التشابه بين نظام هتلر ونظام صدام -1-

جمعة, 04/25/2025 - 13:25

شهد القرن العشرون العديد من الأنظمة السياسية التي أسست على القوة والتسلط، بواسطة الانقلابات الدموية, والتي تحققت بفعل دعم وتخطيط المخابرات الغربية خصوصا البريطانية والامريكية, ومنها ما حصل بالعراق في الستينات والسبعينات, والتي يتم تسميتها ثورات جزافا! وحقيقتها أنها مجرد انقلابات عسكرية, وبدعم غربي لتحقيق أهداف القوى العالمية عبر دمى محلية, وحديثنا عن نظام صدام المجرم, الذي استغل الظروف ليتسلق للوصول للحكم في بغداد, بعد نهر من الدم, وتاريخيا نجد تشابه عجيب بين نظام صدام التكريتي ونظام أدولف هتلر في ألمانيا النازية رغم الفارق الزمني والمكاني بين النظامين، إلا أن هناك جوانب مشتركة عدة تجمع بينهما، تتعلق بالطموح القومي، ووسائل القمع المتبعة، واستخدام الحرب لتحفيز الولاء الوطني, ولا يمكن ان يكون التشابه مصادفة.

 

·     اولا: النظرة القومية المتطرفة.

كل من هتلر وصدام استخدموا القومية كأداة لتعبئة الجماهير, هتلر على سبيل المثال، طرح فكرة "العرق الآري" كفكرة تفوّق لتبرير سياساته المدمرة ضد القوميات الاخرى والأقليات وتبرير العنف, كذلك استخدم صدام القومية العربية كوسيلة لتعزيز سلطته واداة مهمة لتعبئة الجماهير، معتقدًا بأنه يمثل مصالح العرب في مواجهة الأعداء الخارجيين، وخاصة الجارة إيران والتي جعل منها عدو, وايضا الكيان الصهيوني جعل منها عدو للتسويق الاعلامي فقط.

هتلر ارتكز على مفهوم (العرق الاري) كقاعدة اساسية له, وهكذا أنشأ نظرية شائنة تُعرف بالتفوق الآري، والتي اعتبرت أن الألمان من أصل نازي هم أرقى الكائنات البشرية, في كتابه *كفاحي*، قدم هتلر أفكاره حول العرق وشدد على ضرورة تطهير ألمانيا من "العرق الأدنى"، الذي تضمّن اليهود، والغجر، والشعوب السلافية, لقد استخدمت هذه الأيديولوجية لتبرير الجرائم الوحشية، وكانت تسمى تلك الأعمال بالسعي  "لتنقية" المجتمع الألماني.

في المقابل استخدم صدام حسين القومية العربية لخلق شعور بالوطنية وتعزيز سلطته, حيث نصب نفسه حاميًا للقومية العربية! وممثلًا لمصالح العرب في مواجهة التحديات الخارجية، في خطبه كان يعبر عن ضرورة وحدة العرب ضد الشعوب "غير العربية"، مما ساهم في تشجيع مشاعر القبائل العربية الولاء للنظام, من دون الاكراد والمسيحيين وباقي الاقليات في العراق, واستخدم القومية العربية خلال حرب العراق ضد إيران (1980-1988)، حيث تم تقديم الحرب كصراع من أجل السيادة القومية العربية، مع معاقبة اي انتقاد داخلي للنظام.

كذلك, استخدم كل من هتلر وصدام القومية كوسيلة لتعبئة الجماهير، حيث قاما بتنظيم مظاهرات واحتفالات وطنية تحت مظلة القومية, حفزت هذه الأنشطة الانتماء والولاء، مما جعل الشعوب أكثر تقبلاً للسياسات القمعية والعدوانية التي اتبعها كلاهما, في ألمانيا، تم تقديم الجيش الألماني (الفيرماخت) بوصفه درعًا لحماية الهوية الألمانية، في حين أن الأجهزة الأمنية العراقية كانت تلعب دورًا مماثلاً من خلال تصدير فكرة أن النظام هو الخط الدفاعي عن القومية العربية.

كذلك, استخدم كل من هتلر وصدام حسين صورة العدو الخارجي لتعزيز موقفهم القومي وإسكات المعارضة, هتلر استغل الأنماط الثقافية والدينية المتأصلة في المجتمع الألماني للتحريض على الكراهية ضد الأقليات كأعداء داخليين، بينما صدام حسين قدم إيران كتهديد دائم للنظام العراقي، وهو ما ساعد في تكريس الولاء للنظام خلال فترات الصراعات المسلحة.

يتضح أن النزعة القومية لدى هتلر وصدام لم تكن مجرد أداة سياسية فحسب، بل كانت أيديولوجية متجذرة في المفاهيم العنصرية والتسلطية، أدت إلى دمار إنساني كبير, هذه العوامل تبرز أهمية الوعي النقدي تجاه الأيديولوجيات القومية المتطرفة لحماية المجتمعات من الاضطهاد والعنف.

 

·     ثانيا: القمع السياسي

عُرف النظامان قمعها العنيف للمعارضة بالأساليب القاسية التي استخدمها لقمع المعارضة وإسكات أي صوت يهدد سلطتهم, لقد أقام هتلر نظامًا بوليسيًا دقيقًا من خلال "الغيستابو" (الشرطة السرية)، حيث قمع أي صوت معارض وأعدم أو سجن العديد من المعارضين بشكل وحشي, وكذلك، استخدم صدام الأجهزة الأمنية لخلق مناخ من الخوف، حيث يتم استهداف أي شخص يُعتقد أنه يمثل تهديدًا للنظام، مما أدى إلى إرهاب واسع النطاق ضد الشعب العراقي.

ويمكن تحديد أساليب القمع السياسي التي اعتمد عليها هتلر ضد الشعب الألماني.. بالتالي:

1-   الآلية البوليسية في النظام النازي.

في ظل حكم هتلر، تم تأسيس نظام بوليسي صارم يعرف بـ "الغيستابو" (الشرطة السرية), كانت هذه القوة تعمل بشكل مستقل وفعّال في مطاردة أي معارضة سياسية أو فكرية, وكانت مهام الغيستابو تشمل: التجسس والمراقبة: حيث قام رجال الغيستابو بالتجسس على المواطنين، وتحليل رسائلهم الهاتفية والبريدية، ومراقبة أنشطتهم اليومية, كان لديهم السلطة الكاملة لإجراء الاعتقالات دون محاكمة.

2-   الاعتقالات التعسفية.

تم اعتقال الخصوم السياسيين بشكل عشوائي دون أي دليل قانوني. وكان يتم اقتياد هؤلاء المعتقلين إلى معسكرات الاعتقال مثل "داتشاو" و"أوشفيتس"، حيث تعرضوا للتعذيب والإعدام.

3-   أعمال العنف المنظم:

قام النظام النازي بتنفيذ عمليات تطهير عنيف ضد الأقليات الأخرى، مما ساهم في نشر الرعب بين السكان. كانت هذه السياسات تعمل على تعزيز "الولاء" للنظام من خلال خلق حالة من الخوف.

اما اساليب القمع السياسي التي اعتمد عليها صدام ضد الشعب العراقي, فقد تم استخدام مجموعة من الأجهزة الأمنية لتحقيق نفس الأهداف القمعية, وكان أبرز هذه التنظيمات:

1-   الاستخبارات العسكرية:

كانت تعمل كمراقب رئيسي على الأنشطة السياسية والاجتماعية، وتمتلك صلاحيات واسعة للاعتقال والتعذيب.

2-   الحرس الجمهوري:

كان يُعتبر القوة الأكثر ولاءً لصدام، وتم استخدامه لقمع الاحتجاجات الداخلية وضمان السيطرة على الوضع الأمني.

3-   ترويع المواطن العادي:

استهدفت الأجهزة الأمنية أي شخص يُشتبه في كونه معارضًا للنظام، سواء كان سياسيًا أو مثقفا أو صحفيًا. كما كانت تصدر تهديدات علنية للمعارضين ولأسرهم بهدف إخماد أي دعوات للمقاومة.

 

·     أساليب القمع والعنف:

عُرف النظامان بعنفهما في قمع المعارضين، فقد تبنى كلٌ منهما أساليب ترويع متشابهة، منها, اولا: (التعذيب): استخدمت كل من الغيستابو والأجهزة الأمنية العراقية أساليب تعذيب وحشية مع المعتقلين, كانت هذه الأساليب تشمل الضرب، الصدمات الكهربائية، وطرق أخرى تهدف إلى كسر إرادة الأفراد... ثانيا:(الإعدامات الجماعية): نفذت كل من نظام هتلر ونظام صدام عمليات إعدام جماعي للمعتقلين السياسيين، حيث كانت تُستخدم كوسيلة لترهيب الجماهير وإخافة كل من يفكر في المعارضة... ثالثا: (زراعة ثقافة الخوف): كان الهدف الرئيسي من هذه السياسات هو خلق مناخ من الخوف الشديد, الذي يجعل المواطنين غير قادرين على التعبير عن آرائهم أو معارضتهم للنظام, هذه الثقافة كانت تسهل على النظام الحفاظ على سلطته بلا معارضة.

وكانت النتائج المترتبة على القمع السياسي: هي تدمير الحياة السياسية والاجتماعية: لقد أدى قمع المعارضة إلى غياب أي أفق ديمقراطي، حيث توقفت النقاشات السياسية وأُغلقت جميع وسائل الإعلام المستقلة. وايضا تسبب القمع السياسي في إضعاف المجتمع المدني, حيث ساهمت أعمال القمع في تدمير البنية التحتية للمجتمع المدني، مما جعل من الصعب على أي مجموعات أو منظمات معارضة أن تنشط.

ويمكن القول إن القمع السياسي الذي مارسه نظام هتلر ونظام صدام لم يكن مجرد عنف عشوائي، بل كان جزءًا من استراتيجية منهجية لتخويف المجتمع وفرض السيطرة. كان أثر هذا القمع واضحًا في تجريف الحياة السياسية والاجتماعية، مما يذكرنا بمخاطر الأنظمة الاستبدادية وأهمية الدفاع عن حقوق الإنسان والحرية.

الكاتب/ اسعد عبدالله عبدعلي

العراق – بغداد

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطرائف