هل الارتباط بشريك جديد يمحو آلام الانفصال؟

ثلاثاء, 09/09/2025 - 08:28

يمثّل فشل أي علاقة عاطفية مصدر ضغط نفسي كبير، ولا يُستغرب أن يؤدي ذلك إلى تدهور في الحالة الذهنية، وغالباً ما يسارع الأصدقاء المقرّبون، بدافع من الحرص، إلى تحذيرك من التسرّع في الدخول في علاقة جديدة، خاصة إذا كان الطرف الآخر يشبه من انفصلت عنه للتو، خشية أن تتعرّض لصدمة عاطفية مجدّداً.
 

ورغم أن تجاوز العلاقة السابقة بسرعة غالباً ما يُقابل بنوع من الوصمة الاجتماعية، فإن دراسات عدّة تشير إلى أن الدخول في علاقة جديدة قد يكون، في بعض الحالات، خطوة مفيدة في التعافي.

لكن لماذا لا تزال هذه الوصمة قائمة؟ وكيف يمكن بناء علاقة جديدة تساعدنا فعلاً على تجاوز آثار العلاقة السابقة؟ وما مدى خطورة الارتباط بشخص يحمل صفات تذكّرنا بالحبيب السابق؟

تقول كلوديا برومبو - وهي خبيرة في علم النفس تجري دراسات في إحدى الجامعات الأمريكية حول العلاقات التي تنشأ بين البالغين - إن "من يسارعون بالبدء في علاقات غرامية جديدة، ينعمون بحياة رومانسية أفضل".

في استعراضها لنتائج دراسة أجرتها حول الحالة النفسية لأشخاص مرّوا بتجارب عاطفية فاشلة، تشير الباحثة برومبو إلى أن هؤلاء كانوا "أكثر ثقة، وشعروا بأنهم محبوبون ومرغوب فيهم بدرجة أكبر، كما زاد لديهم الإحساس بالاستقلالية".

وتوضح أن الاعتقاد السائد بين الناس بضرورة الانتظار لفترة - قد تصل إلى خمسة شهور مثلاً - قبل خوض علاقة جديدة، وبأن العلاقات التي تهدف إلى تجاوز علاقة سابقة تكون قصيرة العمر؛ لا يستند إلى أدلة علمية قوية، بل على العكس، تشير الأبحاث إلى أن المضيّ قُدُماً نحو ارتباط جديد قد يكون الخيار الأفضل.

ففي دراسة شملت أشخاصاً انفصلوا حديثاً عن شركائهم، قال الذين دخلوا علاقات جديدة بسرعة إنهم شعروا بثقة وسعادة أكبر، وقلق أقل.

ويُعزى ذلك إلى أن الفاصل الزمني القصير بين العلاقتين ساعد على الحفاظ على توازنهم العاطفي، ما سمح لهم بالانتقال بسلاسة من تجربة إلى أخرى دون انهيار داخلي.

رغم ذلك، فمن الشائع أن يكون من يسارعون بالارتباط عاطفياً من جديد للتعافي من آثار الانفصال عن حبيب سابق، هم أناسٌ عانوا من مشكلات تتعلق بالافتقار إلى الأمان في العلاقة الفاشلة.

هل تصبح أكثر نضجاً بعد فشل علاقتك العاطفية؟ ومن الأسباب الشائعة التي تُطرح لتبرير التريّث قبل الدخول في علاقة عاطفية جديدة، أنّ الشخص يحتاج إلى وقت ليلتئم جرحه ويزداد نضجاً قبل الإقدام على خطوة جديدة.

ولا شك أن في هذا المنطق قدراً من الصحة، فغالباً ما يتحدث الأشخاص بعد فشلهم في علاقة سابقة عن أنهم تطوّروا نفسيّاً وعاطفيّاً، واكتسبوا شعوراً أكبر بالاستقلالية أو الثقة.

لكن المشكلة أن هذا النوع من "النضج" لا يمكن التحقق منه بسهولة، إذ يستند في الغالب إلى ما يقوله الفرد عن نفسه، لا إلى معطيات ملموسة.

والمفاجأة أن الدراسات التي تناولت تأثير التجارب الصادمة أو المؤلمة على تطوّر الإنسان، تشير في معظمها إلى أن مثل هذه الأحداث لا تؤدي فعلياً إلى تغيّرات جوهرية في الشخصية.

ويعود ذلك إلى ما يُعرف في علم النفس بـ"الأوهام الإيجابية"، وهو تحيّز معرفي يجعلنا نبالغ في تقدير مدى تطورنا بعد التجارب الصعبة، كوسيلة لحماية صورتنا الذاتية.

ويشرح تاي تاشيرو، خبير علم النفس ومؤلف كتاب "علم السعادة الدائمة"، هذه الفكرة قائلاً: "قد يؤدي الانفصال إلى خدش الإحساس بتقدير الذات، ولذلك فإن إقناع النفس بأنك أصبحت أكثر استقلالية بعد انتهاء العلاقة، يساعدك على التوازن النفسي، وقد لا يكون ذلك صحيحاً بالكامل، لكن هذا التصوّر يقلّل من شعورك بالألم".

وتشير الدراسات التي أجراها تاي تاشيرو، خلال عمله في جامعة ميريلاند، إلى أن اختبارات النضج العقلي والعاطفي وتطوّر الشخصية لم تُظهر أي فروق ملحوظة، سواء وجد الشخص شريكاً جديداً سريعاً، أو انتظر فترة أطول بعد الانفصال.

بمعنى آخر، فإن الانتظار قبل الدخول في علاقة جديدة لا يضمن بالضرورة تطوراً أكبر في الشخصية أو نضجاً أعمق.

ومع ذلك، قد يقنع الإنسان نفسه بأنه أصبح أكثر نضجاً، حتى لو لم يكن ذلك دقيقاً على أرض الواقع.

ويلفت تاشيرو إلى أن تصوّرنا لمستوى نضجنا بعد الانفصال يرتبط غالباً بالطريقة التي نفسّر بها سبب فشل العلاقة السابقة، فهل نُلقي باللوم على أنفسنا، أم على الطرف الآخر، أم على ظروف خارجية؟

وقد أظهرت الدراسات أن الأشخاص الذين نسبوا انهيار العلاقة إلى عوامل بيئية - كضغوط العمل أو عدم الانسجام مع عائلة الشريك - شعروا بأنهم تطوّروا بشكل أكبر بعد الانفصال.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف