسعار الفائدة الأمريكية أن يؤدي إلى انخفاض أسعار الفائدة في المملكة العربية السعودية نظرا لارتباط الريال بالدولار الأمريكي.
وبينما كافحت الدراسات التجريبية لإيجاد علاقة بين أسعار الفائدة والنمو في السعودية، خاصة عندما تكون أسعار النفط مرتفعة نسبيا، فمن المرجح أن تتعزز هذه العلاقة بمرور الوقت مع استمرار تطور القطاع المالي.
وإذا تحرك بنك الاحتياطي الفيدرالي لخفض أسعار الفائدة قبل البنوك المركزية الكبرى الأخرى، فقد يؤدي ذلك أيضاً إلى إضعاف الدولار الأمريكي (والريال) وتوفير دفعة متواضعة للقدرة التنافسية للصادرات غير النفطية.
وفي حين أن التوقعات ثابتة بأن بنك الاحتياطي الفيدرالي سوف يخفض أسعار الفائدة، فإن توقيت ووتيرة هذه التخفيضات هي مسألة تخمين وسيتم تحديدها في نهاية المطاف من خلال مسار التضخم.
ولن يكون توقيت ومدى التيسير النقدي مهماً بشكل مباشر للاقتصاد المحلي فحسب، بل ربما يكون أكثر أهمية بالنسبة للنمو العالمي والطلب على النفط.
وتشير الميزانية السعودية إلى أن السياسة المالية ستوفر دعما أقل للاقتصاد في عام 2024 مقارنة بالعامين السابقين اللذين زاد خلالهما الإنفاق الحكومي بأكثر من 20%.
وحتى مع السماح بزيادة أخرى في الإنفاق من قبل صندوق الاستثمارات العامة في عام 2024، وتجاوز بعض مستويات إنفاق الحكومة المركزية المعلنة في الميزانية، والتأخيرات التي يمكن أن يؤثر بها الإنفاق الحكومي على النمو، فإن دفعة الاقتصاد غير النفطي من المالية العامة ومن المرجح أن تكون السياسة في عام 2024 أقل من نصف ما كانت عليه في عام 2023.