الست نجاة احمد سعيد

سبت, 10/25/2025 - 16:37

 

فائزة الفدعم

قديماً، كانت بعقوبة، كسائر المدن العراقية، تتميز بالبساطة والألفة وحب الجار . كانت النسوة يتزاوَرْن للتعارف، وهذه كانت وسيلتهن الوحيدة للتواصل في ذلك الوقت . 

 

كنتُ ووالدي نذهب إلى منطقة المنجرة، وكان والدي صديقًا للسيد أحمد سعيد، زوج الست بدرية، مديرة مدرسة النجاة الابتدائية. هناك تعرفنا عليهم، واستمرت علاقة صداقة بيني وبين ابنتهم، الست نجاة، رغم فارق السن بيننا، فقد ربطتني بها محبة وجيرة. كانت دائمًا تصحبني إلى المعرض المقام في مدرسة بعقوبة الابتدائية للبنين (الحسن ابن علي حاليًا)، حيث كانت المعروضات من إنتاج الطالبات من تطريز ورسم ونحت للتماثيل، وكلها يدوية الصنع . هذه المعارض كانت تثير إعجاب الأهالي، الذين كانوا من محبي مثل هذه اللقاءات الثقافية. كبرنا معًا، وانتقلنا بعد الاستيلاء على ممتلكات والدي لتعديل مجرى نهر خريسان إلى بيت قرب ساحة البرتقالة، فاقتربت المسافة بيننا بعد أن انتقلت هي أيضًا مع والدتها، الست بدرية، إلى بيتها الجديد مقابل بيت سرسم، بالقرب من مدرسة الازدهار حاليًا.

 

شاءت الأقدار أن تتوفى والدتها الست بدرية، وأحيلت الست نجاة على التقاعد. كانت الست نجاة لا تثق بأحد إلا ببعض المقربين، إذ تربت في بيئة صعبة وصارمة. كانت تسافر أحيانًا إلى الخارج، وتضع مفاتيح بيتها عندي كأمانة. فكنت أذهب برفقة أولادي أثناء غيابها لتفقّد البيت وأسقي الحديقة التي كانت تعشقها، ثم أعود بعد إحكام غلق باب دارها. كبرت الست نجاة في السن، وبدأت ذاكرتها تضعف، فأخذتها إلى بيتي لثلاث سنوات، حيث كانت تعود إلى بيتها صباحًا، وتعود لي عند الغروب للمبيت. في تلك الفترة، أصبت بمرض في المرارة، وقررت إجراء عملية لاستئصالها. كانت للست نجاة صديقة أخرى، وهي زوجة السيد طاهر عصفور الأموي، والتي كانت حنونة جدًا معها أثناء غيابي ودخولي المستشفى . أودعتها عندها، إذ منعتني حالتي الصحية من العناية بها كما ينبغي بعد فشل العملية وحدوث خثرة دموية رئوية. بعد فترة، أخبروني أن الست نجاة غادرت بيت الأموي على غير هدى، ويبدو أنها كانت فاقدة الوعي كما سمعت لاحقًا. بعدها، طرق باب بيتي رجلان يدعيان أنهما من أقربائها، وطلبا مني سند ملكيتها للبيت ومصوغاتها الذهبية، فرفضت تسليم أي شيء. ثم جاءت امرأة برفقة الست نجاة، وكانت مرتبكة وغير طبيعية، وطلبت مني إعادة الأمانة التي كانت عندي. كنت أعلم بعدم وجود أقارب للست نجاة، وبقيت محرجة لعدم معرفة علاقة هذه المرأة بها، ولم أستطع رفض طلبها، إذ كانت صاحبة الشأن معها.

 

لاحقًا، علمت بمحاولة الاستيلاء على بيتها، وأبلغتني صديقات مقربات أنها موجودة مع رجلين لتوقيع تنازل عن البيت. أخبرت زوجي، الذي نصح بعدم التدخل حرصًا على سلامة أولادنا، قائلاً : "هي حرة بمالها." ظللت أبحث عنها طويلًا، لكن كالملح الذي يذوب، اختفت من حياتي دون أثر. بعد سنوات، جاءت امرأة لتعيد لي مبلغًا كانت قد استلفته من الست نجاة، فاحتفظت به كأمانة، وطال الزمن دون أي أخبار عنها. لأبرئ ذمتي ، استشرت أهل الشرع حول التصرف بالمبلغ، فأشاروا بأن يُصرف في صدقة جارية، فحفرت لها ولأهلها بئر ماء في إحدى القرى المسلمة بأفريقيا. بذلك أزلت عن نفسي ذمة الأمانة، والله على ما أقول شهيد.

 

رحم الله الست نجاة ووالدتها، وأحسن الله عاقبتنا جميعًا.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف