أفكارنا . كيف تشكل مصيرنا ؟

أحد, 09/21/2025 - 22:31

محمود الجاف

فهم العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي ..
في أعماق التجربة الإنسانية، لا يمكننا الهروب من الألم، ولا من الخسارة، ولا من الإخفاق . ومع ذلك، فإن أكثر ما يعذّب الإنسان ليس الحدث ذاته، بل الفكرة التي يعلّقها على الحدث . نحن لا نغرق لأننا نُرمى في البحر، بل لأننا نجهل كيف نطفو فوق الموج . ولطالما سعى الفلاسفة والعلماء إلى فهم العلاقة بين الفكر والشعور والسلوك حتى جاء النصف الثاني من القرن العشرين ليحمل ثورة فكرية نفسية قادها اثنان من أعمدة العلاج النفسي : ألبرت اليس وآرون بيك . وكان من أبرز ما جاء به إليس تأسيس العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي (Rational Emotive Behavior Therapy – REBT) وهي نظرية تقول ببساطة : " أنت لست ضحية لما يحدث لك، بل ضحية لما تعتقد حول ما يحدث لك " وهكذا لم يعد الهدف من العلاج النفسي فقط التخفيف من الألم، بل إعادة تشكيل التفكير من الجذور . هذه النظرية فتحت بابًا نحو الحرية الداخلية ووضعت على أعتابنا مفاتيح 32 فرضية تمثّل حجر الأساس للتفكير العقلاني الصحي الذي يحتاجه كل إنسان، سواء كان معالجًا أو مستشارًا أو شخص يحاول أن يفهم نفسه فقط . هذه هي الفرضيات التي أسسها ألبرت إليس، مع ذكر المعتقد المخالف الخاطئ غير العقلاني لتتضح الصورة الكاملة .

1 - ليس مهما أن يحبني الجميع .
الفكرة الخاطئة : يجب أن يحبني الجميع دائمًا وإلا فأنا فاشل .

2 - من الجيد أن أكون محبوبًا، لكنه ليس ضروريًا .
الفكرة الخاطئة : إذا لم يحبني الآخرون فأنا بلا قيمة .

3 - الفشل لا يحدد قيمتي .
الفكرة الخاطئة : إذا فشلت فهذا يعني أنني فاشل في حياتي .

4 - لا شيء يجب أن يكون كما أريد دائمًا .
الفكرة الخاطئة : يجب أن تسير الحياة حسب رغبتي وإلا فهي جحيم .

5 - أستطيع تحمّل الألم أو الإحباط .
الفكرة الخاطئة : لا أستطيع تحمل أي نوع من الألم .

6 - الآخرون ليسوا ملزمين بتوقّعاتي .
الفكرة الخاطئة : على الآخرين أن يتصرفوا بالطريقة التي أراها صحيحة.

7 - الخطأ لا يجعلني شخصًا سيئًا .
الفكرة الخاطئة : إن أخطأت، فأنا شخص غير جدير بالاحترام .

8 - الماضي لا يتحكم  بي إلى الأبد .
الفكرة الخاطئة : يجب أن أبقى أشعر بالذنب بسبب ما فعلته .

 

9 - لا شيء قادر على " تدمير" حياتي بالكامل .
الفكرة الخاطئة : إذا خسرت هذا الشيء، فقد انتهت حياتي .

 

10 - الكمال غير واقعي ولا ضروري .
الفكرة الخاطئة : يجب أن أكون مثاليًا لأكون مقبولًا.

11- أنا مسؤول عن مشاعري وسلوكي .
الفكرة الخاطئة : الآخرون يسببون لي مشاعري السيئة .

12 - المشاعر السيئة مؤقتة وقابلة للتغيير .
الفكرة الخاطئة : سأشعر هكذا إلى الأبد، لا فائدة من المحاولة .

13 - لا أحتاج إلى موافقة الجميع دائمًا.
الفكرة الخاطئة : لا أستطيع فعل شيء دون رضا الآخرين .

14 - الرفض لا ينتقص من قيمتي .
الفكرة الخاطئة : إذا تم رفضي، فهذا يعني أنني عديم القيمة .

15 - القلق لا يمنع حدوث السوء .
الفكرة الخاطئة : إذا لم أقلق، فسوف تحدث المصائب .

 

16- لا يمكنني السيطرة على كل شيء .
الفكرة الخاطئة : يجب أن أتحكم في كل الظروف.

17 - المشاعر لا تعني الحقائق دائمًا .
الفكرة الخاطئة : ما أشعر به دليل قاطع على الحقيقة.

18 - العدالة ليست مضمونة دائمًا .
الفكرة الخاطئة : يجب أن تكون الحياة عادلة دائمًا.

19 - القلق حول المستقبل لن يجعله أفضل.
الفكرة الخاطئة : القلق يساعدني على التحكّم في القادم .

20 - الغضب الزائد لا يغيّر الآخرين .
الفكرة الخاطئة : لابد أن أغضب بشدة ليشعر الآخر بخطئه .

21 - الخسارة جزء من الحياة ويمكن التكيّف معها .
الفكرة الخاطئة : لا أستطيع العيش دون هذا الشيء أو الشخص .

22 - المشكلات جزء طبيعي من الوجود الإنساني .
الفكرة الخاطئة : لماذا تحدث المشكلات دائمًا لي فقط؟

23 - التغيير ممكن دائمًا.
الفكرة الخاطئة : فات الأوان، لا يمكنني التغيير الآن.

 

24 - فشل العلاقات لا يعكس من أكون .
الفكرة الخاطئة : إذا رُفضت عاطفيًا، فأنا غير محبوب .

25 - من الطبيعي أن أشعر بالحزن أحيانًا .
الفكرة الخاطئة : لا يجب أن أكون حزينًا أبدًا.

26 - يجب أن أتعامل مع نفسي بلطف .
الفكرة الخاطئة : أنا أستحق القسوة بسبب أخطائي.

27 - قيمتي لا تعتمد على إثبات نفسي دائمًا .
الفكرة الخاطئة : إذا لم أثبت نفسي، فلست ذا قيمة.

28 - النقد لا يدمّرني، بل قد يساعدني .
الفكرة الخاطئة : النقد موجه ضدي ويعني أنني فاشل.

29 - لست مركز الكون.
الفكرة الخاطئة : كل ما يفعله الناس مرتبط بي.

30 - أنا مختلف عن سلوكي .
الفكرة الخاطئة : إن فعلت شيئًا سيئًا، فأنا شخص سيء.

31 - قيمتي لا ترتبط بالنجاح أو الجمال أو رأي الآخرين .
الفكرة الخاطئة : إذا لم أكن ناجحًا أو جميلاً، فلا قيمة لي.

32 - السعادة ممكنة حتى لو لم تكن الحياة مثالية.
الفكرة الخاطئة : لا يمكنني أن أكون سعيدًا قبل أن تسير الحياة كما أريد.

هذه الفرضيات كأنها مرآة تعكس واقعنا الداخلي . نحن لا نحتاج إلى حياة خالية من الألم، بل إلى رؤية عقلانية واضحة لهذا الألم، نحتوي به أنفسنا، ونفكك فيه أفكارنا، لنخلق توازنًا بين العاطفة والعقل . في عالم يمتلئ بالصوت والصورة، بالتوقعات والمقارنات، نحن أحوج ما نكون إلى العودة إلى أنفسنا . وهذا ما يقدمه لنا ( REBT ) لغة داخلية جديدة، تبني الإنسان لا تهدمه، تشجعه لا تلعنه، تحرره لا تسجنه . لا يكتفي بتسكين الألم، بل يسعى إلى تغيير نظام التفكير الداخلي للفرد، من خلال تعليمه كيفية التعرف على أفكاره غير العقلانية، وتفنيدها، واستبدالها بأفكار عقلانية منطقية واقعية . انه علاج نفسي مبني على مبدأ محوري:
" لسنا متألمين بسبب الأحداث، بل بسبب تفسيراتنا غير العقلانية لها "

التطبيقات العملية لـ REBT:
يمكن استخدامه في :
أ - الجلسات العلاجية :
1 - تحليل الأفكار باستخدام نموذج ( ABCDE الحدث – الفكرة – النتيجة – التفنيد – الأثر )
2 - تحدي المعتقدات غير المنطقية .
3 - تدريب المريض على التفكير المنطقي والتسامح مع الذات .

ب - الحياة اليومية :
استخدام أسئلة مثل :
1 - هل هذه الفكرة واقعية؟
2 - هل يمكنني تحمّل ما أظنه غير قابل للتحمّل؟
3 - هل هذا " يجب " أم " أفضل " ؟

ج - في التعليم والتربية :
1 - تعليم الأطفال والمراهقين أن الخطأ لا يعني الفشل.
2 - تعزيز المرونة النفسية بدلاً من المثالية المفرطة.

د - في العلاقات :
1 - ضبط التوقعات .
2 -  التواصل دون لوم أو تهويل أو تحكم .

((REBT)) لا يُلغي المشاعر، بل يدعو إلى فهمها وتفسيرها من زاوية عقلانية . لان الهدف ليس " قمع الألم "، بل جعله مفهومًا ومعقولًا ويمكن تحمله . كثير من الأمراض النفسية تبدأ بجمل داخلية غير عقلانية مثل : " لا أستطيع تحمّل هذا "، " يجب أن يحبني "، " إن لم أنجح فأنا لا شيء ".
العقل الذي يراقب نفسه، يُعيد تشكيل نفسه. العلاج العقلاني الانفعالي السلوكي ليس مجرد أداة للمساعدة، بل هو دعوة للتحرر من الداخل، من السجون التي نبنيها بأفكارنا، من جحيم "يجب" و"لازم" و"كارثة" .. هو دعوة لتعلّم أن نقول :
ما حدث ليس كما أردت. لكنه ليس نهاية العالم وسأكون بخير.

 

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف