أُستشهد ليحيا!

ثلاثاء, 12/16/2025 - 08:41

 

ثامر الحجامي

    نأتي الى هذه الحياة باحثين عن الخلود، ونحن نرى آباءنا وأجدادنا يرحلون أمام أعيننا.. نبحث عن السعادة في دمية نلهو بها, والرفاهية في ملابس فاخرة، والفخامة في قصر نسكنه..

   نتباهى بأموالنا، وعدد البلدان التي زرناها، بماركة السيارة التي نقودها، بجواز سفر دبلوماسي، بجلوسنا في مقهى فخم ونحن ندخن الأركيله، وفي معصمنا ساعة سويسرية.. ثم ما نلبث أن نصاب بمرض عضال يأخذ ما زرعناه، فنغمض عيوننا مودعين من حولنا.. فكانت حياتنا؛ من المهد الى اللحد.

   لكن .. هناك من ينسى هذا كله، ويكرس حياته لأهداف كبرى ومبادئ سامية، وينذر نفسه لإحياء أمة، والدفاع عن قومه، ومواجهة الظلمة.. فلا تغريه خزعبلات الحياة، ولا يغتر بملذات الدنيا، يعيش شظف العيش، يعاني آلام الجوع، لكنه لا يتلوى تحت السياط، ولا تقهره ظلمات السجون، لا تبعده الغربة، ولا يهاب قمع الظالمين، يبحث عن الموت، فيهرب منه.

   فيتسامى في هذه المسيرة، وكلما إزداد تواضعا علا شأنا، وكلما تقدم في العمر إزداد هيبة، وكلما مرت عليه ليلة إزداد وقارا وعلما، فيقوى صبره وتزداد شكيمته، ويكبر أثره في النفوس، التي تراه منقذا ومخلصا من أيام المحنة وسياط الجلادين وحبال المشانق، ويكون صوته الشجي أنيسا للضعفاء وهم يستمعون الى كلماته التي تبعث الأمل وتعطي السكينة، ويعدون الأيام يترقبون قدومه.

   لم يكن السيد محمد باقر الحكيم شخصا عاديا، ولا قائدا مغمورا صنعته الصدفة، ولا زعيما إستولى على السلطة فصنع له مجدا كاذبا، بل كان يمثل أمة بكل تجلياتها، بما تعرضت له من قهر وظلم، بما كانت تعاني من سجن وتعذيب وإعدامات، بما كانت تريد هذه الأمة وما تطمح له من حرية، بأهدافها السامية والحياة التي أرادت أن تعيشها بكرامة، لقد كان يمثل تنهدات طفل في مهده، وصرخة عجوز ودعت وحيدها الى السجون، ولوعة شيخ يدفع ثمن إعدام إبنه.

  عاد شهيد المحراب الى الوطن وكأنها عودة مودع، والدموع كأنها ليست فرحة لقاء إنما دموع الفراق، والأصوات التي صدحت عند رؤيته، صرخت عند إستشهاده، والأحضان التي إستقبلته وهو يدخل العراق، عجزت عن إحتضان جسده وهو يرتفع الى السماء، تاركا تاريخا ومشروعا ومنهجا، وصوتا يصدح في آذان العراقيين، وصورة تعيش في قلوبهم, ورمزا للتضحية والإيثار والفداء.

Share

أخبار موريتانيا

أنباء دولية

ثقافة وفن

منوعات وطراف