حين يتعامل الإعلام النفطي باستخفاف مع رجلٍ حارب العالم مجتمعا، وصار قاب قوسين أو أدنى من اعلان انتصاره، و"حارب العالم"، هذه ليست مجازا بل حقيقة واقعة حد البديهيات.
قوى عظمى ودول كبرى بكل ما أوتيت من جبروت استخباري وتقني وتسليحي، واستعمار قديم وحديث، ودول إقليمية قديمة وأخرى حديثة وثالثة مجهرية، ومنظمات دولية بكل تشعباتها السياسية والقانونية والإنسانية، ومنظمات حكومية وغير حكومية، ومؤسسات مدنية ودينية وحقوقية وإمبراطوريات إعلامية، أحزاب وحركات وتنظيمات وشخصيات من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار وقعر الوسط، ومجاميع لا حصر لها من القتلة الفعلة من أراذل ما أنتجت المجتمعات البشرية، أحسنهم أخلاقا يتلاعب بالرؤوس البشرية ككرة قدم، كل هذا بالإضافة إلى جماهير هادرة على مساحة اليابسة لم يتركوا مناسبة إلا وخرجوا للتضامن والضغط غربا وللشتم والتكفير شرقا، حين يتعامل معه باستخفاف يؤكد أن أصحاب هذا الإعلام من قبائل النفظ والغاز، لا يمتلكون إلا أخلاق العبيد، ولا علاقة لهم من قريبٍ أو بعيد بأخلاق الفرسان، وكم روى علينا التاريخ عن منتصرين أدّوا التحية العسكرية لمهزومين، وعن مهزومين اعترفوا بهزيمتهم وأجلّوا المنتصر وأكبروه، ولكن العبيد لا يفهمون هذه الفروسية.
يقول المعري "والنجم تستصغر الأبصار صورته، والذنْبُ للطرف لا للنجم في الصغر"، فمحاولات النفط وجمعه للتعامل باستصغار مع الرئيس الأسد، يعود لعيبٍ فيهم وهو الصغر والصغار، فقد تناقلت وسائل إعلام النفط كلمة الرئيس الأسد، الذي قال فيها ان الزمن تحول في حلب إلى تاريخ، وما قبل حلب ليس كما بعدها، ثم استضافت أطباء وخبراء في علم النفس للتعليق على الفيديو، وليس محللين سياسيين أو خبراء عسكريين أو حتى وجوه مما تسمى بـ"المعارضة"، وذلك ضمن المحاولات الدؤوبة منذ انطلاق العدوان على سوريا لتصوير الرئيس الأسد بأنه منفصلٌ عن الواقع، مع أنه أثبت أنه منغرس في الواقع بأدق تفاصيله.
ومنذ بدء العدوان لم يُسجل عليه عنجهية في القول أو الفعل، كما أثبتت الوقائع أنهم هم المنفصلون عن الواقع وعن التاريخ وعن المستقبل. فحين كان يقول الرئيس الأسد بأن سوريا ستنتصر في ظل سيمفونية الأيام المعدودة، مع أن عوامل انتصارها كانت ثابتة وإن حجبها غبار الصراخ، إلا أنه من المبَرَر ألا يأخذوا ثقة الرئيس على محمل الجد، أما بعد كل ما حققه الجيش السوري من تقدم وانتصارات وآخرها حلب، يحاولون تصوير من ثبت منطقه ورسخت ثقته بأنه منفصل عن الواقع، فهذا لا يعني انهم منفصلون عن الواقع بل مستعبدون لمن يخلق لهم الوهم، وألا فكاك من أخلاق العبيد التي تفتك بضمائرهم.
تأبى الكياسة والفطنة أن تضع رجلًا بوزن الرئيس الأسد في مقاربة مع ملوك النفط والغاز وغيرهم ممن تطاول عليه بأي شكلٍ من الأشكال، ولكن سأتخلى عن كياستي وفطنتي لضرورة الكتابة ولتغفر الأقلام والأوراق زلتي، في الساعة الأولى للعدوان السعودي على اليمن، خرج الناطق باسم جيش سلمان على سبيل الهذيان ليعلن في الناس أنه دمر 85% من القدرات العسكرية للـ"حوثيين"، ولم يُسجل على الرئيس الأسد أنه قال بكلام منفصل عن الواقع مثل هذا.
وكم هَذَى وزير خارجية سلمان عن رحيل الأسد سلما أو حربا، كما هَذَى نفس ناطقه العسكري بـ"عواصف حزم" في سوريا، وكم هَذَى أردوغان بمناطق آمنة ومناطق عازلة وصلاة في الأموي وفي مقام بن عربي وصلاح الدين، حتى أمير دولة الجزيرة السابق واللاحق وعاصمتها قطر، كان يهذي الى حد أنه أجلس معاذ الخطيب في المقعد السوري بالجامعة العربية، ووزير خارجيتها لا زال يردد سندعم "الثوار" رغبت أمريكا أم لم ترغب، وهذه مرحلة تفوق الهذيان، فالهذيان الذي مارسه النفط ومن خلفه العالم لا تكفيه السطور، بعكس الرئيس الأسد الذي ثبت أنه يتمتع بأعصابٍ فولاذية –كما قال السيد نصرالله- ونظرة ثاقبة، لم تكتف بثقب الواقع حد تغييره، بل حد تغيير الخرائط وتوازنات القوى.
وفي هذا الإطار ولمخاطبة المنفصلين عن الواقع ودغدغة غرائزهم، وفي محاولة لاستغلال هذا الطوفان الإنساني المختلط بالنقمة على سوريا ومحورها خصوصا حزب الله، سارع منسق الشؤون الإنسانية بالأمم المتحدة لاتهام حزب الله بالمسؤولية عن عرقلة اتفاق اخراج "المحاصرين" في حلب، ويأتي هذا الاتهام لتجيير هذه النقمة الشعبية بكل ما فيها من بلاهة ونفاق، لتصب في المصلحة "الإسرائيلية" المباشرة، حيث تستعر النقمة والحنق على حزب الله.
وهذه الشعوب التي طحنتها قرارات الأمم المتحدة منذ نشأتها أصبحت تتخذها مرجعية موثوقة، ولكن لا غرابة طالما تتجمع التكتلات تحت مسمى هيئات علماء المسلمين في أغلب بلاد المسلمين تضامنا مع حلب، في الوقت التي يدعو حاخامات "إسرائيل" الشرقيين والغربيين لإقامة الصلوات تضامنا مع حلب، ولا يلتفت أي من هؤلاء "العلماء" للقواسم المشتركة بين دينه ودين "إسرائيل" وعروبته وعروبتها وإنسانيته وإنسانيتها.
ولم يلتفت أن "إسرائيل" التي تذب عن الهولوكوست كأيقونتها المقدسة، "وتذب عنها كما تذب الذئبة عن نطفتها والنملة كما تذب عن ثقب الأرض" وهي "مظلوميتها" غير المسبوقة في التاريخ البشري، وكل من يقترب منا يصبح عدوا للسامية بل للإنسانية، قامت بكسر هذه الأيقونة على أسوار حلب، حيث اعتبر اعلامها ما يفعله الجيش السوري في حلب هو هولوكوست آخر، ودعا حاخاماتها ومسؤولوها نتن ياهو لطلب عقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لمناقشة الوضع في حلب، ولكن أنَّى لهم الالتفات وقد أصابهم النفط بعدوى الهذيان، وأصابتهم "إسرائيل" بعدوى الإنسانية، وسيظلون في التاريخ كالزبد الذي يذهب جفاء، ويبقى الأسد في الأرض إلى ماشاء الله.
بيروت برس ــ إيهاب زكي