محمود الجاف
السؤال الذي يشغل الرأي العام الان هو، لماذا يدعم النظام الايراني بعض التنظيمات أو الاحزاب الثورية بشقيها السني والشيعي التي تقاتل الصهاينة ؟
هل ينوي تحرير فلسطين ؟
هذا النظام الذي ساق في ركابه الملايين من الفقراء الى الموت بعد أن سيطر عليهم المُعاقون فكريًا فأصبحوا احد اخطر معاول الهدم التي يمتلكها النظام العالمي الذي حَارب بهم الحرية وقتل الشُعوب وسرَق ثَرواتها . رضوا بكل شيء من أجل انتزاع الزعامة على الحرمين الشريفين ثم السيطرة على العالم الاسلامي ونشر افكارهم المنحرفة في الوقت الذي لم يعُد غريبًا في عصرنا الحالي تبديل الملامح واختلاق الاخبار والصور ونشر الاكاذيب بل وحتى دعمها بالوثائق . هذا النظام الذي ينهل من فكر الخميني الذي كان تلميذا جيدا للمفكر الفرنسي ميشال فوكو الذي يعتبر احد أهم فلاسفة النصف الأخير من القرن العشرين الذي تأثر بالبنيويين ودرس وحلل تاريخ الجنون وعالج مواضيع الإجرام والعقوبات والممارسات الاجتماعية في السجون وابتكر مصطلح ( أركيولوجية المعرفة ) وأرّخ للجنس أيضاً من ( حب الغلمان عند اليونان ) وصولاً إلى معالجاته الجدلية المعاصرة كما في ( تأريخ الجنسانية ).
لهذا يتساءل خصوم جمهورية الموت عن فتاوى مراجعها الدينية ومواقفهم حينما يتعلّق الأمر بمسلمي الأويغور الذين يتعرضون لشتى أنواع القهر بينما تقيم هي أوثق العلاقات مع الصين ضاربة بعرض الحائط المبادئ الإسلامية وشعارات حماية المستضعفين . والأمر نفسه ينطبق على الشيشان في روسيا وغيرهم من الأقليات المسلمة في دول العالم .
إن فصول التغلغل الايراني الموبوء جرّ الويلات على العالم العربي برمّته فقد ادعت طوال سنوات حكمها أن مواقفها مبنية على مبادئها المستمدة من القرآن والسنّة . رغم ان المعايير المذهبية والطائفية ظلّت المحرّك الحقيقي في سياستها تجاه الآخرين وسعت إلى استنساخ تجربتها في دول أخرى مسخِّرة لذلك أمكانياتها الضخمة والاستثمار في الأقليات الشيعية المنتشرة في العالم . إلا أن هذا المشروع الذي حاولت اخفائه تحت شعارات برّاقة لم يكن من مصلحتها أن تظهره فارسيًّا شيعيًّا فتمكنت من ضمّ بعض القوى العربية السنّيّة له وكانت الوجهة الأفضل هي حركة المقاومة الإسلامية حماس وكتائبها المقاتلة داخل غزّة .
حاولت الحصول من خلال هذه العملية على تعاطف كل الاحرار في العالم وتغطية مشروعها التوسعي المرفوع على شعارات مقاومة المشاريع الإمبريالية والاستعمارية الغربية في المنطقة والدفاع عن مقدّراتها. ناهيك عن انها غير قادرة في الحقيقة على مواجهة اسرائيل المدعومة بقوة من الغرب لان الحرب مُكلفة اقتصاديًّا وبشريًّا، ومن اجل ان يبقى اخطبوط الموت حاكما على كرسيه المصمم من جماجم الابرياء كانت نتائج العدوان الصهيوني على قطاع غزة حتى كتابة هذا المقال هي : تدمير الكهرباء والبنى التحتية والمؤسسات الصحية والتعليمية والإدارية واستشهاد أكثر من (44056) منهم (17492) من الاطفال و (11979) من النساء وفقدان (10000) واضعاف هذه الاعداد من المصابين وتهجير الاحياء . علما ان الكيان الصهيوني قد يدخل البقاع الغربي عبر الجولان من اجل فصله عن الجنوب ومحاصرة مقاتلي حزب الله بعد ان فجر حقول الالغام وانسحاب القوات الروسية من نقاط المراقبة لاجبار لبنان على القبول بشروطها التي نقلتها السفيرة الامريكية الى نبيه بري .
ألم يكن هذا النظام هو الذي دعم الحوثي بالمال والسلاح للاعتداء على بلاد الحرمين الشريفين بالطائرات والصواريخ ؟ .. فكيف يدعي أنه يريد تحرير المسجد الأقصى؟! .. ام أن تلك التصريحات جاءت من اجل دغدغة عواطف الذين تحركهم الخطابات الرنانة، لان من الواضح أنها ترغب في الاستحواذ على المسجد الأقصى تمهيدا للاستيلاء على مكة والمدينة .
لقد لجأ الفلسطينيون إلى بغداد بعد تهجيرهم عام 1948 حين أجبروا على ترك منازلهم في حيفا ويافا وفي أعقاب حرب 1967 خرجت موجة ثانية منهم . اما الأخيرة فكانت نتيجة حرب الخليج عام 1991 . ويقدر عددهم قبل عام 2003 بحوالي 34,000 الف نسمة . لكن بعد الاحتلال الامريكي أصبحوا عرضة للاضطهاد والقتل وطردوا من الاحياء التي كانوا يسكنوها فاتخذوا في البداية ملعب حيفا في بغداد مأوى لهم . ثم هربوا وعاشوا في مخيمات مؤقتة على الحدود . بعد ان أصبحت عملية تجديد تصاريح الإقامة لهم صعبة للغاية على عكس غيرهم وصار مفروضا عليهم الخضوع للاستجواب كل شهرين وفي حالة عدم وجود وثائق إقامة سارية المفعول يتم اعتقالهم وتصفيتهم على يد الميليشيات .
فكيف يدافعون عنهم الان ولماذا ؟
لقد فعلت ايران بالعالم العربي في أقل من ثلاثين عاما ما عجزت إسرائيل عنه عبر أكثر من سبعين سنة من العداء المعلن . ولكن وكما يجري في لعبة الشطرنج الامر يشبه معادلة التضحية بالجندي للحفاظ على القلعة، فهي تعمل وفق الحكمة الفارسية القديمة التي تقول :
( اِسحقْ رأس الأفعى بقدم غيركَ )