أصدر حزب الله اللبناني، اليوم السبت، بياناً ينعى فيه امينه العام السيد حسن نصر الله، بعد أن أعلن الجيش الإسرائيلي صباح السبت نجاح عملية اغتياله مساء الجمعة.
من هو نصر الله؟
السيد حسن نصر الله هو رجل دين شيعي يتولى قيادة حزب الله في لبنان منذ فبراير/ شباط 1992. ويعتبر هذا الحزب من أهم الأحزاب السياسية والدينية في لبنان، ولديها قوات مسلحة خاصة بها إلى جانب الجيش الوطني اللبناني.
ويُعتبر نصر الله الذي يحظى بشعبية واسعة في لبنان ودول عربية أخرى، الوجه الرئيسي لحزب الله وقد لعب دوراً رئيسياً في تحوّل الحزب تاريخياً لدخول الساحة السياسية واكتساب نفوذ في هيكل الحكومة اللبنانية.
لدى نصر الله علاقة خاصة مع كل من الجمهورية الإسلامية الإيرانية وزعيمها، آية الله السيد علي خامنئي، ولديه نصر الله معجبون متحمسون بقدر ما لديه أعداء شرسون، ولهذا السبب، لم يظهر علناً لسنوات خوفاً من أن يتم اغتياله من قبل إسرائيل، لكن اختفاءه لم يمنع جمهوره من الاستماع إلى خطبه بشكل شبه أسبوعي.
ولادته
وُلد السيد حسن نصر الله في أغسطس/ آب 1960 في أحد الأحياء الفقيرة شرق بيروت. كان والده يملك محل بقالة صغيراً، وكان نصر الله هو الابن الأكبر بين تسعة أبناء.
كان عمره 15 عاماً عندما بدأت الحرب الأهلية في لبنان؛ وهي عبارة عن معارك مدمرة استمرت لمدة 15 عاماً في هذا البلد الصغير الواقع على البحر الأبيض المتوسط، والتي رسّم خلالها المواطنون اللبنانيون حدوداً وحاربوا بعضهم البعض بناءً على انتمائهم الطائفي.
في بداية الحرب، قرر والد السيد حسن نصر الله مغادرة بيروت والعودة إلى قريته الأصلية في جنوب لبنان: البازورية في مدينة صور بمحافظة الجنوب، وهناك تلقى تعليمه الابتدائي والثانوي.
لم يتوجه السيد حسن نصر الله فقط إلى هويته الشيعية، بل في سن الخامسة عشرة انضم إلى أهم مجموعة سياسية - عسكرية شيعية لبنانية في ذلك الوقت: حركة أمل، وهي جماعة مؤثرة وناشطة أسسها الإمام موسى الصدر.
العودة إلى لبنان والنضال المسلح
رغم أن السيد نصر الله درس في النجف لمدة عامين فقط ثم اضطر لمغادرة العراق، إلا أن وجوده في النجف كان له تأثير عميق على حياته، وهاجر إلى النجف في سن 16 عاماً.
بعد مرور عامين فقط على وجود السيد حسن نصر الله في النجف، توصّل قادة حزب البعث، وبخاصة صدام، إلى استنتاج مفاده أنه يجب اتخاذ المزيد من الخطوات لإضعاف الشيعة. وكان أحد قراراتهم طرد جميع الطلاب الشيعة اللبنانيين من الحوزات العلمية في العراق.
ورغم أن نصر الله درس في النجف لمدة عامين فقط ثم اضطر لمغادرة العراق، إلا أن وجوده في النجف كان له تأثير عميق على حياة هذا الشاب اللبناني: فقد التقى في النجف برجل دين آخر يُدعى عباس الموسوي.
وكان الموسوي يُعتبر أحد طلاب موسى الصدر في لبنان، وخلال إقامته في النجف تأثر بقوة بالأفكار السياسية لروح الله الخميني. كان الموسوي أكبر من نصر الله بثماني سنوات، وسرعان ما أصبح مدرساً صارماً ومرشداً مؤثراً في حياة حسن نصر الله، وبعد عودتهما إلى لبنان، انضم الاثنان إلى القتال في الحرب الأهلية، لكن هذه المرة، توجه نصر الله إلى مسقط رأس عباس الموسوي في بلدة النبي شيت في البقاع.
وكان هذا التحول العميق ناتجاً إلى حد كبير عن حكم أصدره روح الله الخميني. ففي عام 1981، التقى نصر الله بقائد الجمهورية الإسلامية الإيرانية في طهران، وقد عيّنه السيد الخميني ممثلاً له في لبنان "لرعاية شؤون الحسبة وجمع الأموال الإسلامية".
بعد ذلك، بدأ نصر الله في القيام برحلات متقطعة إلى إيران، حيث أقام علاقات مع أعلى مستويات صنع القرار والسلطة داخل الحكومة الإيرانية، وأصبحت معاداة إسرائيل "القضية الفلسطينية" واحدة من أهم الأولويات في السياسة الخارجية لإيران بعد الثورة.
ومع تصاعد عدم الاستقرار في لبنان، هاجمت إسرائيل البلاد في يونيو/ حزيران 1982، واحتلت بسرعة أجزاء كبيرة منها. وزعمت إسرائيل أن الهجوم كان رداً على العدوان الفلسطيني.
بعد وقت قصير من الغزو الإسرائيلي، قرر قادة الحرس الثوري الإسلامي في إيران الذين كانوا يمتلكون خبرة في الحروب، إنشاء مجموعة في لبنان، واختاروا الاسم الذي كانوا معروفين به في إيران ليكون اسم هذه المجموعة: "حزب الله".
في عام 1985، أعلن حزب الله رسمياً عن تأسيسه، وانضم السيد حسن نصر الله وعباس الموسوي، في عمر 22 عاماً مع بعض الأعضاء الآخرين في حركة أمل، إلى هذه المجموعة التي تم إنشاؤها حديثاً، وكان يقودها شخصية أخرى تُدعى صبحي الطفيلي، وسرعان ما تركت هذه المجموعة بصمتها في السياسة الإقليمية من خلال تنفيذ عمليات مسلحة ضد القوات الأمريكية في لبنان.
في منتصف الثمانينيات، ومع تعمق علاقة السيد نصر الله مع إيران، قرر الانتقال إلى مدينة قم لمواصلة دراسته الدينية. وخلال فترة وجوده في الحوزة العلمية في قم، أصبح متمكناً من اللغة الفارسية وأقام علاقات صداقة وثيقة مع العديد من النخب السياسية والعسكرية في إيران.
عندما عاد إلى لبنان، نشأ خلاف كبير بينه وبين عباس الموسوي. في ذلك الوقت، كان الموسوي يدعم زيادة النشاط السوري والنفوذ في لبنان تحت قيادة حافظ الأسد، في حين أصر السيد نصر الله على أن تركز الجماعة على الهجمات ضد الجنود الأمريكيين والإسرائيليين.
وفي عام 1991 تم عزل صبحي الطفيلي من منصب الأمين العام لحزب الله بسبب معارضته لارتباط الجماعة بإيران، وتم تعيين عباس الموسوي بدلاً منه، وبعد عزل الطفيلي، عاد السيد حسن نصر الله إلى بلاده، وأصبح فعلياً الرجل الثاني في جماعة حزب الله.
قيادة حزب الله اللبناني
اغتيل عباس الموسوي على يد عملاء إسرائيليين بعد أقل من عام من انتخابه أميناً عاماً لحزب الله. في العام نفسه، 1992، انتقلت قيادة الجماعة إلى السيد حسن نصر الله. في ذلك الوقت، كان عمره 32 عاماً، وكانت إحدى المبادرات المهمة للسيد حسن نصر الله في ذلك الوقت ترشيح بعض المنتسبين وأعضاء "حزب الله" في الانتخابات اللبنانية، حيث قرر نصر الله جعل الجناح السياسي لحزب الله فاعلاً جدياً في البلاد إلى جانب الفرع العسكري، وتمكن من الفوز بثمانية مقاعد في البرلمان اللبناني.
وفي الوقت نفسه، كان الجناح العسكري للحزب لا يزال متهماً بالتخطيط لعمليات عسكرية وتنفيذها، وكانت إسرائيل قد احتلت جنوب لبنان، وبصفته منظمة جهادية ضد القوات المحتلة، ظل حزب الله مسلحاً.
وتمكن السيد نصر الله من توفير خدمات الرعاية الاجتماعية والرفاهية للعديد من اللبنانيين من خلال تشكيل شبكة من المدارس والمستشفيات والجمعيات الخيرية، وأصبحت هذه السياسة التي لا تزال مستمرة حتى اليوم، واحدة من الجوانب المهمة للحركة السياسية والاجتماعية في لبنان.
انسحاب إسرائيل وشعبية السيد نصر الله
في عام 2000، أعلنت إسرائيل أنها ستنسحب بالكامل من لبنان، منهية احتلالها للمناطق الجنوبية من البلاد. احتفل حزب الله بهذا الحدث باعتباره انتصاراً كبيراً، ونُسب الفضل في هذا الانتصار إلى السيد حسن نصر الله، وهذه هي المرة الأولى التي تنسحب فيها إسرائيل بشكل أحادي من أراضي دولة عربية دون اتفاق سلام، واعتبر العرب في المنطقة ذلك إنجازاً مهماً، وبعد انسحاب إسرائيل من لبنان بدأت قوى سياسية لبنانية وأجنبية تطالب بنزع سلاح حزب الله، فيما تمسّك الحزب بسلاحه.
لاحقاً، توصل السيد نصر الله إلى اتفاق لتبادل الأسرى خلال مفاوضات مع إسرائيل، مما أدى إلى الإفراج عن أكثر من 400 أسير فلسطيني ولبناني ومواطنين من دول عربية أخرى، مما بدا السيد نصر الله أكثر قوة ونفوذاً من أي وقت مضى، وواجه خصومه في السياسة اللبنانية تحدياً جدياً في مواجهته ومنع توسع نفوذه وقوته.
اغتيال الحريري وانسحاب سوريا
عام 2005 توجه الغضب الشعبي نحو حزب الله وحليفتها العسكرية الرئيسية داخل لبنان، سوريا، اللتين اتهمتا بالتورط في اغتيال الحريري، وبعد اغتيال رفيق الحريري، رئيس وزراء لبنان آنذاك، تغير الرأي العام، كونه واحداً من أهم السياسيين المقربين من السعودية، وقد بذل جهوداً كبيرة لمنع صعود نفوذ حزب الله، ونتيجة للتظاهرات الكبيرة التي قامت بها المعارضة في بيروت، أعلنت سوريا أنها ستسحب قواتها من البلاد.
ومع ذلك، عندما جرت الانتخابات البرلمانية في نفس العام، لم يزدد فقط عدد الأصوات التي حصل عليها حزب الله، بل تمكن أيضاً من تعيين اثنين من أعضائه في الحكومة، وفي صيف عام 2006، نفذ مقاتلو حزب الله عملية على الحدود الجنوبية للبنان، أسفرت عن مقتل جندي واحد وأسر جنديين. ردت إسرائيل بهجوم شرس استمر 33 يوماً، قُتل خلاله نحو 1,200 لبناني، وكانت نتيجة هذه الحرب زيادة في شعبية السيد نصر الله كآخر من يقاوم إسرائيل.
في نهاية الحرب، رفض حزب الله مرة أخرى تسليم أسلحته ولعب دوراً رئيسياً في إعادة إعمار الدمار الذي خلفته الحرب، ومع تزايد نفوذ حزب الله، أصر خصومه السياسيون، في لبنان، على أن حزب الله تحوّل إلى دولة داخل دولة، وقالوا إن أنشطته يضعف أمن لبنان واقتصاده، وفي عام 2008، وبعد أشهر من الصراع السياسي، قررت الحكومة اللبنانية تفكيك نظام الاتصالات الذي كان تحت سيطرة "حزب الله" ووضع شؤون الاتصالات بالكامل تحت سيطرة الحكومة، ورفض السيد هذا القرار، وفي وقت قصير، سيطر الحزب من جديد بشكل كامل على بيروت.
قوبل هذا التحرك من قبل نصر الله بانتقادات واسعة من الدول الغربية، ومع ذلك، وبعد المفاوضات السياسية، تمكن من زيادة قوة حزب الله في مجلس الوزراء اللبناني، وتمكن من تجاوز أزمات تاريخية مثل الربيع العربي، والحرب الأهلية السورية، والأزمة الاقتصادية المستمرة في لبنان، وتراجع تمثيله في المجلس النيابي اللبناني بعد الانتخابات الأخيرة عام 2022.
في عمر 63 عاماً، يعتبر حسن نصر الله قائداً سياسياً وعسكرياً في لبنان، رغم الانقسام حول مكانته، ودوره، ورفض خصومه السياسيين لسطوته على الساحة اللبنانية، ونشر حزب الله للأسس الأيديولوجية للإسلام الشيعي.