ندرج المصالح المشتركة بين الرياض وتل أبيب ضمن العناوين التي تحظى بإجماع إسرائيلي. بل يكاد لا يوجد سياسي أو باحث إسرائيلي يشكك في هذا المستوى من التقارب الذي تُجمع كل التيارات السياسية على ضرورة استثماره، لما يمثله من فرصة تاريخية واستراتيجية بالنسبة إلى إسرائيل.
التطابق الكبير على مستوى الرؤية والموقف والمصالح، بين الكيانين السعودي والإسرائيلي، مسألة مسلّمة في تل أبيب. حضر هذا المفهوم، ولا يزال، في مناسبات مختلفة على ألسنة المسؤولين الرسميين والمعلقين السياسيين، وفي أبحاث معاهد الدراسات. وهذا التوافق في مقاربة العلاقات السعودية ــ الإسرائيلية، دفع بهذه القضية إلى صدارة اهتمام المؤسسة الإسرائيلية بكل عناوينها السياسية والإعلامية والبحثية.
من أبرز المفاهيم التي تكررت الإشارة إليها في أكثر من مناسبة في تل أبيب، أن ما بين الطرفين على مستوى الأهداف والمصالح المشتركة ما يكفي للتموضع في الخندق الواحد. فأعداء الرياض هم أنفسهم أعداء تل أبيب، وأولويات الرياض الإقليمية هي نفسها أولويات تل أبيب، والرؤية حول كيفية مواجهة التحديات المشتركة تكاد تكون متطابقة. لذلك لا توجد أي عقبة منطقية تحول دون التواصل العلني والانتقال إلى مرحلة التحالف المكشوف.
استناداً إلى هذه المرتكزات، تناول الباحث ومساعد رئيس «معهد أبحاث الأمن القومي» في تل أبيب، آري هييسطين، في نشرة «تحديث استراتيجي»، مستوى التطابق بين الرياض وتل أبيب على صعيد المصالح والأهداف المشتركة وسياقاتها ومفاعيلها، موضحاً أن السعودية ازدادت قرباً من إسرائيل بعدما أدركت وجود تقارب في الرؤية والتقدير معها إزاء مختلف قضايا الشرق الأوسط، وتحديداً ما يتعلق بمواجهة إيران وحزب الله وحلفائهما. ويؤكد هييسطين أنه رغم غياب علاقات رسمية بين الرياض وتل أبيب، فإن الطرفين عملا من أجل أهداف مشتركة في قضايا إقليمية مركزية.
وشرح أن المملكة تسعى إلى التعاون مع إسرائيل في الوقت الذي سادت فيه البرودة مع واشنطن، ونتيجة لتعارض سلّم الأولويات الأمنية بين الأخيرة والرياض، كما لفت إلى أن «الربيع العربي» عزَّز الفجوات بين السعودية والولايات المتحدة في ساحات عدة، من بينها مصر وسوريا. فمن منظور سعودي، أطاح الأميركيون الحليف المقرب منها، الرئيس المصري حسني مبارك. فيما لم تفعل الكثير، في نظرها، من أجل إطاحة الرئيس السوري، بشار الأسد، الحليف لإيران.
الضبابية الأميركية في كلتا الساحتين دفعت الرياض إلى التشكيك في صدقية واشنطن المستقبلية. وفي موازاة ذلك، شكل الدعم السعودي لفرع «القاعدة» في سوريا («جبهة فتح الشام»)، وهي «جبهة النصرة» سابقاً بهدف إسقاط الأسد، خطوة خطيرة تعرّض الأمن القومي الأميركي للخطر، من منظور جهات أميركية رسمية. وما فاقم المخاوف السعودية من تخلي واشنطن، هو الاتفاق النووي مع إيران، فيما يرى الباحث الإسرائيلي أن الرئيس السابق باراك أوباما لم ينجح في طمأنة المملكة إزاء الدعم الأميركي.
في المقابل، وعلى عكس التوتر بين واشنطن والرياض في الموقف من قضايا الشرق الأوسط، أكد هييسطين «التقارب في الرؤية والتقدير بين السعودية وإسرائيل إزاء الكثير من التهديدات الإقليمية»، مشدداً على أن القضية الأكثر إقلاقاً لكلتا الدولتين هي إحباط طموحات إيران في كل ما يتعلق بسياساتها الإقليمية والقدرة النووية. ويرى أيضاً أن «السعودية وإسرائيل تتفقان على أن تقليص قدرات حزب الله وحلفاء إيران في المنطقة عنصر حيوي في كل ما يتعلق بالجهود التي تبذل من أجل إحباط أهداف إيران في إرباك النظام الإقليمي»، لافتاً إلى أن كلاً من «القاعدة» و«داعش» يشكلان تهديداً محدوداً للجيشين المتطورين، في إسرائيل والسعودية، لكنهما يشكلان تهديداً خطيراً جداً على حلفائهما، الأردن ومصر.
البحث، الذي نشره «أبحاث الأمن القومي»، ذكر أنه رغم غياب علاقات رسمية بين إسرائيل والسعودية، فإن وحدة المصالح دفعتهما إلى العمل من أجل أهداف مشتركة في قضايا مركزية. ومع أن المعلومات العلنية بشأن التعاون في قضية البرنامج النووي الإيراني ليست كثيرة، فإن كليهما يعمل على هدف مشترك، كما يضيف البحث، هو إضعاف القوات التي تتمتع بدعم إيراني في سوريا.
أخيرا، رأى هييسطين أنه في الوقت الذي تسلح وتموّل فيه السعودية منظمات المتمردين في سوريا، الذين يقاتلون محور إيران وحزب الله وسوريا، فإن إسرائيل بقيت عدواً معلناً من قبل حزب الله، وهو الذي اغتالت عدداً من كبار مسؤوليه. وختمت المقاربة الإسرائيلية بالإشارة إلى التكامل بين النظامين في العمل للمحافظة على النظام القائم في دول عدة، من ضمنها الأردن؛ الإسرائيليون عموماً يوفرون المعلومات والتدريبات في مجال الأمن، فيما يسعى السعوديون إلى أن تبقى اقتصادات هذه الدول متحررة من الديون عبر تقديم المنح ومشاريع مساعدة.
بقلم : علي حيدر