في آخر نقطة صحفية أسبوعية عقدها هذا الخميس الموافق 12 يناير 2017، أعلن العقيد باتريك ستيجير ((Patrik Steiger) الناطق باسم الجيوش الفرنسية، أن قوات بركان تمكنت من قتل واعتقال ما يقارب 1500 إرهابيا وأنها ضبطت أكثر من 6 أطنان من الذخيرة والمتفجرات والمواد المختلفة. وأوضح أن هذا تم على أثر 1255 عملية نفذتها“قوة بركان” في منطقة الساحل وبالتعاون مع دولها المعنية.
وقد لاحظ المراقبون أن العدَديْن الأخيرين أقل مما تحقق سنة 2015، حيث نفذت بركان آنذاك 150 عملية وضبطت 16 طنا من الذخيرة.
وتجدر الإشارة إلى أن تناقص حصيلة 2016 ـ مقارنة بسابقتها ـ لا يعود إلى تقاعس التهديد الإرهابي.. لأن المجموعات المسلحة التي تصنف ضمن قائمة “الإرهابيين” لا تبدو عليها اليوم سمات الضعف ولا سكرات الموت، بل هي بعيدة من ذلك تماما : إنها تزداد قوة وقدرة على التصدي للإستراتيجيات التي أُعِدت لمواجهتها. مما يتطلب من دول الساحل وشركائها في المنطقة القيام بمراجعة سياساتهم الأمنية. فإن كانت تلك السياسات قد آتت أكلها في البداية لما وجهت ضربات موجعة للجماعات الإرهابية، ضربات منعتها من إنشاء دولة لها في مالي وفي غيره من البلدان المجاورة، ومن إقامة قواعد لها ثابتة المكان، ومن الحد من أعمالها، ومن منعها منذ أكثر من خمس سنوات من الولوج إلى موريتانيا، فينبغي اليوم تحيين الرؤى الإستراتيجية القديمة (شكل 1 ) لمواءمتها مع تطورات التهديد الإرهابي الذي كسب في الآونة الأخيرة نفسا جديدا وخطيرا في منطقة الساحل.
وفي هذا السياق ينبغي على موريتانيا أن تأخذ حذرها أكثر من أي وقت مضى. فما يعرف بالجماعات “الجهادية” قد أعادت تنظيمها، واتسعت جغرافيا رقعة انتشارها، وتعددت وتنوعت بتكشيل جماعات جديدة، وتموقعت في مناطق هامة جدا من بلدان الساحل المجاورة من بينها مناطق حساسة بالنسبة لبلادنا، كالمناطق الحدودية معمالي وكغابة واقادو (صورة 2).
وكذلك فإن هذه الجماعات قد استعادت قدرتها على تنفيذ الأساليب العملياتية المدرة للمال التي يشكل مسلسل اختطاف واحتجاز الرهائن أهم واخطر أشكالها (صورة 3 ).. وكلنا نتذكر كيف كانت بلادنا هدفا لها في هذا المجال حتى عام 20111.
ومما لا شك فيه أن اختطاف الرهينة الفرنسية صوفي بيترومنين (Sophie Pétronin) العاملة في المجال الإنساني في كاوو بشمال مالي ينذر بتنشيط هذا الاسلوب العملياتي الخطير الدي يشكل أول مصدر لتمويل الإرهاب في الساحل. وقد تمت هذه العملية في صباح السبت الموافق 255 من دجنبر الماضي. ورغم مضي أكثر من ثلاث أسابيع على تنفيذها من طرف مسلحين مجهولين، فإنه لم يعلن لحد الآن شيء عن حالة الضحية ولا عن منفذي الاختطاف.. غير أن الاعتقاد السائد لدى الخبراء وفي الرأي العام يربط الأمر بالعمليات الإرهابية المراد منها الحصول على فدية مالية كبيرة مقابل الإفراج عن الرهينة.
ولا شك أن بلدانا ساحلية أو مجاورة للشريط الساحلي يتواجد فيها الغربيون بكثرة ستكون محل أنظار المختطفين الإرهابيين ووكلائهم الجانحين إلى الحصول على “المال السهل” عبر طرق إجرامية من هذا النوع. وقد يشكل السنغال هدفا بالنسبة لهم.. علما أن عشرات “الجهاديين” االسنغاليين قد التحقوا بالجماعات الإرهابية في داعش بليبيا (صورة 4 ) وفي غيرها من الجماعات والأماكن الأخرى. ونحن نخشى أن يعود بعضهم إلى الوطن ليمارسوا فيه الإرهاب بأمر من سادتهم أو بمبادرة منهم هم أنفسهم.
البخاري محمد مؤمل
مركز أم التونسي للدراسات الإستراتيجية (COTES)