
محمود الجاف
أيها الواقفون على حافة الصمت كأنكم ظل حلم أُطفئ قبل أن يُولد وذاكرة وطن غيبها الجوع رغم انها كتبت بالدم . رأيت على شفاهكم سؤالًا لا يُقال وفي أعينكم خنادق لا وجوه وأرواحا ترتجف كأنها تبحث عن شمس لا تشرق . كأنّ اليأس بات جزءًا من الملامح . اسمع في صمتكم صرخةً من عمق الجراح . جعلونا وقودًا في لعبة نار بين وحشين أحدهما يبيع الحرية بسكين والآخر يهدينا الخلاص بالسلاسل. نحن اليوم بين مطرقةٍ تسحق العظام وسندانٍ يُذيب الروح . قسّمونا لأن وحدتنا تخيفهم . أمريكا والغرب .. يمدّون أياديهم بالوعود ثم يسحبونها عند أول دمعة . يبيعون لنا الاكاذيب كما يُباع الوهم في سوق المساكين . يقيدونا ويطلبون منا أن نرقص للحرية .
وفي الجهة الأخرى نظاماً يسوق الشعارات كالأغلال ويصنع من الطاعة دِينًا ومن الخوف منهجًا ومن الصمت طوق نجاة . إيران تبني إمبراطوريتها على جماجمنا وتسقي طموحها من دمائنا .. نحن لسنا ضحايا الجغرافيا فقط، بل أسرى فكرةٍ صدّقناها طويلًا . هي أن القوّة لا تنبع إلا من الخارج، بينما القوّة الحقيقية تسكن في صدوركم، وفي وعيكم وشجاعتكم . تاكدوا أن التاريخ لا يرحم الشعوب التي استسلمت وأن الطغاة لا يسقطون عندما يُكرَهُون بل عندما يُتجاهَلون . وان النهوض لا يأتي من صوتِ البنادق وحدها بل مع الحقيقة وصبر الواعين ونبض القلوب التي ترفض أن تُطفأ . ولا تظنّوا أن الليل سيُقيم على أرضكم إلى الأبد، وان لا أحد يستحق أن نعيش في ظله سوى كرامتنا . لان الشعوب لا تُقاس بما تعاني بل بما تنهض منه .. تذكروا :
أن الجذور لا تموت حتى إن بَدا الجذع محروقًا والليل مهما طال لن يمنع الفجر من الحضور وان القهر لا يصنع هوية بل يوقظها . ولا تصبروا صبرَ الذلّ بل صبرَ النُبل .
من قال إن الانبعاث لا يولد إلا من الرماد؟
وإنّ الانحناء قدرنا الأبدي؟
أنصتوا لصوت الأرض فهي تبكي تحت أقدامكم . لان الفراتُ يذبل ودجلةُ يحتضر وممر داود (David’s Corridor) ليس خرافة . بل خنجرٌ يُغرز في خاصرة المستقبل . خطة مرسومة على خرائط لا تراها أعينكم ولكنها تحفر لكم عطشًا قادمًا وموتًا بلا رصاص . في يومٍ قريب ستصحو بغداد على هواءٍ لا يسقي وصوتِ أذانٍ بلا ماءٍ للوضوء . أنتم في طريقكم إلى السراب . اذا لم تتوحدوا سيتحول الوطن إلى ذاكرة فقط والذاكرة لا تُروى . ستشرق الشمس، لكن ليس من واشنطن ولا من طهران، بل من بين أيديكم وعلى تراب أرضكم ومن وجعكم النبيل . لكن حين تقرروا أن تُعيدوا لها اسمها وللإنسان قيمته وتكتبوا لحياتكم معنى يليق بكم .
( وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَىٰ أَمْرِهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ )
