هيثم المهندس
بلغت عدد حالات الطلاق في العراق سنة (٢٠٢٣) ما يزيد عن (٧٢٠٠٠ ) حالة طلاق اي بمعدل ٢٠٠ حالة طلاق في اليوم , أو ٨ حالات طلاق كل ساعة. وكشفت إحصائية رسّمية، تسجيل المحاكم العراقية: (٤٠٩٢) (٢) حالة طلاق لنساء ( والأدق طفلات )(٣) لم يُبلغن الخامسة عشرة من العمر خلال عامي: (٢٠٢٠-٢٠٢١). وفي ظل هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة برز بشكل كبير نزاع حول حضانة الأطفال من قبل الآباء والأمهات وحول أحقية اي منهما بالحضانة . ولكون المادة ٥٧ من قانون الأحوال الشخصية المرقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩ قد نظمت هذا الأمر . الّا انه و في نفس الوقت وحسب قول الآباء المطالبين بحضانة الأطفال انهم معرضين للظلم في ظل هذه المادة . لذا فإننا نرى مساعي حثيثة لتغيير هذه المادة بعد أن عجزت الأحزاب السياسية الاسلامية الحاكمة في العراق من إلغاء القانون برمته ( وهذا بحث آخر لا مجال لذكره هنا ) فكتبوا مشروع قانون لتعديل هذه المادة ويحاولون رفعه للبرلمان العراقي للتصويت عليه ومن ثم إقراره . وسنلقي في هذه المقالة الضوء على أهم ما ورد في مشروع التعديل هذا, وما يجره من مصائب مستقبلية على الأطفال وما يترتب عليه من سلب لحقوق المرأة والتمييز ضدها .وكذلك مخالفاته المتكررة لبنود الدستور العراقي وبالتالي أسباب رفض الناشطات النسويات و الحركة النسوية في العراق لمشروع التعديل هذا .
المادة ١ ( اولا ) تتضمن انتهاء الحضانة بالزواج او اكمال الثامنة عشر من العمر, وهذا تشريع لزواج القاصرات او بمعنى ادق جعل اغتصابهن قانونيا كونهنَّ لا يدركن معنى الزواج ولا رأي لديهنَّ في تقرير مصيرهنَّ وكذلك اعتداء واضح وصريح على حقوق الطفل في عيش طفولته وزجه في معترك الحياة بدون إذنه وما يترتب على هذه الزيجات من ويلات في افضلها الطلاق كما ورد في الاحصائية اعلاه .وهذ يخالف المادة ((٢٩) أولا / ب ) من الدستور العراقي والتي تنص على" تكفل الدولة حماية الأمومة والطفولة … الخ " لذا وجب حذف هذه الفقرة من مشروع التعديل .
المادة ١ ( ثانياً /٢ ) خفض مدة حضانة الأم للولد من خمسة عشر سنة إلى سبعة سنوات(٥). لم تراعي هذه الفقرة مصلحة الصغير بتاتا وحاجته إلى أمه التي تلبي كل احتياجته وتوفر له الدفء والأمان بسبب وجودها المستمر إلى جانبه . في الوقت الذي يكون الأب الحاضن في العمل من الصباح الباكر وبعيدا عن الولد مدة لا تقل عن عشر ساعات يوميا في في أحسن الأحوال .وتبعا لهذا الوضع تقع بالضرورة مسؤولية تلبية احتياجات الولد والمحافظة عليه ليس على الأب وإنما على شخص آخر, ولذلك تفقد هذه الفقرة فائدتها وأهميتها لمصلحة الطفل ويفقد الأب بالضرورة أيضا صفة الحاضن من الناحية الواقعية كونه بعيد عن الولد وبالنتيجة سيتضرر المحضون بسبب بعده عن ابوه وامه في نفس الوقت. وبالتالي تنفي الفقرة نفسها بنفسها.لذلك وجب حذفها من التعديل لانتفاء حاجتها وعدم تحقق الغاية منها . بالضبط مثلما تشرع قانون يمنع اصطياد البطريق في العراق .ِ
المادة ١ (ثالثا/٢) " يشترط في الحاضن إذا كانت امرأة -ان لا تكون متزوجة بأجنبي عن المحضون….الخ " ولا يشترطها إذا كان الحاضن هو رجل وهذه الفقرة تخالف بشكل صريح وواضح المادة ( ١٤ ) من الدستور العراقي والذي ينص على " العراقيون متساوون أمام القانون دون التمييز بسبب الجنس …. الخ " كما ان وجودها يدل على أنها عقوبة للمرأة المطلقة إذا تزوجت ولا علاقة لها بمصلحة الطفل . لهذين السببين وجب حذفها من مشروع التعديل .
المادة ١ (رابعا/٢) في حالة وفاة الوالدين او فقدانهما أحد شروط الحضانة تنتقل الحضانة إلى الجد الصحيح او احد محارمه . وهنا أيضا يتم حرمان والد الأم من حضانة الولد وإعطاء الحضانة لوالد الأب دون اي مبرر يصب في مصلحة الصغير , وليس سوى تمييز جنسي بين الرجل والمرأة لصالح الرجل . ومرة أخرى تتكرر مخالفة المادة ( ١٤ ) من الدستور العراقي .وفي حالة رفض استلام الجد الصحيح للحضانة او كان متوفيا او فاقد لأحد شروط الحضانة ( هذا لو فرضنا ان الجد الصحيح مشمول بشروط الحضانة في الفقرة ( ثالثا/١ )) فإن الحضانة تنتقل إلى أحد محارم المحضون وهنا لم يحدد محارم المحضون من طرف الأب او الأم . فإذا كان المشرع يقصد طرف الأب تحديدا دون آلام , فهذا تمييز واضح ومخالف للدستور . وان كان لا يقصد ذلك فهذا يعني أنها مصدر للخلاف لتحديد أحقية اي من الطرفين بالحضانة . وبالنتيجة " فسر الماء بعد جهد جهيد بالماء " لذا وجب حذف هذه الفقرة من مشروع القانون .
المادة ١ ( سادسا/ ١) أعطت هذه الفقرة للأب او غيره من الأولياء النظر في شؤون المحضون وتربيته وتأديبه وتعليمه . ان تضمين كلمة التأديب في هذه الفقرة هي إجازة واضحة لممارسة العنف ضد المحضون , كون ان هذه المفردة غير معرفة في القانون العراقي ويعتمد تعريفها عرفا وتعني تحديدا بالعُرف هي ممارسة العنف اللفظي او الجسدي او التهديد بها ضد المحضون ويستطيع المُعنف من ممارسة العنف ضد المحضون استنادا إلى هذه الفقرة وبدلالة المادة ٤١ من قانون العقوبات العراقي المرقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ والذي يعتبر ممارسة العنف من قبل الزوج ضد الزوجة والأولاد القصر….الخ , استعمالا للحق دون المساس به أو محاسبته وفق القانون . وهذا مخالف للمواد ( ١٤ ) و ((٢٩) أولا / ب )) و ((٢٩) رابعا)(٦) من الدستور العراقي لذا وجب حذف هذه الفقرة .
المادة ١ (سادسا/٢) . تنص الفقرة على: ليس للأم حال قيام الزوجية او في عدة الطلاق الرجعي ان تسافر بولدها او تنقله من بيت الزوجية الّا باذن ابيه الخطي او بقرار من المحكمة المختصة . انتهت الفقرة .ولا يتطلب هذا الشرط من الأب في حال قيامه بنفس الأمر . فهل هناك تمييز أوضح من هذا ضد المرأة ؟ وهل هناك وضوح أكثر من هذا في مخالفته للمادة (١٤) من الدستور العراقي ؟ لذا وجب حذف هذه الفقرة من مشروع التعديل او شمول الاب بنفس الشروط كي يتوافق مع الدستور .
المادة ١ ( سابعا/٢) إسقاط الحضانة من الأم في حالة سفرها مع الطفل خارج العراق بدون إذن الولي او بقرار من المحكمة المختصة , فيما لا يشمل هذا الشرط الحاضن الاب . نعود مرة أخرى للتمييز ضد المرأة ومخالفة هذه الفقرة للمادة ( ١٤ ) من الدستور العراقي لذا وجب حذفها او شمول الأب الحاضن بهذا الشرط ايضا ليتوافق مع الدستور .
المادة ١ ( سابعا/٦ ) وهي إسقاط الحضانة من الأم في حالة نشوز الزوجة .نص هذه المادة هو تهديد واضح للزوجة بانها اذا لم تطاوع الزوج فسيتم حرمانها من أطفالها . ولا علاقة لهذه الفقرة بمصلحة الصغير . بالعكس سيعيش الطفل في أجواء غير صحية يسودها العنف والتوتر بسبب بقاء الزوجة مع زوجها تحت التهديد الدائم من قبل الزوج لها بحرمانها من أطفالها في حالة رفضها المطاوعة .وهذا مخالف للمادة (( ٢٩) اولا/ ب ) من الدستور العراقي .لذا وجب حذفها . بالإضافة إلى ان الحكم بالنشوز بحد ذاته هو تمييز ضد المرأة ومصادرة حقها في عدم العيش مع زوجها لأي سبب كان . وكذلك لا تستعمل هذه المفردة في وصف الرجل في قانون الأحوال الشخصية رغم تحقق ذلك قانونا ( لو جاز القول ) (باستثناء قانون تعديل الأحوال الشخصية المرقم ١٨٨ لسنة ١٩٥٩, المادة (١٠) في إقليم كردستان العراق. حيث تستعمل مفردة النشوز للرجل والمرأة ).
عند قراءة الاسباب الموجبة في خاتمة التعديل نلاحظ العبارات والجمل الطنانة والتي لا علاقة لها إطلاقا بمشروع التعديل سوى محاولة إضفاء الشرعية الدينية والقانونية عليه . فلا اعلم ما علاقة حرمان المرأة من حضانة طفلها والتمييز ضدها بتحقيق المحافظة على القيم الدينية والأخلاقية والوطنية وانسجامها مع ثوابت احكام الاسلام . وتحقيق المساواة بتشريع اللامساواة بين المرأة والرجل بالإضافة إلى موافقة مشروع التعديل لأحكام المواد الواردة في الدستور العراقي بمخالفتها . وهذا بالضبط ما اثبتناه .
مما ذكر اعلاه يتبين ان مشروع التعديل هذا ليس سوى فرض عقوبات على المرأة المطلقة وتهديد أية امرأة تفكر بالطلاق او الانفصال عن زوجها بحرمانها من أطفالها حال إقدامها على هذه الخطوة والرضوخ لكل أشكال العنف والتعسف من قبل الزوج دون محاسبة والذي كفلته له المادة ٤١ من قانون العقوبات العراقي المرقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ والخاص بتاديب الزوجة والأولاد من قبل الزوج كما ذكرنا أعلاه . ولا علاقة لمشروع التعديل هذا بمصلحة الصغير باي شكل كان وإنما محاولة جديدة لمصادرة ما تبقى للمرأة من هامش للحقوق .