عندما نذكر مصطلح " المنبر الإسلامي " تقدح في الذهن عناوين الثقافة والعلوم والمطارحات الفكرية والنقاشات البناءة التي تهدف لبناء فكر وشخصية الفرد المسلم وتحصينه ثقافياً وفكرياً بحيث يصل لدرجة كافية من مواجهة كل الشبهات التي تطرح على الساحة الفكرية الإسلامية بشقيها السنية والشيعية, خصوصاً وإن وسائل الترويج لأي فكر أو ثقافة أصبحت متاحة عند كل فرد كوسائل التواصل الإجتماعي والقنوات الفضائية, ويضاف لذلك كثرة الدعوات الموجهة التي تريد النيل من الإسلام والمسلمين والتي إتخذت من عنوان الإسلام غطاءً لها كعقيدة التجسيم للذات الإلهية المقدسة.
لكن ما يحصل الآن إن المنبر الإسلامي – والكلام هنا عن الأعم الأغلب – لم يقدم شيء من الثقافة الفكرية للفرد المسلم, بل كل ما يقدمه هو عبارة عن معلومات معروفة عند الفرد ويتم تكرارها على مسامعه من قبل هذا الشيخ وذاك القارئ في هذه المناسبة أو تلك, مثلا خطيب المنبر الشيعي يتكلم عن كرامات ومناقب آل البيت " عليهم السلام " أمام جمهور من الشيعة؛ وهنا نسأل ماذا قدم هذا الخطيب للجمهور المتلقي ؟ هم من الشيعة ويعتقدون بإمامة آل البيت " عليهم السلام " ويعرفون كراماتهم وفضائلهم ويعرفون ما حصل وجرى عليهم من ظلم وحيف, فلم يحصل أي تطور فكري وثقافي عند الفرد المتلقي, بل كل ما حصل هو تدوير لمعلومة هي بالأساس موجودة عن هذا الفرد ولم يتم تحصينه ثقافياً وفكرياً في الدفاع عن عقيدته ودينه, فكل ما يتلقاه الفرد عبارات وكلمات معلومة لديه وليست بجديدة وهذا ما لا يحتاجه الفرد المسلم بصورة عامة لأنه مؤمن بالأساس بكل ما يذكر على المنبر ولا يحتاج إلى ذكر كرامات وفضائل لأنه مؤمن ويعتقد بها, بل الذي يحتاجه هو التحصين الفكري والثقافي, فكل ما يطرح الآن على المنبر – الأعم الأغلب – هو عبارة عن تدوير لأحداث ووقائع معلومة عند كل فرد وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على الخواء الفكري الذي مني به المنبر الإسلامي.
لذلك يجب أن تكون هناك ثورة فكرية ثقافية إسلامية تحصن الفرد وتمكنه من الدفاع عن دينه ومذهبه خصوصاً وهناك ثورة علمية إسلامية الآن تملأ وسائل التواصل الإجتماعي يمكن للقارئ وخطيب المنبر أن يستلهم منها الفكر ويطرحه في الشارع من خلال الخطب والمحاضرات الدينية تمكن الفرد من مواجهة الفكر الدخيل كعقيدة التجسيم عند ابن تيمية وفيها إنتصار للذات الإلهية المقدسة وللإسلام ورموز الإسلام وكذلك فيها محاربة للفكر المتطرف المتشدد الذي أخذ يقرع الأبواب ويتسلل إلى عقول العديد من أبناء الإسلام لعدم وجود الحصانة الفكرية والثقافية عن الفرد المسلم, وهذا سببه المنبر الإسلامي الذي لم يقدم المطلوب منه بشكل تام بل اكتفى بجانب وأهمل جوانب أخرى مهمة.
فالحراك الفكري والثقافي الإسلامي الموجود الآن والذي نلاحظ تصاعد وتيرته خصوصاً على مواقع التواصل الإجتماعي والذي ضرب عقيدة التجسيم والفكر الإرهابي المتطرف بالصميم هو عبارة عن منبعاً عذباً للفكر الإسلامي ويمثل مورداً مهماً لإرفاد المنبر الإسلامي بالفكر والثقافة الإسلامية التي تبني شخصية الفرد المسلم وتحصنه وتجعله قادراً على مواجهة أي فكر دخيل وتمكنه من الدفاع عن دينه ومذهبه وهي عبارة عن بحوث توحيدية وبحوث فلسفية فيها الفكر والعلم وبعبارات مبسطة وواضحة وحجج تامة تدحض كل فكر دخيل على الدين والمذهب.
بقلم احمد الجارالله